حسن قمصان.. ذاكرة السينما المصريّة في باريس

20 سبتمبر 2014
حسن قمصان وسط أرشيفه (العربي الجديد)
+ الخط -

على رصيف بوليفار سان ميشال في الحيّ اللاتيني في باريس، يجذب ذلك الكشك أنظار المارة بملصقات أفلام مصريّة وعالميّة وكتب موزّعة بانتظام.

وقيمة تلك الملصقات والكتب بحسب صاحبها حسن قمصان، تكمن في أنها "ابنة عامها. فأنا كنت قد اشتريتها فور صدورها، قبل أكثر من أربعين عاماً".

وحسن قمصان يُشتهَر بـ"حسن طعميّة"، لأن "أبي أمضى سبعين عاماً وهو يبيع الفول والطعميّة في عباسيّة القاهرة". قبل 33 عاماً وصل قمصان إلى باريس. وفيها، "لم أترك مهنة لم أعمل بها هنا، في حين ظلت كتبي وملصقات الأفلام ترافقني، وذلك مذ كنتُ أقف خلف الكاميرا أشاهد عمالقة الشاشة وصانعي السينما".

عمل قمصان مساعد مخرج، قبل أن تتمكّن منه هموم الحياة وتقذف به نحو الغرب ليجد نفسه يتخبّط في مشقات العمل في فرنسا. لا يتوقّف قمصان عن الكلام. كأنه مزوّد بطاقة لا تنضب. فيدفق على محدّثيه كل تاريخ السينما المصريّة والعالميّة، ويتحسّر على ما يسمّيه "الزمن الجميل" الذي عرفته "السيما المصريّة" مع العمالقة.

كذلك يصرّ على التعريف مجدداً بفريد شوقي ويوسف شاهين وأمينة رزق ومحمود المليجي ورشدي أباظة وسعاد حسني وفردوس عبد الحميد وإسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وعادل أدهم، الذي يعتبره وبحسب ذائقته السينمائيّة "أفضل ما أنجبت السينما العربيّة والمصريّة".

كأن الزمن توقّف عنده. وما يعزّز تصوّره هذا، هو اقتصار الصور والملصقات التي يمتلكها على أم كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش ويوسف شاهين... وكل تلك الصور بـ"الأبيض والأسود".

ومن بين مقتنيات حسن قمصان 1850 صورة قديمة تعود إلى العام 1940. وكان عمله كمساعد مخرج قد ساعده على تحصيل ثقافة سينمائيّة واسعة، "جعلتني أجمع كل ما يرتبط بها من ملصقات وصور، وخصوصاً أن اهتمامي بالأمر يعود إلى ما بعد النكسة بسنة واحدة، أي إلى العام 1968".

لم يترك حسن قمصان مهنة في الغرب وخصوصاً في فرنسا، إلا واشتغل بها. وانتهى به الأمر طباخاً في مطاعم باريس. وعندما تقدّم في السنّ، وجد نفسه بلا مصدر رزق وقد أحيل على التقاعد.

يعترف قمصان أنه لم يكن ليفكّر يوماً في بيع "كنوزي" كما يصفها والتي جمعها بدافع المتعة ولا شيء غير المتعة، لولا أنه وجد نفسه مع معاش تقاعدي هزيل وتعويضات زهيدة في فرنسا وقد عجزت مكاتب التوظيف عن إيجاد عمل مناسب له، خصوصاً مع تقدّمه في السنّ وبطء حركته.

فاقترحت عليه البلديّة هذا الكشك لبيع "كنوزه" في أرقى الأمكنة، في الحيّ اللاتينيّ، على بعد خطوات من جامعة السوربون العريقة.

كان ذلك قبل سنوات عدّة، "وقبلتُ التحدّي". حسن قمصان اليوم في أواخر الستينيات من عمره، ولا يتعب من مجادلة الفرنسيّين حول ثمن كتاب أصليّ حول السينما الفرنسيّة. وفي النهاية يبيع بسعر معقول.

قاصدو "كشكه" يشترون صور ممثلين مصريّين وعالميّين بالأسود والأبيض، وضعت في إطارات أنيقة. من بين تلك الصور المعلقة على جدار الكشك، تأتي صورة الثائر الأرجنتيني إرنستو تشي جيفارا لافتة للنظر. فيشرح قمصان: "هذا جيفارا ثار ومات ثائراً غريباً محاصراً".

من مغلّف ضخم، يخرج قمصان صوراً للرئيس المصريّ الراحل جمال عبد الناصر. ويشرح تلك الصور: "هنا عبد الناصر يستمع إلى شكاوى الناس ويمنع حرّاسه من إبعادهم. وهذه الصورة اشتراها مني فلسطيني من أستراليا ليكّبرها ويضعها في بيته.

هنا، عبد الناصر في موسكو.. وهذه صورة عائليّة له مع صغاره.. وتلك يشدّ فيها ملابس الإحرام في مكّة... انظر. انظر إلى عظمة هذه الصورة وخلودها. الصورة ليست من أجل المال، إنما من أجل المتعة ولحظتها التاريخيّة".

وحياة قمصان العائليّة، غنيّة أيضاً. فهو تزوّج من ثلاث فرنسيات وله أولاد فرنسيّون. لكن في ذلك الحين، لم يكن قد حصل على الجنسيّة الفرنسيّة بعد. وعندما راح ليستحصل عليها، سأله أحد الموظفين: "لماذا تريد الجنسيّة؟". فردّ قائلاً: "لأني أحب فرنسا ولأني أحب السينما الفرنسيّة".

وراح يعدّد أسماء جان جابان وآلان دولون وليو فيريه وجان بول بلموندو وكاترين دونوف وإيف مونتان وغيرهم... وهو اليوم يظنّ أنه صار فرنسياً بسبب عشقه للسينما الفرنسيّة.

تقاعد حسن قمصان وما زال يحتفظ بإرثٍ "لم ينتبه له المصريّون. أنا جمعته وقد ظننت أنه سيأتي اليوم الذي أعرضه في بلادي. لكنني هنا في سان ميشال أعرضه على الفرنسيّين والسيّاح".

ويتناول صورتَين، واحدة لجمال عبد الناصر وأخرى ليوسف شاهين. يقول: "هذا في أفضل أدواره في فيلم باب الحديد وذاك حين ظنّ أن الاتحاد السوفييتي حليفه".

دلالات
المساهمون