حشيش المقاومة

24 سبتمبر 2015
+ الخط -
عندما انفجر الصراع المسلح بين الثورة والثورة المضادة، في بعض بلدان هذه البقعة التعسة من العالم، وبالتحديد بعد أن دخلت إيران وحزب الله وتنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، وقوى مذهبية شيعية وسنية أخرى، علناً، على خطوط ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد، كان عليك أن تخوض في جدل سياسي ونظري تاريخي معقد، لكي تفند، أو تثبت، تبعاً لموقفك، رواية المؤامرة الكونية على نظام المقاومة والممانعة الذي يحكم سورية.
وإذ انقسم العرب، بفعل هذا الصراع، إلى فسطاطين، يتبادلان اتهاماتٍ لا حصر لها، فإن أحداً من أي منهما لم يستطع إقناع أحد في الطرف الآخر، بروايته، عمن يتآمر على من، لحساب إسرائيل؛ أهو النظام الذي حرس حدودها، ولم يطلق عليها رصاصةً، طوال أربعين عاماً، أم المعارضون المتحالفون مع دول خليجية نفطية تتحالف، تاريخياً، مع أميركا ودول الغرب.
كان لكل وجهة نظره المستندة إلى قرائن كثيرة، منها ما يرفع شأن الإنسان، وحقه في الحرية والكرامة، على الجمل الثورية، حتى لو لم تكن كاذبة، ومنها ما هو مذهبي طائفي، للأسف، ومنها كذلك ما هو سياسي، ظل يتنطح لتقديمه، غالباً، وللأسف مرة أخرى، مثقفون قوميون أو يساريون سابقون، ما عادوا يجدون حرجاً في إصدار الفتاوى الأيديولوجية، ليبرروا انضواءهم تحت رايات جيوش أجنبية، تقتل "أشقاءهم في العروبة" من أبناء "الطبقات الكادحة"، بدعوى الثأر لامرأة ماتت قبل أربعة عشر قرناً.
سيستمر الجدل أربع سنين، بل أكثر قليلاً، وسيسفح طرفاه براميل حبر كثيرة على الورق، لتأييد، أو إدانة براميل متفجرات، ما انفكّت تسفك دم السوريين، بلا حساب. سيمتلئ الفضاء، في الوقت نفسه، بصراخ المتجادلين، يتبادلون الاتهامات ببيع أنفسهم للبترودولار الخليجي، أو الإيراني، وسيتردد كلام كثير عن حرص إسرائيل على بقاء النظام السوري، في مقابل مزاعم عن زرعها بذور الربيع العربي.
لكن مسار الاختلاف على خلفيات الحكاية سيتخذ، بعد منتصف عامها الخامس، منحى جديداً ينكفئ فيه التحليل السياسي، أمام الكشف عن أسرارٍ لم يعد ممكناً إخفاؤها، أولها، وفق الترتيب الزمني، هذا الذي أفصح عن نفسه، أخيراً، بتراجع الأميركيين والأوروبيين، عن شرط تنحي الأسد، ليتماهوا مع موقف روسيٍّ، طالما تذرّعوا به، لكي يتملصوا من المسؤولية عن حماية الشعب السوري، وهو أمر تتبدّى خطورته في تزامنه مع تدخل روسيا عسكرياً، وبشكل مباشر، في الصراع، ثم يصير فضيحة معلنة على رؤوس الأشهاد، حين يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موسكو، ويبحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبل تحويل الخط الساخن، بين دولتيهما، في شأن سورية، إلى خط ساخن مع إيران، وفتح قناة لتبادل الرسائل بين الأطراف الثلاثة، فضلاً عن اتفاقهما على آلية لتقاسم الأجواء السورية، وترسيم مجالات نشاط كل طرف فيها.
ماذا عن المقاومة، كما يحبذ أنصار حزب الله تسميته، وأين هو موقعها، في حلف الممانعة الذي انضم إليه نتنياهو بعد بوتين؟ تسأل، فيأتيك الجواب أخباراً موثقة بالفيديو، لكبار تجار المخدرات من طائفة "أشرف الناس" يقودون المعارك ضد "العصابات التكفيرية" في سورية. وإن شئت الاستزادة، فما عليك، إلا أن تستمع لمن يجرؤون من أهل بيروت، وهم يشتكون مرّ الشكوى من "مافيات" يتزعمها هؤلاء، وتذيقهم ألوان المهانة والابتزاز، فلا الدولة تجرؤ على ملاحقتهم، ولا سماحة "سيد المقاومة"، حسن نصر الله، يحاسبهم على ما يقترفون، طالما أنهم يشاركونه "معركة تحرير القدس" التي لا طريق إليها، في نظره، سوى طريق القلمون.
بذلك، أيها الرفيق، ما عاد أمامك إن أردت مواصلة التمسك برواية المؤامرة الكونية إياها، سوى أن تكون زبوناً دائماً لدى تاجر حشيش المقاومة، نوح زعيتر، وأن يكون هو ناصحاً لك بصنف غير مغشوش.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني