من أحد أحياء العاصمة السورية دمشق هاجر عماد كركتلي قبل عشرين عاماً وجاب العالم، قبل أن يستقر أخيراً في بروكسل، يجهز حلويات سورية في محله الصغير ويقدمها للبلجيك
ليس بعيداً عن "غراند بلاس" أو الميدان الكبير، وهو أهم معلم في العاصمة البلجيكية بروكسل، تشع من واجهة أحد المحال أنوار تجذب المارة، وتظهِر حلويات متعددة الأشكال والألوان.
مالك المتجر هو المهاجر السوري عماد كركتلي من الجزماتية (في العاصمة السورية دمشق). ترك سورية قبل 20 عاماً، وبات يحمل الجنسيتين الأميركية والألمانية. كما تخرج من مدرسة للطهاة في اختصاص المأكولات السريعة. تعيش ابنته الموظفة في بلجيكا، بينما يعيش باقي أفراد أسرته في ألمانيا، ليتجول بين البلدين منذ سنوات.
عام 2011 ترك سورية مجدداً مع بداية الأزمة، على الرغم من عودته إليها من هجرة طويلة بأمل افتتاح مشروع تجاري. يقول: "نصيبنا أن يكون عملنا اليوم في بروكسل".
لا يهدأ أبو عمر عن الحركة والتعليق على كل شيء يدور في أوروبا أو سورية بتهكم وحزن وجدية في آن. يضع ركوة القهوة العربية في زاوية من المتجر الأنيق الذي تمتلئ رفوفه بالحلويات الدمشقية والمغربية. بتفاخر يقول: "هذه الحلويات هي من وسط دمشق، بالرغم من كل الظروف أردت أنا وشريكي أن نبقي على أصالة ما نعرض من بلدنا... هل قرأت اسم المحل؟ إنه حلويات نور سورية.. لكنني بشكل جدي وبأسف شديد صرت أفكر بتغيير الاسم بعد اعتداءات باريس وفقدان الزبائن ومرورهم من أمام المحل من دون الدخول إليه". يلهو بالركوة ويتحدث عن شريكه السوري: "ذهب صديقي وشريكي إلى سورية لتحضير بضاعة أخرى للمحل فتناوله قناص برصاصة وانتهت حياته بثانية. في سنة من السنوات عدت إلى سورية لأنّي أحبها، أردت أن أستقر وأعمل فيها، فاكتشفت أنّ الفساد بقي مثلما تركته لم يتغير سوى نحو الأسوأ".
ما جرى بعد باريس بالنسبة إلى كركتلي وإعلان الاستنفار يعتبره مؤثراً تأثيراً كبيراً على واقعه وواقع المواطنين العاديين في بلجيكا وغيرها، وخصوصاً على اللاجئين والمهاجرين والنشاط الاقتصادي بما فيه المحال التجارية الصغيرة. ويخشى كركتلي من تأثيرات كثيرة قد يدفع ثمنها؛ "هؤلاء البسطاء الذين جاءوا كمهاجرين من سورية ثم بدأت الأمور تنقلب عليهم بفعل أعمال غبية من البعض ندفع نحن المغتربين واللاجئين أثمانها".
وعن سورية، يقول: "نحن كسوريين تعبنا من هذا الدمار ونريد بحق أن نعيش بسلام. لكن اسأل السوريين عن سبب هجرتهم وستجد النسبة الساحقة تقول لك بسبب النظام وقصفه وتدميره. أما النظام فيتباكى على الشعب، لكنّه يحرض عليه أنّ من بينه إرهابيين. هذه أكبر مهزلة في التاريخ".
وعن عمله في بلجيكا الذي يؤكد بتهكم أنه يريد أن يستوحي بعضه من الحرب السورية، يقول: "أنا بصراحة أفكر بصنع حلويات جديدة بهيئة جنود ومدرعات ودبابات وطائرات. يبدو أنّ هذا هو واقع السوق هذه الأيام، وعلينا أن نواكب العصر". يتحدث عن الأزمة الأخيرة التي أثرت على البيع: "هذا المحل لم تكن تمر دقيقة من دون أن يكون مزدحماً بالزبائن. الآن يمرون إلى جانبه ينظرون إلى الواجهة ويواصلون طريقهم. في السابق كان هؤلاء المواطنون، قبل أن يرعبوهم بذكر اسم سورية، يتناولون الحلوى الدمشقية وهم فرحون ويبتسمون مع شرب القهوة، ويدردشون معي ويمازحونني حول الثقافات والعادات والآداب العامة".
