حصار قطر ضرب الاستثمار والتصنيف السيادي بدول الخليج

13 سبتمبر 2017
أعمال الإنشاءات تتواصل في الدوحة (فرانس برس)
+ الخط -
بات المستثمرون الدوليون والمؤسسات المالية العالمية ينظرون بحذر وريبة لبيئة الأعمال في منطقة الخليج، بعد مرور أكثر من مائة يوم على اندلاع الأزمة الخليجية وحصار قطر اقتصادياً. 
وتشير معظم الآراء التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، إلى أن منظمات الأعمال المالية والتجارية الغربية ترى أن الأزمة ربما تأخذ وقتاً أطول مما كانت تعتقد، وأنها فرضت عليها وضعاً جديداً، كثير التعقيد والحساسية، خاصة على صعد التعامل التجاري والمصرفي والعقود الإنشائية، وذلك بعد تراجع السعودية عن الوساطة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكادت أن تثمر في رأب الصدع بين قطر ودول الحصار.
وقالت وكالة موديز لخدمات التصنيف الائتماني، في تقرير، امس الأربعاء، إن أزمة الحصار حولت التصنيف السيادي لكل دول الخليج إلى سلبي. وهو ما يعني أن كلف الاقتراض لدولة مثل السعودية تعتمد في تغطية عجزها الميزاني على طرح سندات دولية سيتزايد، وبالتالي سيرفع من أقساط خدمات الديون التي تقارب حالياً 93 مليار دولار.
وقال نائب وكالة التصنيف الأميركية، ستيفن دايك، في تعليقه على الأزمة: "إن فظاعة الأزمة الدبلوماسية بين دول الخليج تمثل سابقة لم يشهد لها مثيل، وأنها رفعت بشدة من حال عدم اليقين في المناخ الاقتصادي وصرف الميزانيات والمناخ الاجتماعي في جميع دول المنطقة".
وذكر التقرير أن البحرين من بين أكثر الدول تضرراً من هذه الأزمة، بسبب وضعها الاقتصادي الهش. وأكد في هذا الصدد أن "تدهور الوضع الائتماني في البحرين، وعدم قدرتها على امتصاص الأزمة، جعلا المستثمرين يراجعون مخاطرها الائتمانية". وهو ما يعني أن المستثمرين الأجانب ربما يتفادون مستقبلاً الاستثمار في البحرين، أو أنها لن تجد مكتتبين في السندات الدولية التي ستطرحها في أسواق المال العالمية.
ورغم أن البحرين اصطفت إلى جانب السعودية والإمارات في أزمة الحصار، وحصلت على بعض الدعم المالي، إلا أن وكالة موديز قالت إنه لا يوجد وضوح كاف حول هذا الدعم في المستقبل.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر البحرين في المراجعة الأخيرة التي أجراها للاقتصاد البحريني، في 21 أغسطس/آب الماضي، من ضعف موازناتها المالية. وركز الصندوق في تحذيره على مخاطر ضعف تغطية الدينار، واحتمال عدم قدرته على الحفاظ على سعر الربط الجاري مقابل الدولار.
من جانبها، تقول نشرة "بلومبيرغ بيزنس"، في تحليل بهذا الشأن، أمس، إن الحصار الرباعي على قطر، جعل مجتمع الأعمال العالمي حذراً في التعامل مع دول المنطقة التي كانت تُعد من بين أكثر المناطق تماسكاً في منطقة الشرق الأوسط، وبدأ مراجعة جذرية لاستراتيجية التجارة والاستثمار مع دول الخليج.
وأشارت النشرة المالية في تقريرها إلى أن الأزمة أضعفت القرار الاقتصادي والتجاري لدول الخليج مع الشركات ودول العالم، حيث إنه أصبح تابعاً لكسب التأييد السياسي.
ونسبت في هذا الصدد إلى الاقتصادي الكويتي جاسم السعدون، رئيس مركز الشال للاستشارات المالية، قوله "دول الخليج باتت تتنافس على شراء الدعم السياسي من الدول والشركات متعددة الجنسيات، عبر توقيع الصفقات التجارية والاقتصادية، من أجل كسب تأييدها، حتى وإن لم تكن هذه الصفقات التجارية تخدم مصالحها". فالأزمة، وحسب تقارير غربية، جعلت المتاجرة مع دول الخليج عملية معقدة ورفعت من المخاطر الاستثمارية، مقارنة بالثقة الاستثمارية والسهولة التي كانت تجري بها أعمالها في السابق.
