رسم الاتفاق التركي الروسي، الذي توصل إليه الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، في سوتشي، مساء الثلاثاء، ووُصف بـ"التاريخي"، خارطة جديدة للسيطرة والنفوذ في المنطقة التي باتت تُعرف بـ"شرقي الفرات" السورية، إذ رسخ الاتفاق نفوذ أنقرة وموسكو في المنطقة الأكثر أهمية في سورية، فيما وجّه ضربة للمشروع الكردي قد تفضي إلى تلاشيه من المشهد السوري الذي بدا مختلفا تماماً أمس الأربعاء، في ظل شعور الشارع السوري المعارض بأن الاتفاق جاء مخيباً للآمال، فيما لم يتأخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إعلان موافقته على الوضع الذي وصلت إليه الأمور في تلك المنطقة.
ولم تتنظر أنقرة طويلاً قبل أن تعلن انتهاء العملية العسكرية في شرقي الفرات، التي كانت السبب المباشر وراء تبدل قواعد "اللعبة" في شرقي الفرات بعد انسحاب أميركي مفاجئ، عُدّ بمثابة طعنة قاتلة من واشنطن للأكراد الذين لم يجدوا أمامهم إلا الخيار الصعب وهو الوقوع مرة أخرى في حضن النظام السوري والروس الذين سارعوا إلى ملء الفراغ الأميركي بالاتفاق مع الأتراك. وعلى الرغم من ذلك، حذرت أنقرة أمس من أنها ستعاود عمليتها العسكرية في حال عدم التزام الوحدات الكردية باتفاق سوتشي.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس الأربعاء، توقف العملية العسكرية شمال شرقي سورية، وذلك بسبب "عدم الحاجة لعمل عسكري جديد بعد تحقيق الاتفاقيات الموقّعة مع روسيا وأميركا، وانسحاب الوحدات الكردية لمسافة 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية السورية". وقالت الوزارة في بيان إنه "جرى التوافق مع أميركا في 17 من الشهر الحالي على وقف إطلاق نار لمدة 120 ساعة في منطقة العملية التركية، وحتى اليوم فإنه جرى إظهار الحساسية الكافية لتطبيق تلك الاتفاقية". وأضافت الوزارة أن "أميركا أكدت في نهاية المهلة الممنوحة استكمال انسحاب وحدات الحماية الكردية". وبيّنت أنه "وفق اتفاق تركيا مع روسيا، الثلاثاء، سيتم تأسيس مركز عمليات مشتركة اعتباراً من اليوم (أمس)، تشمل المناطق التي لا تتضمنها منطقة العمليات التركية، وتنص على إبعاد الوحدات الكردية لمسافة 30 كيلومترا، وهو ما يعني عدم الحاجة إلى إجراء عمليات عسكرية جديدة خارج هذه المنطقة على هامش العملية الحالية".
ونصّ الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان التركي والروسي حول شرقي الفرات والمناطق في غربه، على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج عناصر "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) وأسلحتهم حتى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية شرقي الفرات، إضافة إلى إخراج جميع عناصر تنظيم "الوحدات الكردية" مع أسلحتهم من منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب. كما نصّ على أن الجيشين التركي والروسي سيبدآن تسيير دوريات مشتركة بعمق 10 كيلومترات في شرق وغرب منطقة العمليات التركية شمال شرقي سورية، مع الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة الواقعة ضمن العملية التي تضم مدينتي تل أبيض ورأس العين. ومن المقرر، وفق الاتفاق، أن تقوم الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري (التابع للنظام) بتسهيل إخراج عناصر الوحدات الكردية وأسلحتهم حتى عمق 30 كيلومتراً من الحدود السورية التركية، خلال 150 ساعة بدأت ظهر أمس الأربعاء.
