حكواتي: المأساة السوريّة تتحوّل إلى نكات

17 يونيو 2014
+ الخط -
النكتة، في الأفلام والمسلسلات المصرية ترتبط بالمآسي أوّلا، بالفقر ثانياً، وبانتشار "الحشيشة" ومواد "الكيف" الأخرى ثالثاً. والمشهد الأكثر شيوعاً في الأفلام والمسلسلات، ملخّصاً هذه الصورة النمطية، هو مجموعة من الحشّاشين يدخّنون "الشيشة" ويتناوبون على إلقاء نكات متواترة ومتوتّرة، تكون سخيفة أحياناً، لكن مؤلمة دائماً، يضحكون في نهايتها وإنّ كانت سخيفة. 

الشعب السوري بدأ، هو الآخر، يُنَكِّت مؤخّراً. وبات السوري، أينما كان، يمتلك بديهة الإضحاك،. والسبب، هنا أيضاً، هو المآسي، والقهر، والخوف، وسطوة الاستبداد والأحكام العرفية. لكن، على الأغلب، من دون حشيش...

ولعلّ من أكثر ما يؤذي مشاعر الناس أنّ يصير تجاوز القوانين أمراً مقبولاً، بل مستساغاً وشائعاً. وحين يعجز الشعب عن الردّ والمواجهة، يلجأ إلى النكتة.

من ذلك أنّ السوري حين يركب في سيارة أجرة، فإنّه يعالج ملل الطريق بتوجيه بعض الأسئلة إلى السائق، من قبيل:

- سيارتك ملكك، أم أنك تشتغل عليها سائقاً بالأجرة؟

- سيارتك موديل أيّ سنة؟

- سيارتك كم كيلومتر تعمل بالتنكة؟ (أي كم كيلومتراً تقطع إذا أحرقت 20 ليتراً من البنزين؟).

وذات مرّة تورّط الكاتب محمد الماغوط واستقل سيّارة أجرة. بعد قليل اكتشف أنّ سائقها عنصر في المخابرات، متخصّص بمخالفة قانون السير. إذ كان يمشي بسرعة، ويتجاوز إشارات المرور الحمراء، ويطلع بعجلات السيارة على الرصيف ليتجاوز السيارات التي أمامه بشكل غير قانوني.. وهكذا حتّى انتهى المشوار بحادث سير. فقد اصطدمت السيارة بجذع شجرة، وكادت تودي بحياتهما... وقتها نزل الماغوط، ودفع له أجرة التوصيلة، ثم سأله:

- حضرتك كم حادثاً تعمل بالنكتة؟!

والشعب السوري أصبح، خلال نصف القرن الأخير، يكره الخطابات الإنشائية الفارغة التي تشبه تناول الطعام أثناء النوم. وقد عُرف عن البعثيين ولعهم بالخطابات إلى درجة أنّهم يقيمون، بين الحين والآخر، مهرجاناً خطابياً يقدّمون خلاله عباراتهم الإنشائية المطوّلة التي تقتصر تقريباً على مديح الرئيس... وكان الناس ينفضّون عن أماكن الخطابات، فلا يحضرها إلا مَنْ كان مرغماً على ذلك. حتى أنّ الفنان العالمي علي فرزات قدّم لنا رسماً كاريكاتيرياً لشخص واحد جالس مكان الجمهور، ونحو 100 خطيب يستلّون أوراقهم ويخطبون ضدّه.

وقد رُوِيَ عن رجل كهل، من قرية جبلية، أنّه كان يحضر اجتماعات الفرقة الحزبية كلّها، ويخرج دون أن ينبس ببنت شفة، وإذا سأله أحد أفراد أسرته: ماذا حكيتم في الاجتماع؟ ماذا قررتم؟ فإنّه يكتفي بهزّ رأسه متهرّباً من الجواب. وفي إحدى المرّات كثر الحديث ضمن الاجتماع عن ضرورة تحرير مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل العام 1967، وتحرير لواء اسكندرون الذي ضمّته تركيا إلى أراضيها العام 1939. فما كان الكهل إلا أن خرج عن طوره وقال لهم:

- بصراحة يا رفاق، أنتم تتعبون أنفسكم وتُحَمِّلُونها فوق ما تحتمل. أخي، أنتم حرروا الجولان، وتحرير لواء اسكندرون تأخذونه من هذه الذقن.

دلالات
المساهمون