واصل الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، إغراق السوق الليبية بالعملات المزورة، في محاولة منه للبحث عن تمويل لحربه ضد الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس. فقد كشفت الساعات الماضية عن ضبط مالطا ما قيمته 1.1 مليار دولار، من الدينار الليبي المزور لصالح حفتر، وقبل 8 شهور تم الكشف عن تزوير شركة حكومية روسية نحو 4 مليارات دينار أخرى لصالح الجنرال المتقاعد، وهو ما دفع نشطاء إلى إطلاق هاشتاغ #قاطعوا_عملة_حفتر_المزورة في ليبيا.
وقد واجهت عمليات إغراق السوق الليبية بالعملات المزورة المطبوعة في روسيا مأزقا كبيرا خلال الفترة الأخيرة، بعد أن أوقفت مالطا إحدى الشحنات المحملة بالبنكنوت والتي كانت في طريقها إلى حفتر، ويستخدمها في تمويل حربه ضد حكومة الوفاق الوطني، بحسب مراقبين تحدثوا لـ"العربي الجديد".
ومع كشف مالطا عن عملات حفتر المزورة، شهد الملف تطورات سريعة ومتلاحقة، خلال اليومين الماضيين، إذ هاجمت وزارة الخارجية الأميركية عمليات الطباعة للعملات الليبية من قبل الجنرال المتقاعد بعيدا عن المصرف المركزي في طرابلس المعترف به دوليا.
وسارعت روسيا بالنأي بالنفس عن هذا الملف الحساس حين نفت الاتهامات الموجهة إلى شركاتها بطباعة الدينار الليبي، مؤكدة أن هناك انقسامات في ليبيا، وأنها تطبع النقود لحساب المصرف المركزي (الموازي) في طبرق (شرق).
وجاء إصرار حفتر على طباعة أوراق البنكنوت في الخارج وسط تحذيرات من الأوساط الاقتصادية في ليبيا من إغراق البلاد بالعملات المزورة، وهو ما فاقم من الأزمات المالية والمعيشية للبلد الأفريقي الذي يعاني من حرب متواصلة دمرت مختلف الأنشطة الإنتاجية.
ويقوم المصرف المركزي الموازي في طبرق، منذ سنوات، بطباعة العملة عبر شركة "غوزناك"، المملوكة للحكومة الروسية، وآخرها تم ضبطه من حكومة مالطا بما يعادل 1.1 مليار دولار من العملة الليبية المطبوعة. وذكرت مالطا أنها طُبعت من قبل مصرف ليبيا المركزي الموازي بشرق البلاد خارج نطاق الحكومة المعترف بها دولياً.
هجوم أميركي ورد روسي
تصاعد ملف طباعة العملات الليبية المزورة تحول إلى بؤرة ساخنة بين أطراف دولية مهتمة بالشأن الليبي، إذ قالت وزارة الخارجية الأميركية، يوم الجمعة الماضي، إنها "تشيد باحتجاز مالطا لعملة ليبية مزورة بقيمة 1.1 مليار دولار".
وأضافت الوزارة أن شركة غوزناك الروسية المملوكة للدولة هي التي طبعت الأوراق النقدية بطلب من "كيان موازٍ غير مشروع"، في إشارة واضحة لخليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا.
وقالت الوزارة إن "مصرف ليبيا المركزي الذي يقع مقره في طرابلس هو المصرف المركزي الوحيد المشروع للبلاد. تدفق العملة الليبية المزورة والمطبوعة في روسيا في السنوات القليلة الماضية أدى إلى تفاقم التحديات الاقتصادية أمام ليبيا".
وأضافت: "تسلط هذه الواقعة الضوء مرة أخرى على الحاجة إلى أن توقف روسيا تصرفاتها الخبيثة والمزعزعة للاستقرار في ليبيا".
وفي المقابل، ردّت وزارة الخارجية الروسية على الاتهامات الموجهة لها بالوقوف وراء العملات المزورة، إذ جاء في بيان لها، أول من أمس: "نودّ أن نشير إلى أنه في ظل ظروف توجد فيها سلطتان بحكم الواقع في ليبيا، هناك حاليا مصرفان مركزيان، أحدهما في طرابلس، حيث حكومة الوحدة الوطنية، والآخر في بنغازي.
وقد تعين حاكمه بقرار من البرلمان الليبي الذي انتخبه الشعب ويتمتع بالتالي بالشرعية الدولية الضرورية". وأضافت الخارجية الروسية: "ليست الدنانير الليبية هي المزيفة بل التصريحات الأميركية".
وتطرقت صحيفة "مالطا اليوم" على صفحتها في فيسبوك إلى المسألة في نص بعنوان "ضبط 1.1 مليار دولار من العملة الليبية المزيفة في مالطا". لكن المقالة لم تعد متاحة على موقع الصحيفة على الإنترنت، ظهر أول من أمس.
ولم يكن تزوير حفتر للدينار الليبي هو الأول من نوعه، فوفقاً لتقرير خبراء للأمم المتحدة أرسل إلى مجلس الأمن الدولي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، سلمت شركة غوزناك الروسية بين عامي 2016 و2018 البنك المركزي الموازي في البيضاء بشرق ليبيا أوراقاً نقدية ليبية تعادل قيمتها 7.11 مليارات دولار.
وتظهر بيانات حصلت عليها رويترز أن نحو 4.5 مليارات دينار ليبي (أكثر من ثلاثة مليارات دولار) أُرسلت في أربع شحنات بين فبراير/ شباط ويونيو/ حزيران 2019 إلى ليبيا. وتشير بيانات الجمارك الروسية إلى أن مصرفا مركزيا موازيا في شرق ليبيا كثف عمليات نقل الأوراق النقدية الجديدة من روسيا العام الماضي قبل وبعد بدء هجوم عسكري أطلقه حفتر لانتزاع السيطرة على طرابلس.
