حكواتي: إنما الأمم "الألقاب" ما بقيت ...!

08 سبتمبر 2014
لعبة الألقاب المزيفة تحجب الحقيقة (Getty)
+ الخط -
لا يحبّ العرب المراكز الثانوية. فقط الصدارة من اختصاصهم.
ولمّا كنّا أمة تخلفت علميا وثقافيا وتربويا، فإن البعض آثر إحراز المراكز الأولى عن طريق التسميات. أطلق العرب آلاف التسميات الفضفاضة التي تحوي التبجيل والتفخيم، حتى التأليه، على من هبّ و دبّ. الناس ليسوا طرفاً في لعبة التسميات تلك، لكنّ الصحافة وأصحاب التأثير على الرأي العام كان لهم الدور الأبرز في تلك اللعبة.
يفتقر لبنان إلى أبسط مقومات البنى التحتية. البلد الصغير الذي يضم عشرات الأنهار ويطل على البحر المتوسط يعاني أزمة مياه! بالإضافة إلى مشاكل الكهرباء والديْن العام. التسميات في لبنان ولعبة الألقاب لا تنتهي على الرغم من كل هذه المشاكل.
سياسيو لبنان يتوزعون بحسب تسميات محبّيهم على "الحكيم" و"الأستاذ" و"البيك" و"أشرف الناس"  و"ابن الحبيب" و"صخرة زغرتا" وغيرها. البلد الصغير الذي يملك كل هؤلاء عاجز عن النهوض بتسوية لانتخاب رئيس جمهورية. تبقى الألقاب كلها والكل يتغنى بها ولا ينهض لبنان. السياسيون ليسوا وحيدين في دائرة التبجيل تلك. في لبنان أيضا، ملك شيش الطاووق وأمير البطاطا وملك الهمبرجر وزعيم المحاشي. سجلت وزارة الصحة مئات حالات التسمم جراء أكل الوجبات السريعة. يتسمم الناس ولا تسقط الألقاب.
تدمرت حلب وحمص، دير الزور والرقة، دمشق ودرعا،وعشرات البلدات السورية بفعل قصف الطائرات. اجتاجت داعش البلاد. سورية تكاد تنتهي، لكنّ التسمية والألقاب ستبقى طالما أن هناك من يحلو له إطلاق لقب "القائد الدكتور" و"الطيار الباسل المغوار" على رئيس النظام السوري وشقيقه. على الرغم من تلك الصفات جميعها، انتهت سورية وبقيت الألقاب محصورة بالرئيس.
يعاني الناس موسم القحط في بلد عربي. يطلق مساجين اعتقلوا ظلما لأجل طهور ابن الأمير في بلد آخر. تتوسع رقعة البطالة، تتمدد المجاعة، يُقتل الناس في الأسواق تفجيرا في عدد من البلدان العربية. كل ذلك لا يُسقط الألقاب، فيعيش "ملك الملوك" و"أمير الأمراء" و"القائد الخالد" و"منير شعلة النضال".
تحيا التسميات ويُظلم الناس. حال الفن ليست بأفضل من السياسة. قدم العرب على مدار القرن العشرين "كوكب الشرق" و "سفيرة النجوم" و"سيدة الشاشة الأولى" و" النهر الخالد". كل تلك الألقاب كللت مسيرة مبدعين حقيقيين لكنّها كانت حكرا على أم كلثوم وفيروز وفاتن حمامة وعبد الوهاب.
الألقاب تلك حرمت كلاً من اسمهان وصباح وسعاد حسني وشادية وبليغ حمدي، أدنى حقوق المنافسة بالرغم من إبداعاتهم. صدقنا الألقاب وظلمنا كباراً آخرين. بقيت التسميات لكنّ ذلك لم يمنع أن نركب "الحنطور ونتحنطر". سقط الفن وبقيت التسميات.
يحب العرب التفخيم والتبجيل. يحتكرون اقوى العبارات ويوزعونها يمينا و يسارا. يتقدم الغرب و يخترق الفضاء. يقدم عشرات الاكتشافات كل يوم. تتقدم العلوم والتكنولوجيا، بالرغم من أنهم لا يملكون "ملك الملوك" و لا "أمير الأمراء"، لا "ملك شيش الطاووق" ولا على مسارحهم كواكب ونجوم. العرب فقط من يتمتعون بتلك النعم من التسميات. العرب فقط من تتأجج الحروب في بلادهم ولا يتنازلون عن الألقاب. العرب فقط من يشهدون المجازر الدموية والاعتقالات التعسفية والحرمان من الكهرباء ويسمونها "بشرة خير". كأنما يريدون أن يحجبوا بالكلمة الكلم، وكأنهم حولوا الشعر القائل بـ"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... "  إلى "إنما الأمم الألقاب ما بقيت ...". يموت العرب وتبقى الألقاب.
 
 
دلالات
المساهمون