حشود لحسم مصير المنطقة الآمنة شرق الفرات: احتمالات العمل العسكري تتعزز

27 يوليو 2019
تواصل تركيا تعزيزاتها على الحدود مع سورية(عزت مازي/ الأناضول)
+ الخط -
مع تواتر الأنباء عن فشل المفاوضات التي جرت خلال الأيام الماضية في العاصمة أنقرة بين الجانبين التركي والأميركي حول إنشاء ما يسمى بـ"المنطقة الآمنة" شمالي شرق سورية، واصلت تركيا تهديداتها وحشد قواتها على الحدود، مع استنفار الفصائل التي تدعمها في ريف حلب استعداداً لعملية عسكرية ضدّ وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على معظم المناطق الحدودية مع تركيا.
وقالت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد" إنّ حشوداً عسكرية كبيرة للقوات التركية والفصائل التي تدعمها، وصلت إلى الأطراف الغربية الشمالية لمدينة منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، استعداداً لعمل عسكري في المدينة الخاضعة لسيطرة المليشيات الكردية.
وبالتزامن جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الجمعة، تهديداته، قائلاً إنه بغضّ النظر عن نتيجة المحادثات التي تجري مع الجانب الأميركي حول إنشاء منطقة آمنة "فنحن مصممون على تدمير الممر الإرهابي شرق الفرات بسورية". ولفت أردوغان، خلال اجتماع مع رؤساء فروع حزب "العدالة والتنمية" في الولايات التركية بالعاصمة أنقرة، إلى أن "من يمارسون البلطجة بالاعتماد على قوات أجنبية في المنطقة، إما أن يدفنوا تحت التراب أو يقبلوا بالذل".

في مقابل التحشيد التركي، وصلت تعزيزات عسكرية كبيرة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، الذراع العسكري للوحدات الكردية، مزودة بأسلحة ثقيلة من مناطق عين عيسى ومحافظة الرقة وعين العرب (كوباني)، إلى مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا.
وأوضحت المصادر أنّ تعزيزات "قسد" شملت ذخائر وأسلحة ثقيلة وعربات مدرعة، بالإضافة إلى رشاشات ثقيلة ومتوسطة، وقد وصلت إلى قرية المنبطح قرب مدينة تل أبيض شمالي الرقة، آتية من القاعدة العسكرية في بلدة عين عيسى.
وأرسلت "قسد" الاثنين الماضي تعزيزات إلى منطقتي فويلان وزعزوع، تضم نحو 70 عنصراً من المشاة وآليات مزودة برشاشات متوسطة. كما استقدمت خلال الأيام القليلة الماضية تعزيزات عسكرية من الرقة وريف دير الزور إلى خطوط التماس في مدينة رأس العين بريف الحسكة الشمالي.
في الأثناء، ذكر موقع "باسنيوز" الكردي أنّ قوات التحالف الدولي أقامت نقطة مراقبة جديدة على الحدود السورية مع تركيا، ضمن منطقة تسيطر عليها مليشيا "قسد" شمالي الحسكة. ونقل الموقع عما وصفه بأنه مصدر كردي سوري، قوله إنّ "التحالف الدولي ينشئ نقطة مراقبة جديدة قرب بلدة الدرباسية على الحدود مع تركيا، بعد إطلاق الجانب التركي قذائف عدة على رأس العين وريفها أخيراً". وأضاف أنّ "تعزيزات جديدة لقسد والتحالف الدولي وصلت إلى الدرباسية وإلى قرى في ريف رأس العين الغربي"، مشيراً إلى "تمركز عناصر تلك القوات ضمن أحياء رأس العين ووضع القناصة في المباني العالية". وأوضح المصدر نفسه أنّ "الهدف من إقامة نقطة مراقبة جديدة للتحالف الدولي هو ردع الجانب التركي عن القيام بعملية عسكرية في شمال شرق سورية، إذ إن التهديدات التركية مترافقة مع تحضيرات فعلية وتعزيزات كبيرة".


في هذه الأثناء، أكدت مصادر في المعارضة السورية أن تركيا طلبت من فصائل "الجيش السوري الوطني" التابع للمعارضة الاستعداد لعمل عسكري مرتقب في مدينة منبج، وقامت بإرسال قوات استكشافية خاصة إلى مناطق قرب مدينة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقة. وأوضحت مصادر في المعارضة السورية أنّ الطلب التركي جاء من خلال اجتماع عسكري جرى في تركيا قبل أيام، جمع قيادات من الفصائل المنضوية في "الجيش الوطني" بضباط أتراك رفيعي المستوى. وقد أبلغ الجانب التركي قيادات الفصائل بتجهيز قوائم العناصر التي ستشارك في العمل العسكري، بحسب المصادر، التي أوضحت أنّ "الفصائل أعدّت القوائم، وطلبت من المشاركين الاستعداد للتحرّك نحو منبج".