تمويل الحرب وتردّي الاقتصاد
وتعد عملية تمويل الحرب أحد الأسباب الرئيسية لقيام حفتر بطباعة العملات في روسيا التي تسانده عسكريا، بحسب الباحث الاقتصادي وئام المصراتي، الذي أشار إلى أنّ استمرار الحرب على العاصمة طرابلس من قبل قوات حفتر وعدم وجود أموال تكفي لتغطية نفقات المعارك الضارية دفعاه إلى طباعة العملة بشكل موازٍ للقيام بشراء العملة الصعبة من السوق الموازية لتغطية النفقات المالية والخسائر المتلاحقة.
ومُنيت مليشيات حفتر، في الفترة الأخيرة، بهزائم عديدة على أيدي القوات الحكومية في مدن الغرب الليبي حتى الحدود مع تونس، ومحيط طرابلس.
من جانبه، قال الخبير المصرفي محمد أبوسنينة، لـ"العربي الجديد"، إن أحد أسباب فشل برنامج الإصلاح الاقتصادي انقسام مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي بسبب الانقسام السياسي والمؤسساتي، والأوضاع الأمنية المتردية في ظل وجود مصرفين وحكومتين في دولة واحدة وعدم اهتمام السلطة التشريعية بالملف الاقتصادي. وأوضح أن المصرف المركزي الموازي قام بطباعة العملة في ظل غياب دور السلطة النقدية الواحدة، ما ساهم في تردي الاقتصاد الوطني وارتفاع سعر صرف النقد الأجنبي في السوق الموازية ليصل إلى مستويات غير مسبوقة.
وتواجه ليبيا أزمة اقتصادية خانقة بسبب الحرب وتهاوي إيرادات النفط، إذ قالت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، الخميس الماضي، إن الخسائر التراكمية نتيجة حصار نفطي تفرضه قوات متحالفة مع حفتر، منذ 19 يناير/ كانون الثاني، اقتربت من خمسة مليارات دولار.
وأضافت المؤسسة، في بيان، أنه "تم إقفال الموانئ النفطية وخطوط نقل الخام ومنعت المؤسسة الوطنية للنفط من ممارسة عملها، وأجبرنا على إعلان حالة القوة القاهرة".
وقال المحلل المالي، أبوبكر الطور، لـ"العربي الجديد"، إن استمرار طباعة العملة بشكل غير قانوني ودون وجود غطاء لهذه العملة أضرّ كثيراً باقتصاد البلاد بسبب زيادة عرض النقود، بالإضافة إلى عدم الإفصاح عن كميات العملة المطبوعة، ما أثار إرباكا في أسواق العملات.
ودعا الطور إلى ضرورة إصدار بيان من قبل المجلس الرئاسي المعترف به دولياً بشأن العملة المتداولة في روسيا وعدم التعامل معها، مؤكدا أن هذه العملات موجودة في السوق ويتم التعامل بها بين المواطنين.
رفض شعبي ورسمي
منذ عام 2015، يقوم مصرف ليبيا المركزي الموازي شرقي البلاد بطباعة عملات مزورة وضخها كنقود جديدة في الاقتصاد، مما تسبب في ارتفاع عرض النقد وانخفاض القوة الشرائية للدينار مع ارتفاع التضخم وفشل الإصلاح الاقتصادي، وفق خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد".
ويرفض مصرف ليبيا المركزي في طرابلس المعترف به دوليا التعامل مع هذه النقود، فيما حذرت دار الإفتاء الليبية من التعامل من العملة المطبوعة بشكل موازٍ، وذلك عبر تساؤلات من قبل المواطنين للتعامل معها في البيع والشراء.
وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورا لبعض المحال في غرب البلاد قام أصحابها بتعليق ورقة كتب عليها "لا نقبل عملة العملة الليبية المطبوعة في روسيا". كذلك أطلق نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ "قاطعوا عملة حفتر المزورة".
وخلال جولة لمراسل "العربي الجديد" في أسواق العاصمة الليبية طرابلس، قال محسن الناجح، وهو مدير سوق تجاري: "لا نقبل في التعاملات اليومية العملة المطبوعة في روسيا، لأنها غير قانونية والمصارف لا تقبلها عند الإيداع".
وأكد المدرس علي اشتيوي، لـ"العربي الجديد"، أنه لا يتعامل بالعملة التي وصفها بالمزورة وأن غالبية الليبيين يرفضونها.
وقال المواطن علي الورفلي إنه جاء من بني وليد (170 كلم جنوب شرق طرابلس) ولديه عملة مطبوعة في روسيا ولا يستطيع تصريفها في العاصمة.
من جانبه، قال أحد منظمي حملة مقاطعة العملة المطبوعة في روسيا، زهير بن عيسى، لـ"العربي الجديد"، إن الحملة نظمت من أجل إيقاف طباعة هذه العملة خارج القطاع المصرفي الرسمي، ولأنها سبب رئيسي للمضاربة في سوق الموازي وارتفاع أسعار الدولار، إضافة إلى تسديد فاتورة الحرب على العاصمة منذ ما يزيد عن عام.
وبلغت قيمة أوراق النقد التي حصلت على موافقة جمركية روسية نحو 10.8 مليارات دينار. وكشف تقرير حديث للأمم المتحدة أن مصرف ليبيا المركزي في البيضاء (الموازي) مستمر في طباعة العملة.