على صعيد المصارف، يرى تقرير "بلومبيرغ بيزنس"، أن الأزمة خلقت أوضاعاً معقدة بالنسبة للمصارف العالمية التي كانت تخدم زبائنها من المركز المالي في دبي، حيث إن هذه المصارف باتت حذرة وسط التهديدات المبطنة والخفية من دول الحصار من أنها سوف تحرمها من المتاجرة معها، إذا تاجرت مع قطر. وبالتالي فقد عمدت العديد من المصارف الأجنبية في دبي إلى التوجه نحو إنشاء مكاتب لها في الدوحة والكويت ومسقط، حتى لا تقع تحت طائلة العقوبات الإماراتية أو تفقد زبائنها في قطر.
وحسب بلومبيرغ بيزنس، فإن بعض المصارف الأجنبية باتت تخدم زبائنها في الدوحة عبر إرسال مصرفيين مباشرة من مراكزها في لندن ونيويورك وهونغ كونغ إلى قطر، وبالتالي فإن الأزمة خلقت حالاً من التوتر والقلق بين المستثمرين الأجانب في المنطقة ورفعت كلف المتاجرة معها، فالكل خاسر من هذه الأزمة المقيتة، ولكن من الواضح أن خسائر البعض باتت كبيرة وربما تؤثر على استقرارها السياسي والاقتصادي في المستقبل، خاصة دولة مثل السعودية، التي باتت بعض المصارف الأجنبية تبيع أعمالها للتخارج منها، مثلما حدث الثلاثاء، حينما أعلن مصرف "كريدي أجريكول" بيع أكثر من نصف أسهمه للملياردير السعودي الوليد بن طلال، صاحب شركة المملكة القابضة، كما أن مصرف الأول الذي تملكه مجموعة "رويال بانك أوف سكتلندا"، يفكر هو الآخر في التخارج.
وتحدث هذه الانتكاسة، في وقت تسعى فيه السعودية إلى جذب الرساميل الأجنبية وتحديث الاقتصاد والتحول الكامل إلى اقتصاد غير نفطي حسب "رؤية 2030".
وبالنسبة لإمارة دبي التي كانت تستأثر بالقطاع المصرفي الأجنبي وتقدم الخدمات لكامل دول المنطقة، فقد أفقدتها الأزمة بعض الأعمال والخدمات المصرفية، وربما تتزايد هجرة المصارف الأجنبية، وسط إعادة المصارف الأجنبية استراتيجية أعمالها في المنطقة.
على الصعيد الاستثماري، رفعت الأزمة من المخاطر الاستثمارية، حيث بدأت وكالات التصنيف الائتماني، ومنذ بداية الأزمة، في خفض التصنيفات السيادية ومراجعتها لعدد من دول الخليج، كما رفعت من كلف الاقتراض في الأسواق العالمية.
وحسب محللين ماليين، فإن هذا العامل سيضر بالنمو الاقتصادي لدول الخليج الذي يعاني أصلاً من تدهور إيرادات النفط حتى قبل تفجّر الأزمة، وتداعيات ذلك على ارتفاع العجز الإنفاقي، حيث إن الحظر رفع من المخاطر الاستثمارية، وسيجعل الاقتراض الخارجي مكلفاً في المستقبل.
كما أن الأزمة رفعت كذلك من مخاطر عدم الاستقرار السياسي في منطقة الخليج. في هذا الصدد، قال كبير الاقتصاديين في مجموعة سامبا المالية السعودية، جيمس ريف، في تصريحات سابقة نشرتها "العربي الجديد": "أي خلاف بهذا الحجم سيؤثر على مناخ الاستثمار في جميع دول مجلس التعاون الخليجي".
ويضيف "هذا الخلاف سيذكّر المستثمرين بأن القضايا السياسية في المنطقة يمكن أن تشتعل بشكل مفاجئ". وحتى الآن، يعيش مجتمع الأعمال في حيرة حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الحصار اللاأخلاقي وغير القانوني لقطر وتنفيذه بهذه القسوة.
على الصعيد التجاري، خلقت الأزمة وضعاً تجارياً جديداً، حيث تحولت أنظار الشركات الغربية التي كانت تركز على دبي والرياض إلى مسقط والكويت، فقد نشأت خطوط تجارية وبحرية جديدة مع قطر، في أعقاب رفض ميناء جبل على في دبي التعامل مع سفن الشحن التجاري الحاملة للبضائع المتجهة إلى قطر، وبالتالي فقدت دبي جزءاً كبيراً من تجارة الشحن وعمليات المناولة والرسوم التي كانت تحصلها من الشحنات التجارية المتجهة إلى قطر.
في هذا الصدد، يقول الاقتصادي في مجموعة "سيتي غروب"، فاروق سوسة، لنشرة "بلومبيرغ بيزنس": "علاقات التجارة والخدمات المالية أصبحت ضعيفة بين دول منطقة الخليج، ومن غير المحتمل تقويتها حتى في حال حل الأزمة السياسية".
المساهمون