حكومة المغرب في مرمى أزمات الدعم والبطالة والسيولة

29 مارس 2014
رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بن كيران
+ الخط -

"اكتشفت أن الإصلاح ليس بالسهولة التي كنت أتصور".هذا ما قاله رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، في حديث له أواخر فبراير/ شباط الماضي، عن حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه ومعه حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه.

ولم يسلم بن كيران، الذي كان أكثر جرأة من سابقيه عندما أقر رفع الدعم جزئيا عن المحروقات لخفض عجز الموازنة بنحو النصف، من أزمات اقتصادية قد تعجل بتعديل وزاري كبير.

ففي آن واحد، تحاول حكومة بنكيران إيجاد حلول ناجعة للعديد من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد المغربي، جلها يعود إلى ما قبل تعيينها فى 3 يناير/كانون الثاني 2012، مثل ارتفاع تكلفة دعم المواد الأساسية، وأزمة أنظمة التقاعد، والغلاء، والبطالة، والمديونية، وأزمتي النقد الأجنبي والسيولة.

إصلاح نظام الدعم والأسعار

يتصدر إصلاح صندوق المقاصة (الخاص بدعم المواد الأساسية) قائمة الأزمات التي يعاني منها الاقتصادي المغربي، والحسم فيها يؤرق حكومة بنكيران، إذ يتطلب الشروع في إصلاح هذا الصندوق "توافقا" بين الأحزاب، أغلبية ومعارضة، تحسبا للاحتجاجات المحتمل اندلاعها في حال تسجيل أية زيادة في الأسعار نتيجة رفع الدعم عن المواد الأساسية.

وتشير أحدث الإحصائيات الرسمية إلى أن نظام الدعم استحوذ على 42 مليار درهم من الميزانية العامة للدولة لعام 2013.

وتعتبر الحكومة هذا الرقم "إنجازا" بالنظر إلى ميزانية هذا النظام التي بلغت 54 مليار درهم عام 2012، علما بأنها لم تكن تتجاوز 11 مليار درهم عام 2004.

وحتى الساعة، لا تزال الحكومة المغربية تؤكد أن 2014 سيكون عام إصلاح نظام دعم المواد الأساسية، غير أنها تربط تحقق هذا الإصلاح بتوصل أحزاب الائتلاف الحكومي إلى صيغة توافقية بشأنه في ظل مخاوف من انعكاسات سلبية على الأسعار، قد تدفع هذه الأحزاب ثمنها "سياسيا" خلال الانتخابات المقبلة سواء البلدية المرتقبة العام المقبل أو التشريعية عام 2016.

كما أن بعض أحزاب التحالف الحكومي، مثل التجمع الوطني للأحرار (وسط)، والتقدم والاشتراكية (يساري)، يطالب بنكيران بالانفتاح على المعارضة لبحث الصيغة النهائية لهذا الإصلاح.

من جهتها، تنتقد أحزاب المعارضة تأخر تفعيل هذا الإصلاح، وتتهم في الوقت نفسه الحكومة بالسعي إلى ضرب القوة الشرائية للطبقة المتوسطة عبر انتهاج رفع الأسعار طريقا وحيدا للإصلاح، وهو الاتهام الذي يرد عليه بنيكران بتأكيد استعداده لـ"تفعيل هذا الإصلاح مهما يكن الثمن".

وفي الطريق إلى إصلاح نظام الدعم، أقر بنكيران، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، نظام المقايسة الذي يربط أسعار المحروقات السائلة محليا بأسعارها في السوق الدولية، قبل إلغاء الدعم الموجه للبنزين الممتاز والفيول(عدا فيول السولار) الموجه لإنتاج الكهرباء، شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي الوقت نفسه بدأ رفعا تدريجيا للدعم عن الغازو(غاز المنازل) في أفق الرفع النهائي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وتراهن حكومة بنكيران على هذه الإجراءات لتخفيض كلفة الدعم إلى 35 مليار درهم خلال العام الجاري، وهو ما يعادل 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

ولأن هاجس الأسعار ظل دائما حاضرا بقوة في هذا الإصلاح، فقد قررت الحكومة عدم مس الدعم الذي يستفيد منه البوتاجاز والحبوب والدقيق باعتبارها المواد الأكثر استهلاكا من قبل الأسر المغربية.

