على الرغم من الخلافات الليبية العديدة، والتباينات بين الأطراف الداخلية والخارجية المعنية بالصراع الليبي، إلا أن الصورة العامة تظهر اليوم أن عقدة الخلاف الوحيدة تنحصر في اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، الذي يرفض خيار الحوار ويلوّح بالحل العسكري، وهو ما يتوقف عنده بعض المتابعين لمحاولة إدراجه في سياق ما يجري من تدخلات أطراف خارجية في ليبيا ورهاناتها على هذا الطرف أو ذاك.
وتكشف مصادر في تونس لـ"العربي الجديد" أن طموحات حفتر لم تعد تتعلق بقيادته للجيش أو توليه وزارة الدفاع فقط، وإنما أصبحت تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، أي إلى تولي مسؤولية إدارة البلاد بأكملها. وتؤكد أن هذه الطموحات تتغذى من أطراف خارجية، على رأسها فرنسا التي تدعم هذا التوجه سراً، فيما تؤكد في العلن دعمها لحكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج، والتي تحظى بإجماع الدولي.
لكن هذه الرغبات والمخططات تصطدم بواقع مختلف في ليبيا، لأن تجربة السنوات الست الماضية أثبتت أن هذا الخيار مستبعد جداً. والأسباب عديدة، أبرزها أن الغرب الليبي يرفض هذا الطرح. وعلى الرغم من تراجع نسبي في تحالفات القوى في هذا الغرب وتشتت جهودها، إلا أن خيار تسليم الحكم لحفتر، إذ ما حاول البعض فرضه، سيؤدي إلى معارك طاحنة في ليبيا، وفق توقعات المصادر. فضلاً عن ذلك، لقد أكدت دول الجوار في بيانها بتونس أنها ضد الحل العسكري وضد التدخل الأجنبي، في إشارة واضحة من تونس والجزائر إلى أن المحيط الليبي يرفض معالجة كهذه للأزمة الليبية.
وتلفت المصادر إلى أن قوى الغرب الليبي بصدد خسارة ورقة مهمة في الصراع، إذ تتلكأ في إنجاز مصالحة مع أنصار العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي، ما قد يستفيد منه حفتر بشكل كبير إذا ما فوتت هذه الفرصة عليها، على حد تعبير المصادر. وهناك من يرى أنه لم يبق أمام القوى التي تمثل غرب ليبيا وقت للمناورة، وأنه ما عليها إلا الاستفادة من ورقة المصالحة التي قد تكون حاسمة في الصراع الليبي، وفي تحديد مستقبل العلاقات الداخلية عموماً، بغض النظر عن الخيار العسكري. وتتحدث المصادر عن وعود بإطلاق سراح رجال من نظام القذافي وعدد كبير من النساء القابعات في السجون الليبية. وكانت قوى غرب ليبية وافقت على ذلك منذ أسابيع، إلا أنها أصبحت مترددة، ما قد يحرمها من التقارب المحتمل مع أنصار القذافي، وهو ما يعتبر بمثابة تقديم هدية مجانية لمنافسيها بالشرق وفي مقدمتهم حفتر.
وتطرح المصادر سؤالاً جوهرياً حول المبادرة الثلاثية وشكل تعاملها مع طموحات حفتر الرئاسية، وإذا ما كانت ستنجح في إقناعه بدور لا يزعج خصومه ولا يثير مخاوفهم، أو أنها ستلقى نفس الفشل الذي مرت به القاهرة منذ أسبوع، حين حاولت سحب البساط من تحت تونس والجزائر، وأطلقت مبادرة منفردة لم تكلل بالنجاح المنتظر بعدما رفض حفتر نفسه لقاء السراج، وهدد بالحسم العسكري. ويتساءل عدد من المراقبين لتطور المبادرة، وسط كل محاولات إجهاضها، عن مدى قدرة تونس والجزائر على إقناع حفتر بمراجعة طموحاته، بعدما فشلت القاهرة ظاهرياً في ذلك، وإقناعه بأن الحوار والتنازل المتبادل هو الحل وليس الحسم العسكري.
وتكثفت الاجتماعات التونسية مع بقية الأطراف الليبية التي تلعب دوراً أساسياً في العملية السياسية. والتقى وزير الخارجية، خميّس الجهيناوي، مع عضو المجلس الرئاسي المستقيل، موسى الكوني، الذي رحب بالجهود التونسية. وكانت زيارة رئيس المجلس الأعلى للدولة، عبد الرحمان السويحلي، زيارة دولة بكل المقاييس، إذ تم استقباله رسمياً في المطار من طرف رئيس البرلمان، محمد الناصر، والتقاه الرئيس الباجي قائد السبسي، ورؤساء الكتل البرلمانية بعد ذلك.
ويبدو أن تونس تسابق الزمن خوفاً من تطورات لا تحمد عقباها ووسط تناقضات ليبية داخلية وتنافس دولي ومواقف دولية متضاربة بخصوص الحل في ليبيا. ويتخوف مراقبون من أن تكون مدة الأزمة التي طالت أكثر من اللزوم، دافعاً لاستمالة الرأي الداعم للحسم بصيغ أخرى غير الحوار. لكن أي سيناريو كهذا سيكون مرتبطاً بالرؤية الأميركية الجديدة في المنطقة، وبطرق حلّها. ولعل المكالمة التي جمعت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس التونسي، السبسي، قد حملت بعض ملامح الرؤية الأميركية، وهو ما قد يفسّر الجهد الكبير والمتسرع الذي تبذله تونس بشأن تسوية الأزمة الليبية.