24 أكتوبر 2024
حكومة بنكيران في خمس سنوات
مرت خمس سنوات على تشكيل أول حكومة يقودها الإسلاميون في المغرب. لم تكن تعبيراً عن رغبة السلطة في إدماج هادئ لهم في الحقل السياسي، ولم تكن نتاج توافق سياسي، كما حدث مع حكومة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي عام 1998. كانت حكومة الأمر الواقع التي لم يكن في الوسع تجنبها في ظرف استثنائي، لا سيما بعد المصادقة على وثيقة دستورية جديدة، عُدّت متقدمةً على سابقاتها، وانتخابات برلمانية تصدّرها حزب العدالة والتنمية الذي ظل، في هذه السنوات، محكوماً بهاجس التطبيع مع القصر. وعوض أن تستثمر حكومة عبد الإله بنكيران الكثير مما جاء به دستور 2011 للاقتراب، أكثر، بالنظام السياسي المغربي من ضفاف الديمقراطية الحقة القائمة على دولة الحق والقانون، رضيت بممارسة الحد الأدنى من صلاحياتها الجديدة، وكأنها تعمل وفق دستور 1996.
أخفقت الحكومة في دفع مقتضيات الدستور لإفراز امتداداته في الممارسة السياسية، وذلك بتأويلٍ ديمقراطيٍّ أكثر تقدّماً واستيعابا للمتغيرات، ولم تكن أحسن حالاً من المكونات الأخرى للنخبة المغربية، فاكتفت بالنهل من ثقافةٍ سياسيةٍ تقليديةٍ، تنبني على مجاراة السلطة في سياساتها المختلفة، والحيلولةِ دون معارضتها أو الاصطدام بها، أو بالقوى النافذة المرتبطة بها، وذلك كله في أفق تخويل قطاعٍ من الإسلام السياسي المغربي اندماجاً سلساً وهادئاً في بنيات النظام وهياكله. وبالتالي، تكريس معادلةٍ سياسيةٍ لا تتكئ على مقتضيات الدستور، بقدر ما تتكئ على إرثٍ سياسي، تُشكل التقاليدُ والأعرافُ المخزنية التي راكمتها الدولة المغربية التقليدية في القرون الأربعة الأخيرة عصبَهُ الرئيسي. لم يعمل رئيس الحكومة على تحويل الأخيرة إلى مؤسسةٍ لممارسة ''السلطة'' التي تقترن فيها المسؤوليةُ بالمحاسبة، على درب الإسهام في تعبيد الطريق أمام الانتقال الديمقراطي، بل اكتفى بممارسة القليل من صلاحياته التي خصّه بها الدستور، مفضلاً النزوع نحو مزايداتٍ شعبويةٍ لا تقدّم ولا تؤخر.
ظل هاجس الإسلاميين المغاربة في السنوات الخمس أن يصبحوا جزءاً من اللعبة السياسية، على ما فيها من أعطابٍ ونقائص، خصوصاً أنهم يدركون جيداً أن جهاتٍ نافذة داخل دائرة صنع القرار السياسي والاقتصادي قبلت على مضض فوزهم في انتخابات 2011، وتشكيلهم الحكومة. أغفلوا أن معظم تجارب الانتقال الديمقراطي الناجحة لا بد وأن تمر عبر إصلاح دستوري واسع، يمهد الطريق أمام إصلاحٍ سياسيٍّ يتطلب الجرأة والشجاعة اللازمتين لإنجازه، فلا يقتصر على إعادة النظر في توزيع السلطة بين القوى والفاعلين، بل يمتد إلى أجهزةٍ ومؤسساتٍ حيويةٍ، مثل الإدارة والقضاء والأمن والتعليم والإعلام، في أفق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية. هذا الانكفاء المؤسساتي للحكومة جعل الجميع، دولةً ونخباً ومجتمعاً، يخسر معركةَ التأويل الديمقراطي للدستور، ويضع الاختيار الديمقراطي الذي نص عليه الدستور، باعتباره من الثوابت الجامعة للأمة، محطَّ تساؤل كبير.