بالموازاة مع هذه التدابير، تعمل الحكومة المغربية أيضا على دعم عمليات التنقيب عن النفط، حيث وصل عدد الشركات الناشطة في هذا المجال في المغرب إلى 32 شركة، خلال العام الجاري، غير أن عمليات التنقيب لم تسفر حتى الساعة عن أية نتائج إيجابية.

كما يراهن المغرب على تنفيذ برنامج لتطوير إنتاج الطاقة الريحية بقيمة 5.31 مليار درهم، إضافة إلى مشروع للطاقة الشمسية يتضمن إنجاز 5 مركبات لإنتاج الكهرباء من مصدر شمسي بميزانية تصل إلى 9 مليارات دولار، مما سيمكن المغرب من إنتاج حوالي 2000 ميجاوات من الكهرباء، في مطلع عام2020.

وبفضل هذه المشاريع، يراهن المغرب على تصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا موازاة مع تخفيض وارداته من الطاقة بنحو مليون طن من الطاقة الأحفورية.

إصلاح أنظمة التقاعد

تعهد بنكيران، في أكثر من مناسبة، بتفعيل إصلاح أنظمة التقاعد خلال العام الجاري 2014. وقد قطعت الحكومة أشواطا كبيرة في اتجاه إقرار هذا الإصلاح، إذ حسمت السيناريوهات المتاحة، وهي رفع سن الإحالة على التقاعد لتتجاوز سن 60 سنة المعمول بها حاليا، أو رفع مساهمة المنخرطين في صناديق التقاعد، وفق تصريحات سابقة لمحمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية المغربي.

غير أن البدء في تنفيذ هذه السيناريوهات يمر بالضرورة عبر التوصل إلى اتفاق مع المركزيات النقابية التي تتشبث برفضها القاطع رفع سن التقاعد أو رفع مساهمة المنخرطين في الصناديق.

وتقول الحكومة إنها في انتظار ليونة في موقف النقابات، لتشهر ورقة الأرقام المقلقة، لتأكيد استعجالية هذا المطلب، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى أن هذه الأنظمة ستسجل، بدءا من العام الجاري، عجزا سنويا بقيمة 22 مليار درهم مغربي.

وفي هذا السياق، تندرج تصريحات لبنكيران، العام الماضي، يحذر فيها من إفلاس صناديق التقاعد المغربية مطلع العقد المقبل في حال عدم اتخاذ أي إجراء إصلاحي.

البطالة

كان تقليص البطالة من أهم وعود حكومة بنكيران في برنامجها الذي نالت به ثقة البرلمان المغربي يوم 22 يناير/كانون الثاني 2012.

غير أن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على المغرب حدت من قدرات الاقتصاد المحلي على خلق فرص العمل في العام المنصرم، وارتفعت البطالة بـ0.2%، حيث وصلت إلى 9.2% مقابل 9% عام 2012.

فبحسب المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة المكلفة بالإحصاء في المغرب، خلق الاقتصاد المغربي 114 ألف فرصة عمل خلال العام الماضي، 88 ألفا منها في الأرياف.

بيد أن هذه النتيجة لم تحل دون ارتفاع عدد العاطلين بـ 43 ألفا، حيث زاد من 1.038 مليون عاطل في 2012 إلى 1.081 مليون في نهاية العام الماضي.

ومع ذلك، اعتبر مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، هذه النتائج المحققة في مجال محاربة البطالة إيجابية، وقال في تصريحات، في شهر فبراير/شباط الماضي، إنها "عكست مجهودا حكوميا معتبرا في مجال مكافحة البطالة".

وقد استدل الوزير المغربي على "إيجابية" هذه النتائج بانخفاض بطالة الشباب حاملي الشهادات من 16.7% عام 2012 إلى 16.3 في نهاية العام الماضي.

غير أنه ينتظر الحكومة َ مجهودٌ أكبر لحل مشكلة البطالة خلال  عام 2014، في ظل توقعات المندوبية السامية للتخطيط ارتفاع هذه الظاهرة إلى 9.8% في نهاية العام.

النقد الأجنبي

بلغ احتياطي المغرب من النقد الأجنبي 151.9 مليار درهم في نهاية الأسبوع الأول من شهر مارس/آذار الجاري، وهو ما يكفي لتغطية حاجيات البلاد لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام.

