حدّدت الخطة الوطنية لمكافحة التطرّف في الأردن مسؤولية وزارة التربية والتعليم في مواجهة التطرّف الديني الذي غزا المنطقة ووجد له في المملكة تربة خصبة، فأوكلتها بتعزيز قيم التسامح وترسيخ معاني الاعتدال والوسطية والقيم الإنسانية العليا لدى التلاميذ.
قبل أكثر من أسبوعين، يوم الثلاثاء في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي، شارك نحو مليوني تلميذ في المدارس الأردنية بقراءة الفاتحة على أرواح شهداء الأردن. بعدها، انتظروا في الطابور الصباحي للاستماع إلى محاضرة عن دور القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي والأجهزة الأمنية في الدفاع عن أمن الوطن واستقراره.
ما حدث كان نسخة تجريبية لقرار وزارة التربية والتعليم الأردنية، القاضي بتخصيص الحصّة الدراسية الأولى من كلّ يوم ثلاثاء، للتوعية حول خطر الإرهاب وضرورة مكافحته، والتشجيع على نبذ العنف والتطرّف بوجوهه المختلفة. تلك الحصّة أطلق عليها اصطلاحاً "حصّة الإرهاب".
وجاء إقرار هذه الحصّة بعد أيام قليلة من العملية الإرهابية التي وقعت في مدينة الكرك (جنوب الأردن)، والتي قُتل خلالها 11 رجل أمن ومدنيّان وسائحة كندية. يُذكر أنّ العملية انتهت بالقضاء على ستة إرهابيين. لكنّ وزارة التربية والتعليم ترفض تصنيف الحصّة "ردّ فعل"، بل تضعها في سياق جهودها الاستراتيجية لمحاصرة الفكر المتطرّف، التزاماً بما أسندته لها الخطة الوطنية لمكافحة التطرّف المقرّة مطلع عام 2015.
"حصّة الإرهاب" التي شارك فيها التلاميذ لمرّة واحدة فقط قبل انتهاء الفصل الدراسي الأخير، سوف تكون مع بداية الفصل المقبل جزءاً من المنهاج الدراسي المعتمد، على أن تهدف، وفقاً لتصوّر الوزارة، إلى "المساهمة في حفظ أمن الوطن من خلال التعاون مع الأجهزة الأمنية المتخصصة، والإبلاغ عن أيّ اشتباه في حالات إرهاب، وإبراز مفهوم الأمن الوطني، والتركيز على الحوار والبناء واحترام الرأي والرأي الآخر"، وغيرها.
وهذا الإعلان المفاجئ عن الحصّة أثار جدالاً بين أولياء الأمور والخبراء التربويين، ليتسبّب في توجيه سيل من الانتقادات إلى وزارة التربية والتعليم. كذلك، أثار جملة من الأسئلة التي بقيت من دون إجابات. في هذا السياق، يشدّد المتحدّث باسم وزارة التربية والتعليم، وليد الجلاد، على أنّ "إقرار الحصّة يتعدى الصورة الانطباعية التي تشكلت في أذهان أولياء الأمور"، مشيراً إلى أنّ "الوزارة تعكف، من خلال لجنة متخصصة، على وضع تصوّر كامل ودليل إرشادي لإدارة ملف مكافحة التطرّف". ويوضح لـ "العربي الجديد"، أنّ "الحصّة الأسبوعية تمثّل واحدة من جملة من البرامج والأنشطة التي سوف تنفّذها المدارس، بهدف زرع القيم الإيجابية في نفوس التلاميذ وتعزيز قيم التسامح والحوار لديهم، بالإضافة إلى النأي بهم عن الأفكار المتطرفة".