وحذر الجانب الروسي الوحدات الكردية من عدم تطبيق الاتفاق، وقال المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في تصريح صحافي أمس: "في حال لم ينسحب الأكراد من المناطق المتفق عليها (في الاتفاق) في شمالي سورية، ستضطر الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري إلى الانسحاب، وسيواجهون ضربات الجيش التركي". وأضاف أن "الولايات المتحدة كانت في السنوات الأخيرة، الحليف الأقرب للأكراد. ولكن، في الختام، تخلّت الولايات المتحدة عن الأكراد، وبالتالي خانتهم"، معتبراً أنّ الأميركيين "حالياً وكأنهم يجبرون الأكراد على خوض الحرب ضدّ تركيا".
من جهته، قال أردوغان إن "بوتين تحدّث بحزم شديد عن أن روسيا ستُخرج بالتأكيد العناصر الكردية من المنطقة باتجاه الجنوب"، مضيفاً "إذا لم يتحقق هذا الوعد الروسي، عندها تبدأ مهمة تركيا كما حصل في المنطقة السابقة"، قاصداً بدء عملية عسكرية جديدة. وفي تصريحات له على طائرة العودة من سوتشي، الثلاثاء، نشرها الإعلام التركي أمس، أوضح أردوغان، أن نظيره الروسي أكد له عدم سماح موسكو للوحدات الكردية بارتداء ملابس قوات النظام والدخول فيه إلى المنطقة المتفق أن تخرج منها. ولفت إلى أن "لقاء سوتشي والاتفاق مع موسكو كان ثمرة للعملية التركية، وسيتم الاستفادة منها في تسريع عملية الانتقال السياسي في سورية من دون توقف"، لافتاً إلى أن القامشلي التي استثنيت من الاتفاق لم تكن هدفاً لتركيا بالأساس. وعن العلاقات مع النظام، قال إن "تركيا تجد بمواصلة العمل مع روسيا والنظام في الفترة المقبلة طريقاً صائباً، وروسيا تواصل الحديث عن رغبتها في إجراء الاتصالات بين وزارات الخارجية والدفاع وأجهزة الأمن التركية ونظيراتها في النظام، وهي حالياً في الأجندة وحدثت نتائج إيجابية بالتواصل عبر روسيا، وسيتم مواصلة التعامل مع الأمر في المرحلة المقبلة بالطريقة نفسها".
أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فأطل في مؤتمر صحافي أمس، ليعطي موافقته على الاتفاق الجديد ويدافع عن قراراته الأخيرة في سورية، فأعلن أن الاتفاق بين بلاده وتركيا "أنقذ حياة آلاف الأكراد في شمالي سورية"، معتبراً "أننا تجنّبنا تدخلاً عسكرياً كان يمكن أن يودي بحياة الآلاف" في المنطقة. وإذ أكد أن على أنقرة وموسكو ضمان عدم سيطرة مسلحي "داعش" على أي أراضٍ من جديد، أعلن أن تركيا أبلغت أميركا أنها أوقفت إطلاق النار وهذا الوقف سيكون دائماً، كاشفاً أن قوة أميركية صغيرة العدد ستبقى في محيط مناطق آبار النفط في شمالي سورية. كما أعلن رفع العقوبات التي كانت إدارته قد فرضتها على تركيا. وكان ترامب قد استبق المؤتمر الصحافي، كاتباً على "تويتر": "نجاح كبير على الحدود بين تركيا وسورية. تم إنشاء منطقة آمنة. وقف إطلاق النار صمد والمهمات القتالية انتهت... الأكراد آمنون وعملوا بشكل جيد معنا. أسرى داعش المسجونون تم تأمينهم".
اقــرأ أيضاً
ميدانياً، عبرت قوات روسية أمس نهر الفرات متجهة إلى الحدود مع تركيا في إطار الاتفاق، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، التي أشارت إلى أن الشرطة العسكرية "ستساعد في انسحاب وحدات حماية الشعب (الكردية) وإزالة سلاحها على عمق 30 كيلومتراً" في القسم الأكبر من شمال شرق سورية على الحدود مع تركيا. كما أعلنت الوزارة أن قوات النظام السوري تعتزم إنشاء 15 نقطة مراقبة على طول الحدود مع تركيا، وفق اتفاق سوتشي. وبحسب الخريطة التي عرضتها وزارة الدفاع، فإن نقاط المراقبة هذه سيجري إنشاؤها خارج مناطق عمليات الجيش التركي.