يذهب عماد كركتلي إلى الصلاة في موعدها. يعود منها ويقول: "هذا التطرف في المواقف بين بعض أفراد الجاليات أسمّيه جهلاً وتخلفاً. فأخلاقنا أخلاق الرسول الذي عاد جاره اليهودي الذي كان يرمي القمامة أمام داره. علينا أن نحترم المجتمعات التي فتحت لنا أبوابها. نصيحتي للسوريين المهاجرين واللاجئين أن يتحلوا بهذه الأخلاق، فلا تبرير لأي أفعال منافية للقانون والذوق بدعوى العنصرية، فلا أحد من المهاجرين مجبر على البقاء في أيّ من البلاد التي يقيم فيها إذا تعامل مع محيطه على أنه عنصري فحسب. وكيف تكون هذه البلاد عنصرية وقد استقبلت مئات آلاف اللاجئين؟ أنت كمهاجر ليس من مهمتك أن تقاتل وتتعارك مع هذه المجتمعات حول ما تأكل وما تشرب، وما دخلنا نحن بمأكل ومشرب ومسلك المجتمعات التي تستقبل الناس كمهاجرين إليها؟ الشعب البلجيكي مثلاً محترم وبسيط ويحترمنا. والأصل أن نبادله الاحترام نفسه وفق أخلاقنا العربية الأصيلة. ويجب أن نلتمس لهم الأعذار كما يفعلون معنا".
لا يقتصر الأمر على اسم المحل في الخسائر التي يتعرض لها. فجيران كركتلي البلجيك يعانون أيضاً من ضعف أعمالهم التجارية بعدما فرغ الشارع الذي كان يضم آلاف المتسوقين يومياً من زائريه بسبب إغلاق الشرطة له، فقد جعلته مقتصراً على عناصرها وسياراتها في المركز القريب. وبات كثير من المشاة يتجنبون المرور منه لكثرة المظاهر الأمنية المسلحة فيه.
وفي بعض المناطق التي تبعد بضعة كيلومترات عن وسط ميدان بروكسل لا تعاني مطاعم عربية ما يعانيه كركتلي وأصحاب المحال التجارية الأخرى. في تلك المناطق يخرج الناس إلى المطاعم، ومن بينها السورية، بشكل اعتيادي. وبين هذا وذاك يتوطن في العاصمة البلجيكية نوعان من الخوف؛ أولهما يعيشه البلجيكي، وثانيهما المهاجر. فالأول يخشى من استهدافه بتفجير أو إطلاق نار، أما الثاني فتظل شكواه تدور حول التمييز والعنصرية والخشية من هجمات اليمين المتطرف.
اقرأ أيضاً: أعياد ميلاد بلجيكا... زينة في أجواء مداهمات أمنية
ليس بعيداً عن "غراند بلاس" أو الميدان الكبير، وهو أهم معلم في العاصمة البلجيكية بروكسل، تشع من واجهة أحد المحال أنوار تجذب المارة، وتظهِر حلويات متعددة الأشكال والألوان.
مالك المتجر هو المهاجر السوري عماد كركتلي من الجزماتية (في العاصمة السورية دمشق). ترك سورية قبل 20 عاماً، وبات يحمل الجنسيتين الأميركية والألمانية. كما تخرج من مدرسة للطهاة في اختصاص المأكولات السريعة. تعيش ابنته الموظفة في بلجيكا، بينما يعيش باقي أفراد أسرته في ألمانيا، ليتجول بين البلدين منذ سنوات.
عام 2011 ترك سورية مجدداً مع بداية الأزمة، على الرغم من عودته إليها من هجرة طويلة بأمل افتتاح مشروع تجاري. يقول: "نصيبنا أن يكون عملنا اليوم في بروكسل".
لا يهدأ أبو عمر عن الحركة والتعليق على كل شيء يدور في أوروبا أو سورية بتهكم وحزن وجدية في آن. يضع ركوة القهوة العربية في زاوية من المتجر الأنيق الذي تمتلئ رفوفه بالحلويات الدمشقية والمغربية. بتفاخر يقول: "هذه الحلويات هي من وسط دمشق، بالرغم من كل الظروف أردت أنا وشريكي أن نبقي على أصالة ما نعرض من بلدنا... هل قرأت اسم المحل؟ إنه حلويات نور سورية.. لكنني بشكل جدي وبأسف شديد صرت أفكر بتغيير الاسم بعد اعتداءات باريس وفقدان الزبائن ومرورهم من أمام المحل من دون الدخول إليه". يلهو بالركوة ويتحدث عن شريكه السوري: "ذهب صديقي وشريكي إلى سورية لتحضير بضاعة أخرى للمحل فتناوله قناص برصاصة وانتهت حياته بثانية. في سنة من السنوات عدت إلى سورية لأنّي أحبها، أردت أن أستقر وأعمل فيها، فاكتشفت أنّ الفساد بقي مثلما تركته لم يتغير سوى نحو الأسوأ".
