حكواتي: تيتانيك العرب

29 أكتوبر 2014
اتهم القاضي فوزية وجلال بإغراق السفينة (Getty)
+ الخط -
ظهرت قطعة خشبية كبيرة أمامهما. ألقت فوزية بنفسها على اللوح الخشبي العائم، فيما تعلق جلال بأطرافه وبقي جسده أسير المياه الباردة. نظراً إلى السفينة التي حملتهما في رحلة كانا يحسبانها رحلة العمر. السفينة ارتطمت بجسم صلب ضخم وأخذت المياه تغمرها نتيجة التشققات التي تسبب بها الحادث. جثث الغرقى تملأ المكان، كانوا من جنسيات عربية مختلفة، فلسطينيون وعراقيون وسوريون ويمنيون ومصريون وليبيون ولبنانيون.
حاول جلال إقناع فوزية أن تترك مساحة له على اللوح العائم ليتمكن من النجاة. قال مرتجفاً من البرد:
- فوزية هناك مساحة كافية على اللوح لكلينا.
لا أستطيع يا جلال، أنا خائفة جداً وأخشى أن نثقل على اللوح فيغرق كلانا في هذا البحر المتجمد. حسناً، سأموت ولكن عليك أن تسددي جميع القروض، قرض السيارة وقرض المنزل..
- حسناً حسناً، لحظة من فضلك..
أفسحت فوزية قليلاً، فيما قام جلال بالصعود إلى سطح اللوح الخشبي، وألقى بجسده الذي كاد أن يتجمد من البرد. خاف الزوجان أن يمكثا لمدة طويلة. أخذا بالصراخ حين لمحا ضوءاً خافتاً يقترب منهما، وقد شق طريقه بين الجثث التي طفت على وجه المياه. أصبح الضوء أكثر توهجاً. بدا أنه قارب كبير يضم مجموعة من الشبان الذين أرخوا لحاهم الطويلة على ذقونهم. تقدم شاب إلى ناصية القارب حاملاً مصباحاً كهربائياً وصرخ فيهما: "ماذا تفعلان هنا؟ لما تحتضنان بعضكما هكذا؟".
أجاب جلال: لقد أنقذنا هذا اللوح الخشبي من الغرق، أنا وزوجتي نجونا من السفينة العربية الكبيرة التي غرقت منذ قليل.
بدا الرجل الملتحي غير مقتنع بكلام جلال. طالب رفاقه في القارب بتنفيذ محضر الإخلال بالآداب العامة باعتبارهما يمارسان الفعل الفاضح علناً. دهش الزوجان وحاولا إقناع الرجل بضرورة إنقاذهما قبل تحرير أية مخالفة.
ظن الزوجان أنهما فقدا أي أمل بالنجاة. السفينة غرقت بالكامل، الرصاص والصواريخ التي أطلقت منها لم تستجلب أي منقذ. كأن العالم تخلى عن السفينة، وبدا مشهد الجثث مروعاً لدرجة فاقت الوصف. أدرك جلال أنهما سليقيان حتفهما، لكن هدير بارجة عسكرية خرق الصمت الذي عمّ المكان. بالفعل! أطلت البارجة العسكرية، وبدا على ناصيتها جنرال زين صدره بالنياشين. أمر الأخير الجنود العاملين في البارجة بالتوقف. أخذ الجنود بسحب الجثث والمصابين. جلال وفوزية تبادلا العناق.
استيقظ الزوجان فجأة فوجدا أنهما قيد الاعتقال. استدعي جلال إلى جلسة تحقيق وتعرّض لكل أنواع الضرب. انهمرت الأسئلة على جلال، أين كنت خلال غرق السفينة؟ لما تنكر وجود مؤامرة؟ هل اشتركت مع مجموعة أجنبية؟ لما نجوت وزوجتك دون الباقي؟ أودع جلال في زنزانة منفردة. وضع فوزية لم يكن أفضل، إذ تعرضت لفحص كشف العذرية واتهمت بإدارة شبكة للإطاحة بسفن النظام العربي.
خلال المحاكمة العسكرية، اتهم القاضي فوزية وجلال بالاشتراك في إغراق السفينة. سجنا مدى الحياة.
المساهمون