يبدو مقر الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة حسّان دياب، وكذلك مكاتب وزرائها، أشبه بخلية نحل تعمل على خط لجم التدهور الاقتصادي وضبط فلتان الدولار واستعادة الاستقرار المالي والمصرفي، في الوقت نفسه الذي تجهد لإنجاز بيان وزاري يؤهلها لنيل ثقة مجلس النواب.
مختلف تصريحات المسؤولين، من رئيس الحكومة نفسه أو حاكم "مصرف لبنان" المركزي، رياض سلامة، فضلاً عن وزير المالية غازي وزني، ورئيس "جمعية مصارف لبنان"، تشي بجدية في العمل لم تشهدها أروقة صناعة القرارات السياسية والاقتصادية والنقدية منذ استقالة الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
وفي هذا الإطار جاءت تصريحات حاكم المصرف المركزي في ما يتعلّق بالاستقرار النقدي، يوم الخميس، حيث أكد أن سعر صرف الليرة اللبنانية الرسمي البالغ متوسّطه 1507.5 ليرات، "سيبقى" كما هو، قائلاً: "نعم سيبقى، وهذا في مصلحة لبنان واللبنانيين".
وبرز لرئيس جمعية المصارف تصريح أمس أيضاً، قال فيه: "لا خوف على الودائع في المصارف اللبنانية، حيث لا يزال سعر الصرف الرسمي لليرة محافظا على مستواه، في حين أن سوق الصيرفة لا يمثل سوى 6% إلى 7% من سوق النقد".
وهذا ما أعطى دفعاً لسندات الدين الحكومية الدولية التي ارتفعت قياسياً أمس الخميس، بعدما بدا المستثمرون أكثر اطمئناناً لقدرة لبنان على سداد الإصدار الذي سيستحق في مارس/آذار المقبل.
وفي وقت متأخر ليل أمس الخميس، عزّزت سندات لبنان الدولية المستحقة في مارس/آذار 2020 مكاسبها، وصعدت 4.1 سنتات، في قفزة قياسية مع تزايد التفاؤل بشأن قدرة البلد على سدادها، حسبما أوردت "رويترز"، التي نقلت عن كبير الخبراء الاقتصاديين ومحلل الأسواق الناشئة في "أوكسفورد إيكنوميكس" نافذ صاووك، قوله إن معنويات السوق تلقت دفعة بعد اجتماعات يوم الأربعاء بين وزراء ومسؤولين مصرفيين لمناقشة كيفية تخفيف الأزمة.
الدولار لا يزال مرتفعاً
لكن رغم الجهود الحكومية لا يزال سعر صرف الدولار مرتفعاً، ومتجاوزاً لسقف 2000 ليرة الذي حددته نقابة الصرّافين بالتنسيق مع المصرف المركزي، إذ إن معدل سعر البيع للزبائن بلغ قبل ظهر اليوم 2140 ليرة، على ضوء بلوغ الحد الأقصى للشراء 2150 ليرة والأدنى 2120 ليرة، فيما بلغ معدل سعر شراء الصرافين الدولار من العملاء 2050 ليرة، إذ بلغ أدناه 2000 ليرة وأقصاه 2060 ليرة.
وكان الدولار انخفض باتجاه 2000 ليرة، وكاد يلامسها فور إعلان تشكيل حكومة دياب في 21 يناير/كانون الثاني 2020، إلا أن الدولار عاد ليرتفع بقوة إثر تصريحات لوزير المالية غازي وزني فُهم منها عجز الحكومة عن السيطرة على سعر الصرف، قبل أن يغرّد وزني أن كلامه عن استحالة عودة سعر الصرف إلى ما كان عليه سابقاً يرتبط بالفترة الراهنة وليس بالمستقبل.