وفي السياق، قال القيادي في "الجيش الوطني" مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ فصائل هذا الجيش "تدعم رؤية الحلفاء في الجمهورية التركية حول المنطقة الآمنة"، مضيفاً "نؤيّد تصريحات (وزير الخارجية التركي) مولود جاووش أوغلو القاضية بضرورة البدء بالإجراءات العملية، ونؤكّد الاستعداد الكامل للبدء بعملية عسكرية واسعة إلى جانب الحلفاء، ونرفض محاولات بعض المسؤولين الأميركيين تجاهل معاناة شعبنا لصالح قادة حزب العمال الكردستاني".
وأضاف سيجري "من خلال المتابعة لمجريات المفاوضات القائمة بين واشنطن وأنقرة حول المنطقة الآمنة، وعدم تحقيق أي تقدم عملي على الأرض، وأمام محاولة بعض المسؤولين الأميركيين تجاهل معاناة شعبنا، أبلغنا تركيا الانتهاء من الاستعدادات الكاملة للبدء بعملية عسكرية واسعة وطرد المجموعات الإرهابية وعدم إضاعة الوقت".
من جهته، رأى القيادي في المجلس الوطني الكردي في سورية وفي حزب "يكيتي"، سليمان أوسو، أنّ الغرض من تصعيد أنقرة وتهديداتها هو "فرض شروطها في التفاوض، في ما يتعلق بعرض المنطقة الآمنة وبعض التفاصيل الأخرى". وأعرب أوسو في حديث لموقع "باسنيوز" الكردي، عن اعتقاده بأنّ "تركيا جادة في تهديداتها وإبراز مخاوفها الأمنية، وبأنّ الأميركيين يتفهمون المخاوف التركية وجادون في تطمينها".
بدورها، حذرت قوى وأحزاب في شمال شرق سورية من أنّ "أي عملية عسكرية تركية في المنطقة ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وإعادة نشر القتل والتدمير في سورية بأكملها". وقالت القوى والأحزاب السياسية في بيان مشترك نقله موقع "روسيا اليوم"، إنّ "تركيا تقوم بتصعيد تهديداتها ضدّ مناطق شمال وشرق سورية بهدف فرض شروطها في إقامة منطقة آمنة على الحدود تكون بمثابة احتلال". ووقع على البيان 25 حزباً سياسياً في شمال شرق البلاد، بما فيها أحزاب كردية وعربية وآشورية.
ويأتي ذلك بعد محادثات أجريت على مدى 3 أيام بين الوفدين التركي والأميركي في أنقرة بخصوص المنطقة الآمنة، والتي انتقدها النظام السوري أمس عبر مصدر في وزارة الخارجية التابعة له، مبدياً رفضه القاطع لمضمونها، ومعتبراً أن أي تفاهم في هذا السياق هو بمثابة "اعتداء" على سيادة سورية.

وحسب مصادر كردية، تحدّثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ المحادثات الأميركية التركية "لم تكن إيجابية، وما زالت تراوح مكانها، وليس هناك تقدم فعلي ملموس فيها، نتيجة لاختلاف رؤية الطرفين كلياً حيالها".
وأوضحت المصادر أنّ الجانب التركي "ما زال متمسكاً بصيغته، ويسعى إلى ضرورة إدارة المنطقة الآمنة من قبل القوات التركية وحدها، ويطالب بإعادة جميع اللاجئين السوريين إليها، مع القضاء على وحدات حماية الشعب وجمع أسلحتهم الثقيلة كلها". في المقابل، فإنّ الجانب الأميركي، بحسب المصادر، "يسعى إلى إبقاء الوضع في شمال شرق سورية كما هو من دون إحداث تغييرات كبيرة في المنطقة، خشية إسهام ذلك في إعادة إحياء تنظيم داعش والتطرف، وكذلك لمنع إيران من استغلال الفرصة والتمدد في المناطق الجنوبية منها".

ويشير مراقبون إلى تعقيدات المشهد الحالي في شرق الفرات بالنسبة لجميع الأطراف. ومع إجماع معظم الآراء على جدية أنقرة في عدم السماح بتواصل الوضع الراهن على حدودها الجنوبية، فإنّ قدرتها على التحرّك ميدانياً من دون توافق مع واشنطن ما زالت مثار شكّ، لأنّ خطوة كهذه قد تكون لها عواقب على العلاقات بين الجانبين والتي تمرّ أصلاً بأوقات صعبة.

وبحسب المحلل السياسي شادي عبد الله في حديث مع "العربي الجديد"، فإنّ "تركيا واقعة بين نيران عدة في سورية. فمن جهة، تزيد روسيا من الضغط عليها في إدلب بهدف دفعها إلى التصادم مع الولايات المتحدة في شرق الفرات، ومن جهة أخرى فإنها تريد تحقيق تغيير حقيقي في تلك المنطقة من دون تعميق الفجوات مع الولايات المتحدة. لذلك فإنها ما زالت حتى الآن تدير معركة إعلامية، وليست عسكرية؛ عبر تحشيد القوات والتهديد بعمل عسكري، على أمل أن يساعد ذلك في تغيير الموقف الأميركي الذي ما زال متمسكاً بالحفاظ على الوضع الراهن مع بعض التعديلات المتعلقة بإعادة هيكلة الوحدات الكردية" المسيطرة هناك، عبر تعزيز العنصر العربي فيها، وإبعاد بعض قيادات حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً من جانب أنقرة عن قيادة هذه الوحدات.