04 اغسطس 2023
حق العودة في صفقة ترامب - نتيناهو
قرار إسرائيلي قديم يحل بثوب جديد حيكت معالمه هذه المرة بإشراف الإدارة الأميركية وأعلنه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ضمن خطة دونالد ترامب للسلام: "حل قضية اللاجئين الفلسطينيين خارج دولة إسرائيل".
تشير الخطة أو كما يصفها الإعلام "صفقة القرن"، إلى أن اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا إلى أراضيهم التي شردوا منها عام 1948، وعليهم البحث في ثلاثة خيارات بديلة:
أولاً: الاستيعاب ضمن دولة فلسطين المستقبلية التي بدت وفقاً للخريطة التي نشرها ترامب على صفحته في موقع "تويتر" بمثابة كانتونات مجزأة وسراباً منثوراً، هذا عدا عن خضوع هذا الخيار لقيود عديدة وأعداد محدودة.
ثانياً: الاندماج أو التوطين في البلدان المضيفة التي يوجدون فيها، بما يخضع لموافقة تلك الدول مثل لبنان والأردن وسورية.
ثالثاً: قبول خمسة آلاف لاجئ سنوياً على مدى 10 سنوات (بواقع 50 ألف لاجئ) في دول مجلس التعاون الإسلامي التي توافق على المشاركة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، وهنا إشارة غير علنية إلى السعودية التي تستضيف أكثر من نصف مليون فلسطيني.
تبقى هذه الخيارات على الورق، لكن على أرض الواقع تبدو خيوط المؤامرة التي يتعرض إليها 6.172 ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" واضحة للعيان.
إذ لم تتردد واشنطن في اتخاذ بعض الخطوات العملية الهادفة إلى التضييق على اللاجئين من أجل التمهيد لشطب حق العودة، ومن بين تلك الخطوات وقف الولايات المتحدة تمويل وكالة "أونروا" (125 مليون دولار سنوياً).
وجاءت خطوة واشنطن بوقف تمويل "أونروا" متناغمة إن لم تكن تلبية لمواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما قال عن "أونروا": "يجب أن تتلاشى وتزول".
نتنياهو أضاف في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية في السابع من يناير/كانون الثاني "أن (أونروا) منظمة تخلد قضية اللاجئين الفلسطينيين وكذلك تخلد رواية ما يسمى بحق العودة".
دعوات نتنياهو لزوال "أونروا" تأتي في سياق المحاولات الإسرائيلية القديمة طمس جريمة تهجير الفلسطينيين ودفن الشاهد الملك على تلك الجريمة، وهو "أونروا".
لكن استكمال المحاولات الإسرائيلية في تصفية حق العودة جاء هذه المرة على أيدي الإدارة الأميركية من خلال خطة ترامب التي لا تعترف بقرارات الشرعية الدولية والقرار 194 القاضي بعودة اللاجئين إلى المناطق التي هجروا منها والتعويض لهم.
منذ وقت طويل، استطاع الاحتلال عبر تشبيك الخطط ضد اللاجئين من استخدام سياسة العصا والجزرة لإنهاء التفكير في العودة، وربما ما أعلنته مصر، أخيراً، عن استعدادها لتحسين وضع اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها يأتي مقدمةً لتوطينهم وتجنيسهم. كذلك تقديم بعض التسهيلات لهجرة لاجئي لبنان وسورية من مخيماتهم بطرق شرعية وغير شرعية إلى أوروبا وكندا يأتي في ذلك السياق.
أمّا العصا الغليظة بدأت مع فلسطينيي العراق عام 2003 واستهداف المليشيات لهم، ونقل أكثر من 1600 شخص إلى مخيم الوليد في الصحراء عند الحدود العراقية السورية ومن ثم ترحيلهم إلى تشيلي والبرازيل وأيسلندا.
ومع بدء تسويق "صفقة القرن" عام 2017 جردت السلطات العراقية الفلسطينيين المقيمين على أراضيها من الحقوق والامتيازات الممنوحة لهم منذ عام 1948 تباعاً بكاملها. ولا يعرف تماماً كم تبقى من 40 ألف فلسطيني يعيشون في العراق منذ النكبة إلا أن المعاناة تتزايد بعد قرار مفوضية شؤون اللاجئين إلغاء مخصصات بدل الإيجار لهم.
أما في سورية، فأكثر من نصف اللاجئين لجأوا مرة أخرى إلى دول مجاورة أو ركبوا البحر نحو أوروبا، ولا سيما بعد تدمير مخيم اليرموك، ويشير سياق الأحداث إلى أن تدمير أحد أكبر المخيمات الفلسطينية في بلدان اللجوء جاء بتنسيق بين النظام السوري وروسيا بهدف القضاء على ما يمثله ذلك المخيم من رمزية كعاصمة للشتات الفلسطيني.
أما في لبنان فيعاني اللاجئون من اضطهاد القوانين وتجريدهم من أبسط الحقوق الإنسانية، ما جعل أعدادهم تتقلص إلى 174 ألفاً، وفقاً للجنة الحوار الفلسطيني اللبناني. وتتعرض المخيمات هناك إلى حصار أمني، أشبه بالعزلة. وفي مقابل ذلك، يعاني لبنان من أزمة اقتصادية كبيرة تحتاج إلى سيولة مالية، ومن هنا تأتي الإغراءات المالية التي تؤمنها صفقة ترامب الجديدة للدول المضيفة مقابل العمل على توطين اللاجئين.
ووفقاً للخطة فإن نصيب لبنان يبلغ 6.3 مليارات دولار، بينما يبلغ نصيب الأردن 7.4 مليارات دولار وذلك مقابل عدم عودة الفلسطينيين.
وعلى الرغم من ردود الفعل العربية الضعيفة على الخطة الأميركية الجديدة للسلام والمخاوف الكبيرة من مؤامرة جديدة تشترك فيها بعض الدول العربية لتصفية حق العودة، إلا أن الفلسطينيين يصرون أكثر من أي وقت مضى على إفشال جميع المخططات.
ويؤكد الفلسطينيون منذ الإعلان عن استراتيجية وزير الخارجية الأميركي الراحل جون فوستر دالاس "كبارهم يموتون وصغارهم ينسون"، أن الشعب الفلسطيني لن يترك مفاتيح العودة التي يحتفظ بها، وسيوّرثها إلى جيل يليه جيل، وسيبقى أطفال المخيمات يكتبون على جدران مخيماتهم: سنعود.