ما جرى بعد باريس بالنسبة إلى كركتلي وإعلان الاستنفار يعتبره مؤثراً تأثيراً كبيراً على واقعه وواقع المواطنين العاديين في بلجيكا وغيرها، وخصوصاً على اللاجئين والمهاجرين والنشاط الاقتصادي بما فيه المحال التجارية الصغيرة. ويخشى كركتلي من تأثيرات كثيرة قد يدفع ثمنها؛ "هؤلاء البسطاء الذين جاءوا كمهاجرين من سورية ثم بدأت الأمور تنقلب عليهم بفعل أعمال غبية من البعض ندفع نحن المغتربين واللاجئين أثمانها".
وعن سورية، يقول: "نحن كسوريين تعبنا من هذا الدمار ونريد بحق أن نعيش بسلام. لكن اسأل السوريين عن سبب هجرتهم وستجد النسبة الساحقة تقول لك بسبب النظام وقصفه وتدميره. أما النظام فيتباكى على الشعب، لكنّه يحرض عليه أنّ من بينه إرهابيين. هذه أكبر مهزلة في التاريخ".
وعن عمله في بلجيكا الذي يؤكد بتهكم أنه يريد أن يستوحي بعضه من الحرب السورية، يقول: "أنا بصراحة أفكر بصنع حلويات جديدة بهيئة جنود ومدرعات ودبابات وطائرات. يبدو أنّ هذا هو واقع السوق هذه الأيام، وعلينا أن نواكب العصر". يتحدث عن الأزمة الأخيرة التي أثرت على البيع: "هذا المحل لم تكن تمر دقيقة من دون أن يكون مزدحماً بالزبائن. الآن يمرون إلى جانبه ينظرون إلى الواجهة ويواصلون طريقهم. في السابق كان هؤلاء المواطنون، قبل أن يرعبوهم بذكر اسم سورية، يتناولون الحلوى الدمشقية وهم فرحون ويبتسمون مع شرب القهوة، ويدردشون معي ويمازحونني حول الثقافات والعادات والآداب العامة".
يذهب عماد كركتلي إلى الصلاة في موعدها. يعود منها ويقول: "هذا التطرف في المواقف بين بعض أفراد الجاليات أسمّيه جهلاً وتخلفاً. فأخلاقنا أخلاق الرسول الذي عاد جاره اليهودي الذي كان يرمي القمامة أمام داره. علينا أن نحترم المجتمعات التي فتحت لنا أبوابها. نصيحتي للسوريين المهاجرين واللاجئين أن يتحلوا بهذه الأخلاق، فلا تبرير لأي أفعال منافية للقانون والذوق بدعوى العنصرية، فلا أحد من المهاجرين مجبر على البقاء في أيّ من البلاد التي يقيم فيها إذا تعامل مع محيطه على أنه عنصري فحسب. وكيف تكون هذه البلاد عنصرية وقد استقبلت مئات آلاف اللاجئين؟ أنت كمهاجر ليس من مهمتك أن تقاتل وتتعارك مع هذه المجتمعات حول ما تأكل وما تشرب، وما دخلنا نحن بمأكل ومشرب ومسلك المجتمعات التي تستقبل الناس كمهاجرين إليها؟ الشعب البلجيكي مثلاً محترم وبسيط ويحترمنا. والأصل أن نبادله الاحترام نفسه وفق أخلاقنا العربية الأصيلة. ويجب أن نلتمس لهم الأعذار كما يفعلون معنا".
لا يقتصر الأمر على اسم المحل في الخسائر التي يتعرض لها. فجيران كركتلي البلجيك يعانون أيضاً من ضعف أعمالهم التجارية بعدما فرغ الشارع الذي كان يضم آلاف المتسوقين يومياً من زائريه بسبب إغلاق الشرطة له، فقد جعلته مقتصراً على عناصرها وسياراتها في المركز القريب. وبات كثير من المشاة يتجنبون المرور منه لكثرة المظاهر الأمنية المسلحة فيه.
وفي بعض المناطق التي تبعد بضعة كيلومترات عن وسط ميدان بروكسل لا تعاني مطاعم عربية ما يعانيه كركتلي وأصحاب المحال التجارية الأخرى. في تلك المناطق يخرج الناس إلى المطاعم، ومن بينها السورية، بشكل اعتيادي. وبين هذا وذاك يتوطن في العاصمة البلجيكية نوعان من الخوف؛ أولهما يعيشه البلجيكي، وثانيهما المهاجر. فالأول يخشى من استهدافه بتفجير أو إطلاق نار، أما الثاني فتظل شكواه تدور حول التمييز والعنصرية والخشية من هجمات اليمين المتطرف.
اقرأ أيضاً: أعياد ميلاد بلجيكا... زينة في أجواء مداهمات أمنية