ويعتبرهذا الرقم  تحسنا ملموسا قياسا بالفترة ذاتها من السنة الماضية بنسبة تصل إلى 4.6% حين كان حجم الاحتياطي قريبا من النزول إلى مستوى يقل عن تغطية أربعة أشهر من واردات البلاد من السلع والخدمات، وهو العتبة التي تعهدت الحكومة المغربية أمام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعدم النزول عنها.

وفي العام الماضي، دعا عبد الإله بنكيران زعماء تحالفهم الحكومي إلى اجتماع خاص لبحث حلول ناجحة لأزمة النقد الأجنبي.

وفي هذا السياق، أقدمت حكومة بنكيران، مايو/أيار الماضي، على طرح سندات سيادية في السوق الدولية بقيمة 750 مليون دولار.

كما تمكنت من تقليص حدة هذه الأزمة بفضل حصول البلاد على مساعدات إماراتية وسعودية وكويتية، في إطار المساعدات التي أقرها مجلس التعاون الخليجي للمغرب عام 2011 بموجب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي تجمع الطرفين.

وحصل المغرب، قبل ايام، على وعد قطري بصرف 500 مليون دولار كدفعة أولى من إجمالي 1.25 مليار دولار تعهدت الدولة الخليجية بمنحها للرباط في إطار الشراكة الاستراتيجية المغربية.

في سياق متصل، تعيش السوق المالية المغربية، منذ نحو 3 سنوات، على إيقاع أزمة سيولة، غير أن البنك المركزي المغربي يعمل على ضخ مبالغ مالية مهمة في السوق النقدية المحلية لمواجهة هذه الأزمة وتمويل الاقتصاد، إذ يتم أسبوعيا ضخ ما معدله 60 مليار درهم في السوق النقدية المحلية، رغم أن حاجياتها الأسبوعية من السيولة تقدر بـ 70 مليون درهم.

المديونية الخارجية

في 29 يناير/ كانون الثاني، طمأن بنكيران برلمان بلاده بشأن المديونية الخارجية، حيث اعتبر أن مؤشر المديونية الخارجية خلال السنوات الأخيرة "يبقى متحكما فيه".

وفي اليوم نفسه، أعلن بنكيران أن الدين الخارجي لبلاده ناهز 15.7 مليار دولار، وهو ما يعادل 14.6% من الناتج المحلي الإجمالي المغربي في نهاية 2013.

وفي المقابل، اعترف رئيس الحكومة المغربية بأن الدين الداخلي أكثر ارتفاعا بحيث وصل خلال الفترة نفسها إلى 51.7 مليار دولار.

وفي هذا السياق، يبرر عبد الإله بنكيران لجوء حكومته إلى الاقتراض من السوق الدولية بارتفاع أسعار المواد الأولية.

وفي المقابل، اتهمت أحزاب المعارضة، خاصة حزب الاستقلال (محافظ)، أكبر قوة سياسية معارضة، بنكيران بالسعي إلى رهن القرار الاقتصادي السيادي للبلاد لدى المؤسسات الدولية، وهو ما يرد عليه الرجل بالقول إن "قبول المؤسسات الدولية إقراض المغرب دليل على ثقتها فيه".

 عجز الميزانية العامة للدولة

يعتبر هذا العجز من أهم المشاكل التي أرقت حكومة بنكيران، فقد كانت تسعى جاهدة، طيلة العام الماضي، إلى الوفاء بتعهدها، أمام صندوق النقد الدولي بتقليص هذا العجز إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2013 مقابل أزيد من 7% في نهاية 2012، في مسعى لتخفيضه إلى 3% عام 2016، وهو موعد نهاية ولاية الحكومة الحالية.

وقد أعلنت الحكومة، في يناير/كانون الثاني الماضي، أنها خفضت هذا العجز إلى 5.4%، معربة عن ثقتها في قدرتها على الوفاء بالتزامها أمام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في هذا الشأن.

ويلتزم المغرب ببرنامج أمام صندوق النقد الدولي بإصلاح قوي يشمل تخفيض كلفة الدعم وتقليص عجز الميزانية، وذلك بموجب خط ائتماني حصل عليه المغرب، في أغسطس/آب 2012، بقيمة 6.2 مليار دولار.

وتقول الحكومة في المغرب إنها لن تلجأ إلى استخدام هذا القرض إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك.