مرّ على سيطرة النظام وحلفائه على الأحياء الشرقية من حلب، قرابة خمسة أشهر، بعدما خرجت آخر الدفعات من مقاتلي المعارضة المسلحة، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2016. ورغم انقضاء هذه المدة إلّا أن واقع حال المدنيين في الأحياء المدمرة لم يتغير، بل زاد سوءا، فآلاف المدنيين لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم.
وقال الناشط الميداني، أبو محمد الحلبي لـ"العربي الجديد" إن "حلب الآن وبعد سيطرة النظام عليها وإغلاق طرق وممرات المساعدات التي كانت مفتوحة مع كتائب المعارضة بأرياف المدينة باتت تفتقر لمقومات الحياة، وتتجه حياة الأهالي إلى الأسوأ".
ورغم سيطرة النظام على المدينة ما زالت حلب تفتقر للكهرباء لمدة تتجاوز الـ21 ساعة يوميا، فيما اعتمدت بعض الأحياء على المولدات الخاصة "مولدات الأمبيرات" التي تتحكم فيها بشكل عام مليشيات النظام، وهذا انعكس بشكل مباشر على صعوبة تأمين المياه أيضاً، كما يعاني الأهالي من نقص حاد من مادة الخبز بسبب استمرار النظام في إغلاق معظم الأفران حتى الآن، وسط نقص كبير في المواد الغذائية، وندرة المراكز الطبية والصحية خاصة في المناطق الشرقية من حلب، والتي عمل النظام على تسويتها أرضاً، جراء الغارات بالطيران الحربي الروسي والسوري قبل السيطرة عليها.
ويضيف الحلبي أن "القسم الشرقي الذي سيطر عليه النظام مؤخراً تعرض بشكل كامل للسرقة من قبل عناصر النظام ومليشياته، ولم تستثن عمليات السرقة كابلات ومحولات الكهرباء وحتى أسلاك الكهرباء داخل جدران المنازل، بالإضافة حتى لعدادات المياه الخاصة بالنظام ذاته".
وقال حسين المحمد، وهو أحد أهالي الأحياء الشرقية بحلب، إن "النظام وفور سيطرته على تلك المناطق قام باعتقال معظم شباب ورجال الأحياء الشرقية لحلب، حتى وصل الأمر لاعتقال عدد لا بأس به من النساء بتهمة صلة القرابة مع عناصر بكتائب المعارضة، وقد تم سوقهم إلى مراكز تجمع في بلدة جبرين التي يشرف عليها مقاتلو حزب الله اللبناني لتتم تصفية البعض منهم والبعض الآخر ما زال قيد الاعتقال".
ووصف المحمد أحياء حلب المسيطر عليها من قبل النظام مؤخراً بأنها "باتت أشبه بمدينة أشباح، تكاد تخلو من أهلها وذلك للدمار الهائل في الأبنية والبنى التحتيه لتلك المناطق، علاوةً عن خوف الأهالي من النظام وحلفائه من الملاحقات الأمنية والاعتقال والتصفية عند عودتهم إلى منازلهم، فشبح الاعتقال الذي طاول نساء وشبّان هذه الأحياء يشكل هاجساً كبيرا للعوائل المهجرة من الأحياء الشرقية لحلب".
أما أم هاني، وهي من أهالي المناطق التي سيطر عليها النظام أخيراً، قالت "الوضع اليوم مأساوي في ظل توقف الحياة جراء الاعتقالات، وعمليات التقسيم الجارية اليوم بين الأفرع الأمنية التي تقاسمت سيطرتها على أحياء حلب، لفرض عناصرها وحواجزها بين حيّ وآخر".
وأوضحت أم هاني أن "النظام السوري عمل قبل سيطرته، على قتل الأهالي وتدمير منازلهم، واليوم وعقب سيطرته يعمل على اعتقالهم وتصفيتهم وتضييق الخناق عليهم، لقتلهم أيضاً وهم على قيد الحياة، فالنظام السوري بات على عداء واضح مع أهالي حلب، وخاصة المناطق التي انتفضت في وجهه في العام الثاني من الثورة السورية".
بدوره، قال عمر الخالد، وهو أحد مسؤولي توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في حلب لـ"العربي الجديد" إن "عدد العائدين إلى أحياء حلب الشرقية عقب سيطرة النظام عليها لم يتجاوز مئتي ألف نسمة، من أصل ما يقارب 2.5 مليون على الأقل، ما يعادل أقل من عشرة بالمئة من عدد سكان تلك المناطق الأصليين، وقد تركزت عودة العائدين إلى المناطق الأقل تضرراً نوعاً ما كمساكن هنانو، بستان الباشا، عين التل، سيف الدولة، الفردوس والصالحين".
مضيفاً أن "إعلام النظام عمل على متابعة حي مساكن هنانو الذي قام النظام فور سيطرته عليه بتأهيل بعض مرافقه العامة، وإعادة الفرن الآلي للعمل، وترميم بعض المدارس بداخله، لإيهام الأهالي بأن الحي عاود للحياة الطبيعية، فيما تبين فيما بعد بأن النظام عمل على تأهيل هذا الحي بشكل خاص بسبب تحويله لمراكز للأفرع الأمنية في القسم الشرقي من حلب، لملاحقة المطلوبين".
مؤكداً أن "رواية النظام التي تفيد بخروج مليشيات النظام خارج حلب وبأن الروس هم الضامنون لعدم سرقة ونهب أي منزل من الأحياء المسيطر عليها هي رواية كاذبة، فقد احتفظت المليشيات الإيرانية بعدد كبير من المقار في الأحياء المتطرفة، وفي مساكن هنانو بالتحديد حولت المليشيات عدداً من الجوامع إلى حسينيات، ومن بينها جامع عروة البارقي".
ويتابع الخالد: "بالإضافة إلى تسليم مليشيات لواء باقر، والذي يضم العشرات من عشيرة البقارة وغيرها من العشائر الموالية للنظام، أحياء الصالحين والمرجة والفردوس والميسر والجزماتي، ويمتد نفوذهم إلى قرى وبلدات ريف حلب الجنوبي، والجنوبي الشرقي، وقد شهد هذا اللواء تجنيد مقاتلين جدد في صفوفه عقب بسط سيطرته على تلك المناطق، غالبيتهم ممن هم دون سن الثامنة عشرة".