دخلت الحكومتان المتصارعتان على الحكم في ليبيا، في سباق على استنزاف الموارد المالية للبلاد، وسط تعاظم التحذيرات الدولية من أن ليبيا أصبحت على شفا انهيار اقتصادي.
ولجأت حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس إلى الإنفاق من احتياطيات المصرف المركزي، بينما أقدمت الحكومة المنافسة في طبرق شرق البلاد على الاقتراض لتدبير احتياجاتها من النفقات.
وتتقاتل كتائب مسلحة لبسط السيطرة على ليبيا، إلى جانب أزمة سياسية بين تيار محسوب على الليبراليين وآخر محسوب على الإسلام السياسي، زادت حدتها أخيراً، ما أفرز جناحين للسلطة لكل منهما مؤسساته. الأول: البرلمان المنعقد في مدينة طبرق، الذي جرى حله من المحكمة الدستورية، وله حكومته التي تتخذ من مدينة البيضاء (شرق) مقراً لها، أما الثاني، فيضم المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف جلساته) في طرابلس وله حكومة أخرى.
وبحسب عبد الله الثني، رئيس الحكومة المؤقتة في شرقي ليبيا، في مؤتمر صحافي مطلع الأسبوع الحالي، فإن حكومته صرفت 1.5 مليار دينار (1.1 مليار دولار) خلال ثمانية أشهر، مشيراً إلى أنها اقترضت من المصارف التجارية لدفع رواتب الموظفين خلال الربع الأول من العام الجاري، في المناطق التي تسيطر عليها شرقي وجنوبي ليبيا.
وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، برنادينو ليون، الذي يسعى لإنهاء الصراع على السلطة بين الحكومتين الأسبوع الماضي إن "ليبيا على حافة الانهيار الاقتصادي والمالي".
وأضاف ليون، الذي يحاول منذ شهور التوسط في اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، أن الأمم المتحدة تعد مسودة جديدة لاتفاق سياسي محتمل تأمل أن تقدمه للأطراف المتنافسة في الأسبوع الأول من يونيو/حزيران.
كما جرت مباحثات مع الأطراف المتناحرة قبل نحو ثلاثة أشهر، بإشراف صندوق النقد والبنك
الدوليين للوصول إلى مشروع ميزانية مقترحة لمساعدة حكومة الوحدة الوطنية التي يستهدف الحوار الوطني تشكيلها، لكنها لم تلق قبولاً بين الفرقاء.
فحكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس لها ميزانية تناهز 42.9 مليار دينار (31.3 مليار دولار)، وحكومة طبرق لها موازنة أخرى قيمتها 43 مليار دينار.
ويحذر محللون مصرفيون وخبراء اقتصاد من لجوء ليبيا إلى الاستدانة الخارجية لتدبير احتياجاتها في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار موارد الدولة في ظل الصراع الحالي.
وقال المحلل المصرفي، الصديق الشائبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن انخفاض حجم احتياطيات النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي ووصوله إلى مستويات حرجة تؤثر على قدرة البلاد على تغطية الواردات وانخفاض قيمة العملة المحلية، ما ينعكس سلباً على معيشة المواطنين.
وأضاف الشائبي، أن انخفاض إنتاج وتصدير النفط، وتراجع أسعار الخام في الأسواق العالمية، سيؤدي إلى تردي عوائد النفط الممول الأكبر للميزانية العامة في ليبيا.
اقرأ أيضاً: تحذيرات غربية مريبة بشأن استغلال ثروات ليبيا
وتراجع إنتاج ليبيا من النفط من 1.5 مليون برميل في الأوقات العادية، إلى 400 ألف برميل يومياً حالياً، فيما يشكل النفط المصدر الرئيسي لتمويل الميزانية العامة للدولة منذ أكثر من 50 عاماً.
وفي تقرير للصندوق النقد الدولي، فإن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، أثر على الإيرادات النفطية في ليبيا بنحو 10 مليارات دولار خلال 2014، وأن السعر الذي يمكن في إطاره أن يتم الوفاء باستحقاقات الموازنة الليبية هو 100 دولار للبرميل.