عجز الإسلاميين عن الانخراط في جعل الوثيقة الدستورية مدخلاً أساسياً لتوسيع هامش الانفتاح السياسي ودمقرطة الحياة السياسية، انعكس على أداء الحكومة في ملفاتٍ كثيرةٍ، أبرزها الملفان الاقتصادي والاجتماعي. فعلى الرغم من قيامها بإجراءات جزئية في هذا الصدد، إلا أن ذلك ظل مرتبطاً بهاجس التوازنات التي تلح عليها المؤسسات المالية الدولية الكبرى، كما أنه جاء على حساب الطبقة الوسطى التي منحت قطاعاتٌ واسعةٌ منها أصواتها لحزب العدالة والتنمية في آخر انتخابات تشريعية وبلدية. ويظل مشروع إصلاح صناديق التقاعد الذي تقدّمت به أحد العناوين الدالة لإخفاقها، ليس فقط بسبب رفضه من شرائح واسعة من المجتمع. ولكن، لعدم استناده إلى رؤية إصلاحية متماسكة، تأخذ بالاعتبار مصالح مختلف القوى الاجتماعية.
ربما لا يدرك الإسلاميون أن السلوك الانتخابي للطبقة الوسطى ينهض على غير قليلٍ من البراغماتية، وقد تضرّرت كثيراً هذه الطبقة من سياسات حكومة بنكيران التي جعلتها تدفع ثمن إصلاحاتٍ صبّت، في معظمها، لفائدة الطبقات الفقيرة والهشّة، وربما فات هؤلاء، على غرار نظرائهم في أقطار عربية أخرى، أن نجاح أي انتقال ديمقراطي يقوم على هذه الطبقة، في سياساتٍ عمومية متكاملة، خصوصاً في التعليم والصحة والشغل واحترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
إخفاقُ حكومة بنكيران على الواجهتين الاقتصادية والاجتماعية لا يعكس، فقط، إخفاقها المؤسساتي في تجسير الهوة بين الوثيقة الدستورية والحقل السياسي، بل يطرح أسئلةً تخص رؤية الإسلاميين المغاربة لإكراهات الانتقال الديمقراطي، ومستقبلَ علاقتهم بباقي الفاعلين والقوى، وحدودَ الاستراتيجي والتكتيكي في أدائهم، هذا إذا عرفنا أن قطاعاً واسعاً داخل السلطة لا يبدو مرحّباً بفوز انتخابي آخر، يُعيدهم إلى قيادة الحكومة.
أخفقت الحكومة في دفع مقتضيات الدستور لإفراز امتداداته في الممارسة السياسية، وذلك بتأويلٍ ديمقراطيٍّ أكثر تقدّماً واستيعابا للمتغيرات، ولم تكن أحسن حالاً من المكونات الأخرى للنخبة المغربية، فاكتفت بالنهل من ثقافةٍ سياسيةٍ تقليديةٍ، تنبني على مجاراة السلطة في سياساتها المختلفة، والحيلولةِ دون معارضتها أو الاصطدام بها، أو بالقوى النافذة المرتبطة بها، وذلك كله في أفق تخويل قطاعٍ من الإسلام السياسي المغربي اندماجاً سلساً وهادئاً في بنيات النظام وهياكله. وبالتالي، تكريس معادلةٍ سياسيةٍ لا تتكئ على مقتضيات الدستور، بقدر ما تتكئ على إرثٍ سياسي، تُشكل التقاليدُ والأعرافُ المخزنية التي راكمتها الدولة المغربية التقليدية في القرون الأربعة الأخيرة عصبَهُ الرئيسي. لم يعمل رئيس الحكومة على تحويل الأخيرة إلى مؤسسةٍ لممارسة ''السلطة'' التي تقترن فيها المسؤوليةُ بالمحاسبة، على درب الإسهام في تعبيد الطريق أمام الانتقال الديمقراطي، بل اكتفى بممارسة القليل من صلاحياته التي خصّه بها الدستور، مفضلاً النزوع نحو مزايداتٍ شعبويةٍ لا تقدّم ولا تؤخر.
