حفتر يستغلّ ضعف الدولة ومحاربة "الإسلام السياسي"

21 مايو 2014
آثار مواجهات الميليشيات المتناحرة ببنغازى (محمد الشيخي أناضول Getty)
+ الخط -
استغلّ اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضعف الدولة الليبية وحالة الارتباك الناجمة عن مصاعب المرحلة الانتقالية، من أجل الاستيلاء على الحكم، بمساندة أطراف محلية متضررة، وقوى خارجية معروفة بعدائها للإسلاميين.
"العربي الجديد" يلقي المزيد من الضوء على "ظاهرة حفتر"، ضابط المدفعية السابق ويعرض أبعادها المختلفة التي تتقاطع مع سعي الجنرال المحموم للسلطة، ويناقش مصداقية مبرراته التي ساقها للبدء في ما سمّاها "معركة الكرامة".


مشهد ضبابي

البداية كانت مع الدكتور خالد بن عمّور، أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة عمر المختار في شرق ليبيا، والذي سألناه عن توصيفه للوضع بعد هجوم قوات حفتر على بنغازي وانسحابها منها، فقال: "ما يحدث تجسيد لحالة ضعف الدولة، والغياب الكامل للمؤسسة الأمنية. فالصراع وقع بين ميليشيات مؤدلجة سياسياً وأخرى دينياً بهدف السيطرة على الأرض وفرض قوة الأمر الواقع".
وتابع: "لن يكون هناك استقرار سياسي إذا ما بقيت معادلة القوى القائمة كما هي، وما لم تستعد الدولة دورها وتنجح في مواجهة الفوضى التي يشجعها الغرب والولايات المتحدة الاميركية وغيرها من القوى الإقليمية التي تفضّل وجود دولة رخوة في ليبيا".
وعن حجم قوات حفتر وقدراتها، أوضح د. بن عمّور أنها لن تستطيع تغيير المعادلة وحدها، لكنه عاد وقال: "ما حدث في مصر أثّر إلى حد كبير في المشهد الليبي، وخلق نوعاً من التحفّز الشعبي المناهض لتيار الإسلام السياسي. وفي حال رفع أي طرف لواء محاربة تيار الإسلام السياسي، سيجد قطاعاً من الشعب يدعمه ليس حبّاً به، بقدر ما هو بغض لتيار الإسلام السياسي".
أما عن الظهير الشعبي والحاضنة الاجتماعية لقوات حفتر، فأكد خالد بن عمّور أن محاولة الانقلاب الأولى التي قام بها حفتر في فبراير/ شباط الماضي، والتي كانت إعلامية أكثر منها عسكرية، خفّضت من أسهمه وقلّلت من شعبيته نسبياً، لكنه استدرك قائلاً: "ما زال قطاع من الشعب يري فيه زعيماً".

وحول الجهات والأحزاب والفصائل العسكرية والسياسية وموقفها مما يحدث، أكد أستاذ الجغرافيا السياسية "أنها ترى في ما حدث محاولة انقلاب، ولن تستطيع قوات حفتر فرض سيطرتها على بنغازي ما لم تقف الصاعقة والقوات الأمنية التابعة للدولة إلى جانبها. فأي طرف ستنحاز إليه الصاعقة والقوات الأمنية سترجح كفّته على الأرض"، ولفت إلى أن المشهد في عمومه ضبابي وغير واضح المعالم ولا التوقعات.

ووفقاً لمراقبين، فإن قوات حفتر تتكوّن بشكل أساسي من ضباط جيش القذافي السابقين، ممّن لم يتم ضمهم للجيش الجديد عقب الثورة، كما أنهم أصبحوا في الوقت ذاته هدفاً لعمليات الاغتيال على خلفية انتمائهم للجيش أثناء فترة حكم معمر القذافي، الامر الذي دفعهم الى الانضمام لحفتر، ما شكّل إضافة كبيرة لقواته ولا سيما من ناحية الخبرة والتدريب، بالاضافة الى انضمام قطاع من خصوم  التيار الإسلامي وبعض الداعين للفيدرالية.

