محمد الغول، هو ستّيني من أبناء أصيلة، المدينة البديعة والهادئة الجمال على المحيط الأطلسي شمال المغرب. يعمل منذ 15 عاماً في إعداد الشاي بالنعناع لضيوف مركز الحسن الثاني للمعارض.
كلما امتدّت سنة من عمر الموسم ازدادت أعداد حضوره من المغرب وأفريقيا وكل العالم من الكتّاب والشعراء والفنانين والطلبة والصحافيين والدبلوماسيين والوزراء وغيرهم... وجميعهم يعرفون محمد ويدمنون شايه.
حول الشاي بالنعناع تدور حكايا الرجل. حياته تمتدّ باتّساق مع كؤوس "أتاي"، كما ينطق اسمها باللهجة المغربية. بدأ هذا العمل منذ سنوات صباه عندما علّمه كهل مغربي أسرار تعديل مزاج كأس الشاي، بالدقة واللذة ذاتها التي يصنع بها "برّاداً" منه.
اقرأ أيضاً: سعد لمجرد وشيرين: "ديو" مغربي مصري قبل نهاية العام
كان الكهل يسمّى "علال"، كما يحكي محمد لـ"العربي الجديد". لكنّ الجميع في أزايلا، كما ينطق المحليون اسم المدينة، عرفوه باسم "خوانيتو". فقد كان يعمل في النادي الإسباني، ويدلّه بالاسم زوّاره من الإسبان والأجانب، معتبرين إيّاه أيقونة لأجل جودة الشاي الذي يعدّ.
تجربة مماثلة من التقدير عاشها محمد حين قرّر العام 1973 الهجرة إلى إسبانيا، والعمل في فندق بمدينة صغيرة هناك. كان للأوتيل مشرب، وبدل أن يقدم محمد الكحول صنع لروّاده شايه الشهير، فصار صبي الشاي المدلل في كلّ المدينة.
الأمر لا يتعلّق باللذة والنَفَس الذي يميّز طبخ أو شاي هذا عن ذاك، بل "بركة ترافق الصنعة التي نحب"، يفسّر الإعجاب الذي يصل حدّ الشغف بأتاي الذي يصنعه.
مع ذلك يردف بفخر تبرق له عيناه: "في كل أصيلة ليس هناك مثل أتاي الذي أعدّل، الأمر لا يتعلّق بالغرور، لكن كلّ من يشرب الشاي عندي ثم عند غيري، يعود إلى مقهاي مستدلاً على الفرق الكبير بينهما". هذا الفرق يميّزه أيضاً كبار زوّار موسم أصيلة الثقافي الدولي. فسواء كان الأمر يتعلق بفترة استراحة أو بأشغال ندوة، يطلبون أتاي محمد.
اقرأ أيضاً: "أتاي" فنّ في المغرب
وتراه يتنقّل بينهم بصينيته وخفّته التي تجعلك تنتبه لحرفيته وإلى أنّه لا يسأل عن مقدار السكر بكأس هذا الكاتب أو ذاك السياسي. عن هذا يقول: "صرتُ خبيراً بأذواق ضيوف الموسم، يزوروننا تقريباً كلّ سنة، تعوّدت عليهم وتعوّدوا عليّ".
ربما للأمر علاقة بالإبريق النحاسي الكبير في مقهاه حيث يغلي الماء، أو ربطات النعناع و"الصوفي" و"مرددوش" وغيرها من "المنسمات" التي ييبّسها ويضيف، بحسب صنعته أو الطلب، وريقات منها إلى حبوب الشاي عند الغلي.
سألناه فكان ردّه: "أعدّ أتاي على مهل، أغلي الماء في الإبريق ثم آخذ منه مقدار كأسين من الشاي، أغلي فيه على الغراف/ الكسرولة حبوب الشاي. لا أختار حبوباً معينة، ولا أرى أنّه يجب الفصل بين أنواع الشاي، أمزج جميع حبوبه المتوفرة، ثلاث قبضات صغيرات تكون كافية لكأسين كبيرين من أتاي، أضيف إليها ملعقة كبيرة من سنيدة/ سكر الشاي ووريقات من المنسمات. آخذ كأس التقديم، أضع فوهتها على البخار المتصاعد من الكسرولة، وهي طريقة لمنع كسره عندما أصبّ فيه الشاي الساخن. ثم عندما يغلي أتاي أصفّيه على ورق النعناع الذي وضعته بالكأس. أمسح جانبي هذا الأخير حتّى لا يعلق بالشارب دبق السكر، وأضع إلى جانبه قطع سكر أخرى لمن يريده أكثر حلاوة".
هذه الطريقة التي علّمه إيّاها خوانيتو تزاحمها "عصرنة" دخلت من باب "القهوة". فزبائنه يطلبون فنجاناً منها عندما يتوقفون عن شرب الشاي، فسهّلوا قبوله بآلة صنع القهوة، لكن دون أن يغفل تقطير البيتي منها، أي التي أضاف إلى حبّاتها أنواعاً من التوابل المختارة، لمن يطلب.
يختم محمد: "أتاي يخلق الألفة، والمغاربة يحبّونه، إذا ما شربوا كأسا جيّدة منه معدّلة على الخاطر، يشعرون بالراحة وبأنّهم في مأمن من العالم. هو مشروب حكاياتنا المشتركة ومعيشنا الجماعي، وذكرياتنا التي نصنعها معاً جيلاً بعد آخر".