ظل هاجس الإسلاميين المغاربة في السنوات الخمس أن يصبحوا جزءاً من اللعبة السياسية، على ما فيها من أعطابٍ ونقائص، خصوصاً أنهم يدركون جيداً أن جهاتٍ نافذة داخل دائرة صنع القرار السياسي والاقتصادي قبلت على مضض فوزهم في انتخابات 2011، وتشكيلهم الحكومة. أغفلوا أن معظم تجارب الانتقال الديمقراطي الناجحة لا بد وأن تمر عبر إصلاح دستوري واسع، يمهد الطريق أمام إصلاحٍ سياسيٍّ يتطلب الجرأة والشجاعة اللازمتين لإنجازه، فلا يقتصر على إعادة النظر في توزيع السلطة بين القوى والفاعلين، بل يمتد إلى أجهزةٍ ومؤسساتٍ حيويةٍ، مثل الإدارة والقضاء والأمن والتعليم والإعلام، في أفق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية. هذا الانكفاء المؤسساتي للحكومة جعل الجميع، دولةً ونخباً ومجتمعاً، يخسر معركةَ التأويل الديمقراطي للدستور، ويضع الاختيار الديمقراطي الذي نص عليه الدستور، باعتباره من الثوابت الجامعة للأمة، محطَّ تساؤل كبير.
عجز الإسلاميين عن الانخراط في جعل الوثيقة الدستورية مدخلاً أساسياً لتوسيع هامش الانفتاح السياسي ودمقرطة الحياة السياسية، انعكس على أداء الحكومة في ملفاتٍ كثيرةٍ، أبرزها الملفان الاقتصادي والاجتماعي. فعلى الرغم من قيامها بإجراءات جزئية في هذا الصدد، إلا أن ذلك ظل مرتبطاً بهاجس التوازنات التي تلح عليها المؤسسات المالية الدولية الكبرى، كما أنه جاء على حساب الطبقة الوسطى التي منحت قطاعاتٌ واسعةٌ منها أصواتها لحزب العدالة والتنمية في آخر انتخابات تشريعية وبلدية. ويظل مشروع إصلاح صناديق التقاعد الذي تقدّمت به أحد العناوين الدالة لإخفاقها، ليس فقط بسبب رفضه من شرائح واسعة من المجتمع. ولكن، لعدم استناده إلى رؤية إصلاحية متماسكة، تأخذ بالاعتبار مصالح مختلف القوى الاجتماعية.
ربما لا يدرك الإسلاميون أن السلوك الانتخابي للطبقة الوسطى ينهض على غير قليلٍ من البراغماتية، وقد تضرّرت كثيراً هذه الطبقة من سياسات حكومة بنكيران التي جعلتها تدفع ثمن إصلاحاتٍ صبّت، في معظمها، لفائدة الطبقات الفقيرة والهشّة، وربما فات هؤلاء، على غرار نظرائهم في أقطار عربية أخرى، أن نجاح أي انتقال ديمقراطي يقوم على هذه الطبقة، في سياساتٍ عمومية متكاملة، خصوصاً في التعليم والصحة والشغل واحترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
إخفاقُ حكومة بنكيران على الواجهتين الاقتصادية والاجتماعية لا يعكس، فقط، إخفاقها المؤسساتي في تجسير الهوة بين الوثيقة الدستورية والحقل السياسي، بل يطرح أسئلةً تخص رؤية الإسلاميين المغاربة لإكراهات الانتقال الديمقراطي، ومستقبلَ علاقتهم بباقي الفاعلين والقوى، وحدودَ الاستراتيجي والتكتيكي في أدائهم، هذا إذا عرفنا أن قطاعاً واسعاً داخل السلطة لا يبدو مرحّباً بفوز انتخابي آخر، يُعيدهم إلى قيادة الحكومة.