وعن تلك البرامج والأنشطة، يشير الجلاد إلى "تضمين الطابور الصباحي رسائل توعية للتلاميذ تتعلق بالموضوع، وتفعيل دور المسرح المدرسي في إيصال الرسائل، وعقد محاضرات توعية"، مبيّناً أنّ "تصميم الأنشطة المختلفة سوف يكون بالتعاون والتنسيق بين وزارة التربية والتعليم والمؤسسات الرسمية والوطنية المختلفة المعنيّة بمكافحة الإرهاب، من قبيل وزارة الأوقاف ووزارة الشباب ووزارة الإعلام والقوات المسلحة والأمن العام وغيرها من جهات". إلى ذلك، يؤكّد الجلاد أنّ "الحصّة المقررة وكذلك كلّ الأنشطة والبرامج، لن تكون على حساب الحصص والنشاطات اللامنهجية المقرّرة في السابق. فالقيم التي تسعى الوزارة إلى غرسها في نفوس التلاميذ، نجدها في الكتب المدرسيّة، خصوصاً كتب التربية الإسلامية وتاريخ الأردن والتربية الوطنية".
تجدر الإشارة إلى أنّ التعديل الأخير الذي أجرته الوزارة على الكتب المدرسيّة أخيراً تحت مبرّر تجريدها من المضامين التي تحثّ على التطرّف، كان قد أثار موجة احتجاج كبيرة في صفوف أولياء الأمور والمدرّسين، واتّهمت بسلخ التلاميذ عن ثقافتهم العربية والإسلامية.
وفي حين تواصل الوزارة عملها على ملفّ مكافحة الإرهاب، يقول الخبير التربوي يزن عبده، لـ "العربي الجديد"، إنّ "مجرّد تخصيص حصّة بعنوان الإرهاب، أمر يثير ذعر التلاميذ وأولياء أمورهم. وهذا توجّه بعيد كلّ البعد عن مفاهيم التربية والتعليم". ويحذّر من أن "تأتي الحصّة بنتائج عكسية، فتؤدّي إلى إثارة خوف الأطفال من التلاميذ وبثّ الرعب في نفوسهم، فيما تثير فضول اليافعين من هؤلاء التلاميذ وتدفعهم إلى البحث عن مفاهيم الإرهاب والإرهابيين عبر الإنترنت، فيقعوا فريسة لتلك الأفكار".
ويرى عبده أنّ "الاتجاه الذي سلكته الوزارة خاطئ. وكان من الأجدى أن تضع، بداية، برنامجاً حول الأمن والتعايش، بالإضافة إلى إثارة نقاش يؤدّي إلى زرع قيم تقبّل الرأي والرأي الآخر والتسامح". ويقول: "يجب أن تعزّز الوزارة في برامجها النموذج الإيجابي، من دون أن تغامر بالحديث عن النموذج السلبي، نظراً إلى ما يحمله من مخاطر".
من جهته، لا يرى الخبير التربوي حسام عواد مشكلة في تصميم برامج لتوعية التلاميذ حول مخاطر الإرهاب وزرع القيم الإيجابية في نفوسهم، إلا أنّه يؤكّد، لـ "العربي الجديد"، "أهميّة تصميم البرامج على قدر كبير من الحرص لمراعاة الفروقات الفردية والعمرية بين التلاميذ. ولا بدّ من أن تتضمّن تدريباً للمدرّسين والجهات التي سوف تنفّذها، لضمان إيصال رسائل تخدم الهدف، ووضع دليل إرشادي واضح ليصار إلى تطبيقه".
إلى ذلك، يتحدّث عواد عن "إشكاليات عميقة في التعليم، تدور حول المدرّس والمناهج وأساليب التدريس وفلسفة التعليم نفسها. ومن دون معالجة هذه الإشكاليات عند وضع خطة التربية لمكافحة الإرهاب والتطرّف، فإنّ مصير الخطة سوف يكون الفشل". ويشدّد على "ضرورة أن يكون من يقدّم حصّة الإرهاب على قدر كبير من الكفاءة والمعرفة، والأهمّ أن يكون نموذجاً في تقبّل الاختلاف وملتزماً بقيم الحوار".
في سياق متّصل، يحذّر عواد من تقديم البرنامج بمعزل عن الأسرة، مشدّداً على ضرورة أن تفعّل المدارس التواصل مع أولياء الأمور ليكونوا شركاء استراتيجيّين في إنجاح البرنامج. ويقول إنّ "عزل الأسرة سوف يؤدّي إلى نتائج خطيرة، خصوصاً إذا كانت تحمل قيماً وأفكاراً مغايرة للقيم التي يتضمّنها البرنامج"، موضحاً أنّ "الأسرة جزء مهمّ في العملية التربوية لا بدّ من تفعيله".