اقرأ أيضاً: رقصة الكدرة الماجنة في المغرب: غواية الروح والجسد
كلما امتدّت سنة من عمر الموسم ازدادت أعداد حضوره من المغرب وأفريقيا وكل العالم من الكتّاب والشعراء والفنانين والطلبة والصحافيين والدبلوماسيين والوزراء وغيرهم... وجميعهم يعرفون محمد ويدمنون شايه.
حول الشاي بالنعناع تدور حكايا الرجل. حياته تمتدّ باتّساق مع كؤوس "أتاي"، كما ينطق اسمها باللهجة المغربية. بدأ هذا العمل منذ سنوات صباه عندما علّمه كهل مغربي أسرار تعديل مزاج كأس الشاي، بالدقة واللذة ذاتها التي يصنع بها "برّاداً" منه.
اقرأ أيضاً: سعد لمجرد وشيرين: "ديو" مغربي مصري قبل نهاية العام
كان الكهل يسمّى "علال"، كما يحكي محمد لـ"العربي الجديد". لكنّ الجميع في أزايلا، كما ينطق المحليون اسم المدينة، عرفوه باسم "خوانيتو". فقد كان يعمل في النادي الإسباني، ويدلّه بالاسم زوّاره من الإسبان والأجانب، معتبرين إيّاه أيقونة لأجل جودة الشاي الذي يعدّ.
تجربة مماثلة من التقدير عاشها محمد حين قرّر العام 1973 الهجرة إلى إسبانيا، والعمل في فندق بمدينة صغيرة هناك. كان للأوتيل مشرب، وبدل أن يقدم محمد الكحول صنع لروّاده شايه الشهير، فصار صبي الشاي المدلل في كلّ المدينة.
الأمر لا يتعلّق باللذة والنَفَس الذي يميّز طبخ أو شاي هذا عن ذاك، بل "بركة ترافق الصنعة التي نحب"، يفسّر الإعجاب الذي يصل حدّ الشغف بأتاي الذي يصنعه.
مع ذلك يردف بفخر تبرق له عيناه: "في كل أصيلة ليس هناك مثل أتاي الذي أعدّل، الأمر لا يتعلّق بالغرور، لكن كلّ من يشرب الشاي عندي ثم عند غيري، يعود إلى مقهاي مستدلاً على الفرق الكبير بينهما". هذا الفرق يميّزه أيضاً كبار زوّار موسم أصيلة الثقافي الدولي. فسواء كان الأمر يتعلق بفترة استراحة أو بأشغال ندوة، يطلبون أتاي محمد.
اقرأ أيضاً: "أتاي" فنّ في المغرب
وتراه يتنقّل بينهم بصينيته وخفّته التي تجعلك تنتبه لحرفيته وإلى أنّه لا يسأل عن مقدار السكر بكأس هذا الكاتب أو ذاك السياسي. عن هذا يقول: "صرتُ خبيراً بأذواق ضيوف الموسم، يزوروننا تقريباً كلّ سنة، تعوّدت عليهم وتعوّدوا عليّ".
ربما للأمر علاقة بالإبريق النحاسي الكبير في مقهاه حيث يغلي الماء، أو ربطات النعناع و"الصوفي" و"مرددوش" وغيرها من "المنسمات" التي ييبّسها ويضيف، بحسب صنعته أو الطلب، وريقات منها إلى حبوب الشاي عند الغلي.
سألناه فكان ردّه: "أعدّ أتاي على مهل، أغلي الماء في الإبريق ثم آخذ منه مقدار كأسين من الشاي، أغلي فيه على الغراف/ الكسرولة حبوب الشاي. لا أختار حبوباً معينة، ولا أرى أنّه يجب الفصل بين أنواع الشاي، أمزج جميع حبوبه المتوفرة، ثلاث قبضات صغيرات تكون كافية لكأسين كبيرين من أتاي، أضيف إليها ملعقة كبيرة من سنيدة/ سكر الشاي ووريقات من المنسمات. آخذ كأس التقديم، أضع فوهتها على البخار المتصاعد من الكسرولة، وهي طريقة لمنع كسره عندما أصبّ فيه الشاي الساخن. ثم عندما يغلي أتاي أصفّيه على ورق النعناع الذي وضعته بالكأس. أمسح جانبي هذا الأخير حتّى لا يعلق بالشارب دبق السكر، وأضع إلى جانبه قطع سكر أخرى لمن يريده أكثر حلاوة".
هذه الطريقة التي علّمه إيّاها خوانيتو تزاحمها "عصرنة" دخلت من باب "القهوة". فزبائنه يطلبون فنجاناً منها عندما يتوقفون عن شرب الشاي، فسهّلوا قبوله بآلة صنع القهوة، لكن دون أن يغفل تقطير البيتي منها، أي التي أضاف إلى حبّاتها أنواعاً من التوابل المختارة، لمن يطلب.
يختم محمد: "أتاي يخلق الألفة، والمغاربة يحبّونه، إذا ما شربوا كأسا جيّدة منه معدّلة على الخاطر، يشعرون بالراحة وبأنّهم في مأمن من العالم. هو مشروب حكاياتنا المشتركة ومعيشنا الجماعي، وذكرياتنا التي نصنعها معاً جيلاً بعد آخر".
اقرأ أيضاً: رقصة الكدرة الماجنة في المغرب: غواية الروح والجسد