وفي سياق ترتيب وضع السوق النقدية والتدابير المصرفية والمساهمة المحتملة للبنوك في عملية الإنقاذ، برزت اليوم جولة قام بها وفد من مجلس إدارة "جمعية مصارف لبنان" برئاسة سليم صفير، شملت قبل ظهر اليوم وزير المالية غازي وزني، ووزير الداخلية والبلديات محمد فهمي، بينما كانت لافتة زيارة لوفد من "البنك الدولي" إلى وزير الصحة العامة حمد حسن، في وقت يجري الحديث عن طبيعة المساعدة التي يمكن أن يقدّمها إلى لبنان البنك الذي تربطه به العديد من المشاريع والبرامج.
وصدر بيان عن مكتب الوزير وزني أوضح فيه أنه شدّد على عدم المس بالودائع، وحثّ جمعية المصارف على العمل على خفض معدّلات الفوائد في المرحلة المقبلة لتحريك عجلة الاقتصاد وتخفيف الأعباء على المالية العامة.
أما صفير فقال إن "اجتماعنا مع وزير المالية إيجابي جداً، تبادلنا معلومات ولم يتّخذ أي قرار"، مضيفاً أن الأمور إيجابية رداً على سؤال عن قوله أمس إن التدابير التي اتخذتها المصارف مؤقتة، والأمور ستتحسن بعد نيل الحكومة الثقة، وشدد على أن "لا ودائع محجوزة، فهي موجودة في البنوك وستظل موجودة".
أما وزير الصحة فقد التقى وفد البنك الدولي برئاسة المدير الإقليمي لقسم الشرق الأوسط ساروج كومار الذي بحث معه "مشروع القرض الذي يقترحه البنك الدولي وقيمته 150 مليون دولار، من بينها 30 مليون دولار للمستشفيات الحكومية و120 مليون دولار للرعاية الصحية الأولية".
وفي هذا الإطار، يأتي اليوم اجتماع لأصحاب شركات ومؤسسات الصرافة المرخصة، في "نقابة خبراء المحاسبين المجازين"، بحضور رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود.
ورشتان في السراي الحكومية
على خط متصل، يترأس رئيس مجلس الوزراء اليوم في السراي الحكومية ورشة اقتصادية سيشارك فيها، إلى جانب الوزراء المختصين، رؤساء الهيئات الاقتصادية من غرف التجارة والصناعة في لبنان وجمعية الصناعيين، بهدف وضع التصوّر النهائي لسبل مواجهة متطلباتها التي يمكن أن تساهم في إحياء الاقتصاد والإنتاجية، وتأمين الدولار المدعوم لاستيراد المواد الأولية، وتشجيع الصادرات بعد توفير حاجات السوق المحلية من الصناعة الوطنية.
وكان وزير الصناعة عماد حب الله، قال الخميس: "نعمل على حلول قريبة مع مصرف لبنان لمسألة التحويلات من أجل تأمين وشراء المواد الأولية"، وذلك خلال اجتماعه مع وفد من مجلس إدارة "جمعية الصناعيين" الذي زار أيضاً رئيس الجمهورية ميشال عون الذي شدّد على "أهمية دعم إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة لتصنيع مواد للاستهلاك المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، بما ينعكس إيجاباً على ميزان المدفوعات".
وبعد ظهر اليوم الجمعة، تُعقد في السراي أيضاً ورشة قضائية ــ رقابية هي الثانية من نوعها، في إطار تعزيز جهود ضبط الأوضاع المالية والإدارية العامة، ولجم الفساد المستشري في مختلف أرجاء القطاع العام.
الوزير السابق ميشال فرعون اعتبر أن الحكومة بحاجة إلى مساعدات خارجية، خصوصاً أن إمكاناتها محدودة، وعليها أن تبدأ بالإصلاح ووقف المحاصصة والقضاء على المنظومة التي يقوم فيها البعض بتغطية البعض الآخر، ورأى أنه "حين يحصل ذلك كله سيحصل الدعم سواء من الداخل، وخصوصا من الشارع، أو من الخارج وخصوصاً من الجهات الداعمة".