لا أحد يريد الحوار

أحمد الدايخ، عضو المجلس الوطني الانتقالي السابق وأحد أبرز كوادر جماعة "الإخوان" المسلمين بالمنطقة الشرقية في ليبيا، قال لـ"العربي الجديد": "ما حدث خروج عن الشرعية من قبل حفتر، ويعدّ استكمالاً لتحركات وخطوات سابقة قام بها منذ فترة حكم المجلس الانتقالي للوصول إلى السلطة، حيث كان يطلب الامر صراحة من المجلس الانتقالي، وكانت لدية رغبة في تصدّر المشهد".
وأضاف الدايخ ان حفتر وجد الفرصة في استغلال عمليات الاغتيال التي طالت عدداً كبيراً من المنتسبين إلى المؤسسة العسكرية، ليقدم نفسه كمنقذ لأبناء المؤسسة العسكرية من الإرهاب والتطرف.
وحمّل الدايخ الدولة الجزء الأكبر من المسؤولية، لعدم إظهارها لنتائج التحقيقات في عمليات الاغتيال، وتوجيه الإتهام لطرف واضح ومحدد، ما خلق مشهداً ضبابياً، وأصبح كل طرف يتهم خصمه بتدبير الاغتيالات لأهداف خاصة، كما أعطى الفرصة لحفتر للمتاجرة بالقضية، وفقاً لما يراه.
ولفت الدايخ الى أن الحديث حول انتشار التطرف واتهام جماعة "أنصار الشريعة" بالتكفير غير دقيق، حيث إن الجماعة تضم في صفوفها المتطرف المتوسّع في التكفير ومَن هم دون ذلك، ومنهم المعتدل، وأضاف: "من الصعب وضعهم جميعاً في سلة واحدة".

وأشار الدايخ الى أن الحديث حول فتح قناة للتفاوض مع حفتر غير مجد لكونه "باحث عن السلطة وسيظل للابد"، وبالتالي لن يجدي الحوار معه نفعاً. وفي ما يخص الحوار مع "أنصار الشريعة"، فرأى أنه مهم، لكن تحت قاعدة أن مَن يصرّ على تبني التكفير ورفض سلطة الدولة، لا بد من مواجهته.
وطالب الدايخ الحكومة بدعم الكتائب الخاضعة لشرعية الدولة لخلق توازن في المشهد، وأضاف: "الاعتماد على الجيش والشرطة وحدهما، في هذه المرحلة، قد يولّد انقلاباً ينسف كل منجزات ومكاسب الثورة، كما يجب استغلال قدرات شباب الثوار المنتمين للكتائب التابعة للدولة وإيجاد آلية لترقيتهم وإدماجهم في المؤسسة العسكرية".
من ناحية أخرى، قال العقيد محمد الحجازي، الناطق الرسمي باسم "قوات حفتر"، إن ما يثار حول التسوية السلمية للازمة مرفوض جملة وتفصيلاً.
وتابع قائلاً، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "الحل السلمي غير وارد، إلا مع المُغرّر بهم، لكن التفاوض متاجرة بدماء أبناء الوطن".
واكد أن قواته لن تقبل غير تسليم خصومهم معسكراتهم وخضوعهم لـ"الجيش الوطني الليبي" (قوات حفتر)، وخاصة كتيبة "راف الله السحاتي" المسيطرة على "بوابة القوارشة" والمعروفة إعلامياً بـ"أنصار الشريعة"، وكتيبة عمر المختار المسيطرة على "بوابة سيدي فرج".
وتكشف المواجهة الدائرة بالأساس بين قوات حفتر من ناحية، و"أنصار الشريعة" من ناحية أخرى، أن الطرفين لا يؤمنان بشرعية الحكومة والدولة والنظام القائم، ويتخذ كل منهما ممّا حدث شرارة للبدء في تنفيذ مشروعه وتصوره لشكل الدولة، باستخدام السلاح والقوة العسكرية، لكن قيام قوات حفتر بقصف كتيبة عمر المختار ومعسكر 17 فبراير، دفع "أنصار الشريعة" إلى مواجهة قوات حفتر.

فتّش عن التمويل


أحد مؤسسي جماعة "أنصار الشريعة"، رفض ذكر اسمه، قال لـ"العربي الجديد"، إنهم على قناعة بوقوف جهات خارجية خلف جماعة حفتر، مستشهداً بكون السيارات والمدرعات التي هاجمت بها قوات حفتر بنغازي ليست من العتاد العسكري المعهود رؤيته في ليبيا، متهماً حفتر بالعمل لصالح الاستخبارات الأميركية والمصرية.

الرأي السابق وافق رؤية د. خالد بن عمّور أستاذ الجغرافيا السياسية، الذي عاد إلى القول إن ثمة أطرافاً خارجية تدعم حفتر، لا سيما دول الجوار التي تخشى من استمرار الفلتان الأمني في ليبيا، والراغبة في وجود سلطة مسيطرة على الأمور، ولو بالقمع. كما تحدث أحمد الدايخ، عضو المجلس الوطني الانتقالي السابق، عن مرتبات يدفعها حفتر لأتباعه بانتظام ومدرعات وأسلحة نوعية تكشف، حسب رأي الدايخ، عن وجود جهة داعمة لحفتر تقف خلفه.