حكواتي: بوظة الوحش

30 مايو 2014
عضلات الجسد تخذل صاحبها (Getty)
+ الخط -

 

هنا في الحي الشعبي حين يُستضعفون، يصرخون ويتفاخرون "ما إلنا الا الوحش!"

وعندما يريد أحدهم أن ينقل ثلاجة أو يرفع سيارة تسد الطريق ينادون "روح جيب الوحش...

وياليل وياعين على عضلات الوحش.

أحمد اليتيم هو الوحش الطيب الخدوم المفتول العضلات من تمارينه اليومية في نادي كمال الأجسام، هاهو قد وقع تحت همّ وغمّ كحديد ثقيل.  

أخبره الطبيب بضرورة توقّفه عن لعبة "الحديد"،  فتغيّر حاله. أكل "شفرتين"، فعاد بضمادة كبيرة حول فخذه وأخرى على كتفه جراء الإشكال الذي دخله بطلب من أصدقائه مع أبناء الحارة المجاورة. كان قد ترك الدراسة بعدما عمل في طفولته عند نادي أبو صالح لكمال الاجسام. والإجازة المرضية الطويلة جرّدته من عمله الأخير.

آخر مهامه كان العمل مع شخصية مهمة بصفة مرافق. استلزم ذلك منه ارتداء البذلة الرسمية والنظارات السوداء "رايبان" التي أضافت إلى عضلاته المفتولة هيبة شاب عشريني حسن الطلعة. كلّ اللوازم مؤمنة للـ"جغل": درّاجاته النارية وصوتها، لباس البحر، وتسريحته العصرية التي كادت تدخله إلى عالم الفيديو كليب. لكن لم يفلح الوحش في ذلك لعدم قدرته على فهم توجّهات المخرج في التمثيل.

"واو، شي كتير هيك..."، هكذا مدحته صديقات "صاحبته" الجامعية. فتاة لطالما عجزت بسيارتها الفخمة عن دخول زاروب الحي الصغير لبيته.

 فتحت صديقته له أبواب الملاهي والسهر والمجمعات السياحية الضخمة المطلّة على البحر. صرف الوحش اليسير الذي كان في الجيب، لأجل علاقة غير معلومة الغيب. وكانوا يلقبونهما هاهما الجميلة والوحش.. لكن الجميلة فرّت مع غيره وبقي الوحش.

كل شيء انتهى بفعل "شفرتين". ترهّل جسم الوحش، أوقفه صاحب العمل بسبب ذلك. راح يجلس طويلا على كرسي خشبي قرب دكانة الخضر، يحاول شراء "نمرة حمراء" ولا يسعفه المتبقّي بعد بيعه الدراجة. يقلّب صفحات جرائد من دون أن يقرأ. يبعث رسالة على "الواتساب" لفتاته وتتعدّد الحجج: "عندي امتحانات، رايحين عإيطاليا بالصيف أنا وصحابي، سلامتك، باي".

- "من بعد إذنك جار... رايح معي الدولاب إنه مثقوب..". قالت له جارته.

اقترب الوحش وحاول حلحلة براغي إطارات سيارة جارته. أحسّ بوجع قوي مكان الجرح. نادى صديقه ليساعده. أطلّ ابن جارته من شباك السيارة صارخاً: "ولو عمّو! مش إنتا الوحش؟ كيف ما قادر تحلّ دولاب السيارة؟".

نظر الوحش ببطء، بخجل وبتردّد. مرّت اللحظة كما لو أنّها دهر. استعاد بعضاً من الهدوء وابتسم: أنا أحمد... أنا ما إسمي الوحش... أنا أحمد. ضحك له الطفل بقهقهة مدويّة. جلسا معاً يلعقان البوظة الصفراء، ريثما ينهي الصديق عملية استبدال الإطارات.

 

 

 

دلالات
المساهمون