حكاية بوابين في القاهرة

11 يونيو 2018
يشتري الخضار لسكان المبنى (بيتر ماكديارميد/ Getty)
+ الخط -
ساق القدر أبو سليمان، القادم من محافظة المنيا، للعمل بواباً في إحدى العمارات في منطقة بولاق الدكرور. القدر نفسه دفع عادل إبراهيم، القادم من محافظة الفيوم، إلى العمل في المهنة نفسها لكن في حي مدينة نصر، وفي أحد أحيائها الراقية. أبو سليمان ترك قريته مع أبنائه الأربعة. كذلك فعل إبراهيم. كلّ منهما كان يبحث عن الرزق والستر في مدينة جديدة. بالكاد منح أحد أصحاب البيوت، وهو مقاول مشهور، أبو سليمان حجرة صغيرة كان يستخدمها كمخزن للأخشاب، لينام وأسرته فيها، ويهتم ويلبي طلبات سكان الشارع الذي يبلغ عرضه ستة أمتار في الحي الشعبي. بينما حصل عادل على حجرة أكبر فيها مرحاض، علماً أن هذه الغرفة مخصصة للبواب في المناطق الراقية.




حكاية أبو سليمان
يقول أبو سليمان: "جئت إلى القاهرة مع أحد أقاربي بحثاً عن عمل ومأوى. ودلّني الناس على مقاول ذي شعبية، فذهبت إليه وطلب مني أن أحضر أسرتي، ووفّر لي سكناً بعدما طلب مني إخلاء المخزن وتنظيف المرحاض. بدأت العمل معه على أن يعطيني ثلاثمائة جنيه (نحو 17 دولاراً) شهرياً، لقاء ما أقدم له من خدمات، وأخبرني بأن أهل الحي سيساعدونني: أنت وشطارتك ولسانك الحلو مع الناس". يتابع: "بدأت التعرف على أهل الحي وسكان البيت الذين اتفقوا على إعطائي ثلاثين جنيهاً (من كل شقة) لقاء تنظيف السلالم وشراء أغراض لهم". يعمل في المكان نفسه منذ نحو عشر سنوات، ويلبي طلبات الناس الذين عادة ما يعطونه المال لقاء الخدمات. وبقي الحال على ما هو عليه حتى تزوج ثلاثة من أولاده، عدا الفتاة الصغرى. لكن أبو سليمان، طوال السنوات العشر، لم يعرف النوم. يعمل ليل نهار على تأمين طلبات السكان وخدمة المقاول ورفع الرمل والإسمنت، وبقي في الحجرة نفسها التي سكنها مع زوجته وابنته. "الله لا ينسى أحداً".

حكاية عادل
عادل إبراهيم يتحدر من إحدى قرى الفيوم. قبل نحو عشرين عاماً، قدم إلى مدينة نصر. كان يعمل في أحد محال الخضار ويوصل الطلبات إلى الزبائن في منازلهم. بقي على هذا الحال مدة سنتين، إلى أن "طلب مني صاحب إحدى العمارات العمل كبواب للعمارة شرط أن تكون زوجتي وأولادي معي، لأن معظم السكان لا يفضلون التعامل مع البواب بل مع زوجته، على أن أتولى تنظيف سيارات الرجال وتلبية طلباتهم". وافق وتوجه إلى القرية على وجه السرعة لإحضار زوجته وأولاده وبعض الحاجيات الضرورية. يتابع: "قدّم لي صاحب العمارة حجرة كبيرة فيها مرحاض نظيف وصالة صغيرة، قائلاً إن هذا سكن البواب، على أن أحصل على راتب قدره ألف جنيه شهرياً (نحو 56 دولاراً)، إضافة إلى ما قد أحصل عليه من السكان".
يقول إبراهيم: "منذ اليوم الأول، شعرت وكأنها ليلة القدر، خصوصاً بعدما علمت أن بين سكان العمارة وزراء سابقون وضباط ومهندسون ورجال أعمال. شعرت أن الدنيا تبتسم لي. صحيح أن البعض كان يتعامل معي بفوقية وكأنني أنتمي إلى جنس آخر، لكن كان هناك أشخاص متواضعون". يضيف: "عادة ما يكون المتغطرس بخيلاً، والمتواضع بشوشاً وأكثر قرباً من الناس وكريماً".

كان إبراهيم يُنظّف سيارات السكان فيكرمونه، في وقت تتولى زوجته تأمين طلبات السكان من السوق. ومع الوقت، صار الأهالي يثقون به أكثر فأكثر. ومع اتساع دائرة معارفه، صار يتعامل مع السباكين والنجارين وغيرهم "وفي حال احتاج أحدهم إلى سباك أو أضاع مفتاح شقته أو احتاج إلى نجار، أتولى الاتصال به".




إضافة إلى ما سبق، كان الأهالي يعطونه أغراضاً لا يحتاجونها، فيأخذها ويبيعها في قريته. في المقابل، "كنت أجلب للبعض اللحوم والخضار والذبائح في العيد من القرية، إلى أن أصبحت معروفاً. ولم يعد الأمر يقتصر على العمارة التي أعمل فيها، بل بات يشمل خمس عمارات مجاورة من اليمين واليسار، كما بدأت أتعامل مع البوابين في هذه العمارات، وابتسمت الدنيا لي مرة أخرى بعدما اكتسبت خبرة في مجال العقارات والبيوت المفروشة. وفي وقت لاحق، بدأت أتاجر في الأراضي والعقارات في قريتي، فأستاجر بعض الشقق المفروشة وأعيد تأجيرها. حتى اليوم، ما زلت أعمل بواباً مع الناس أنفسهم. وعلى الرغم من أن الله رزقني مالاً وخيراً يكفيني وأولادي، لكن لديّ شعور بأنني في حال تركت المكان الذي كان سبباً في رزقي، سيحدث ما لا يسرّ".
دلالات