واضطرت الأزمة المالية الحالية المصرف المركزي، الذي يتخذ موقفاً دقيقاً بين الحكومتين المتنافستين ويمول البلاد بالكامل، إلى الإفراط في السحب من احتياطياته من النقد الأجنبي. وتحتاج ليبيا إلى 30 مليار دولار لتمويل الواردات سنوياً وتنفق في العادة 40 مليار دولار على ميزانيتها.
وتراجع رصيد احتياطي النقد الأجنبي بنهاية 2014 إلى نحو 76 مليار دولار، مقابل 105 مليارات دولار بنهاية 2013، أي أن المسحوبات بلغت نحو 29 مليار دولار في عام واحد.
وبحسب البيانات الرسمية، صرف المصرف المركزي خلال العام الماضي ما يقرب من 2.5 مليار دينار (1.8 مليار دولار) شهرياً من احتياطاته على المرتبات والدعم خلال العام الماضي، لتغطية احتياجات هذين البندين البالغة 4 مليارات دينار (2.9 مليار دولار).
لكن منذ بداية العام الحالي بدأ المصرف في تقييد الإنفاق على المرتبات الأساسية للموظفين
العموميين ودعم الغذاء والوقود، بجانب تجميد مشروعات البنية التحتية. وجعل هذا موظفي الخدمة المدنية وهم أكبر قوة عاملة في ليبيا يقولون الآن إنهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهرين على الأقل، ويتهمون المصرف المركزي بعدم منح المصارف المحلية السيولة الكافية لإصدار شيكات الرواتب.
وكان رئيس اللجنة الاقتصادية في مصرف ليبيا المركزي، محمد أبوسنية، قال في وقت سابق إن العجز في الموازنة العامة يمول من احتياطيات مصرف ليبيا المركزى.
وأشار أبوسنية إلى أن المصرف المركزي وجد نفسه في مأزق يتمثل في توفير التمويل اللازم لبند المرتبات والدعم بحكم مسؤوليته عن المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي، وكذلك المحافظة على احتياطياته من النقد الأجنبي للمحافظة على استقرار قيمة العملة الوطنية والإيفاء بالتزامات الدولة خارجياً، مؤكداً أن "العجز أصبح بنداً مخيفاً بميزانية المصرف في غياب أية ترتيبات أو سياسات مالية لسدّه".
وحذر من طباعة المزيد من العملة لتغطية العجز في الموازنة، لأنه لا يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني، داعياً إلى ضرورة التركيز على أدوات إدارة السيولة، والمحافظة على استقرار قيمة الدينار الليبي.
ويقول خبراء اقتصاد، إن زيادة الدين العام بنسبة 10% سيرفع مستوى الأسعار بنحو 3.91%، كما أن زيادة عرض النقود بـ 140% سيزيد مستوى الأسعار أيضاً بـ 3.55%.
ويتوقع الخبراء، أن يصل العجز في موازنة العام الجاري إلى 33 مليار دينار (24.2 مليار دولار)، في حين أن العجز خلال العام الماضي بلغ 20 مليار دينار (14.7 مليار دولار).
ويخشى المصرف المركزي خفض قيمة الدينار، ما يزيد من الضغوط المعيشية بارتفاع الأسعار، باعتبار أن البلاد تستورد معظم احتياجاتها من الخارج.
ووفق البيانات الرسمية خسر الدينار الليبي نحو 35% من قيمته مقابل الدولار منذ يناير/كانون الثاني 2011، وتحتاج ليبيا إلى 30 مليار دولار لتمويل الواردات سنوياً، وتنفق في العادة 40 مليار دولار على ميزانيتها.
اقرأ أيضاً:
ليبيا تخشى الوصاية الدولية على ثرواتها
ليبيا تفشل في استرداد 3.3 مليارات دولار
طرابلس تلغي دعم السلع وتقدم دعماً نقدياً مباشراً للمواطنين