ويُعد الاتفاق التركي الروسي تطبيقاً لمضمون اتفاق "أضنة" الموقّع بين النظام والجانب التركي عام 1998 بعد توتر بين البلدين على خلفية دعم نظام حافظ الأسد لحزب "العمال الكردستاني"، مع توسيع نطاقه الجغرافي 5 كيلومترات في العمق السوري لإرضاء أنقرة وتبديد مخاوفها من المسلحين الأكراد في سورية.
وثبّت الاتفاق الروسي التركي الوضع كما هو عليه بين مدينتي تل أبيض ورأس العين، أي بقاء الجيش التركي وفصائل المعارضة في هذه المنطقة التي سيطر عليها الطرفان خلال العملية العسكرية التي بدأت في التاسع من الشهر الحالي، وانتهت في الـ17 منه عقب تدخّل الجانب الأميركي الذي انسحب من المنطقة وترك لموسكو وأنقرة حرية التصرف فيها.
وحققت تركيا ما كانت ترمي إليه وهو إنشاء "منطقة آمنة" لا وجود كردياً فيها على طول الحدود تقريباً في شرقي نهر الفرات وبعمق يصل إلى 32 كيلومتراً، مع السيطرة المباشرة على منطقة تمتد نحو 100 كيلومتر تقطع الحدود السورية التركية شرقي الفرات والبالغة 444 كيلومتراً من الوسط. وهذا ما عناه وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، بقوله أمس الأربعاء تعليقاً على الاتفاق إن "التاريخ سجّل اتفاقيتي تركيا مع أميركا وروسيا بخصوص سورية على أنهما نجاح سياسي"، مضيفاً: "إرهابيو الوحدات الكردية سينسحبون 30 كيلومتراً من الحدود التركية نحو الجنوب، بما في ذلك القامشلي".
وحقق الروس مكاسب من الاتفاق، لعل في مقدمتها تثبيت أقدامهم في المنطقة الأهم في سورية، ليصبح لموسكو اليد الطولى في عموم الجغرافيا السورية، وباتت أكثر قوة في فرض الحل السياسي للقضية السورية وفق رؤيتها القائمة على تعويم نظام بات اليوم مجرد واجهة هشة لا قيمة له في الموازين السياسية والعسكرية. ويبدو السوريون (معارضون وموالون) أكبر الخاسرين من الاتفاق الذي تم من دون أن يكون لهم أي دور فيه، إذ تقتصر مهامهم على تنفيذ الإرادتين التركية والروسية.
من جهته، قال القيادي في المعارضة السورية المسلحة، مصطفى سيجري، لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاق بين تركيا وروسيا حول شرقي الفرات "يحتاج لتوضيحات ولمزيد من التفاصيل"، مضيفاً: "قبل أن نقف على هذه التفاصيل وماهية الاتفاق وحيثياته لا يمكن الإعلان عن موقف. البوصلة لدينا كانت وما زالت وستبقى المصلحة السورية أولاً". واعتبر أنه "لا معنى للمنطقة الآمنة بوجود نظام الأسد، وإخراج المجموعات الإرهابية فقط لا يحل المشكلة في سورية ولا بد من استعادة المناطق ولصالح الشعب السوري". وأشار إلى أن ثقة المعارضة السورية بالجانب التركي "كبيرة"، مضيفاً: "ندرك تعقيدات المشهد، وحجم المعركة السياسية، وسنبذل جهدنا لتحقيق مزيد من المكاسب الميدانية. ما تم إنجازه إلى الآن ليس بالشيء القليل، ونعتقد أننا قضينا وبدعم من الحلفاء على مشروع الانفصال العنصري". وحول مصير مدينتي تل رفعت ومنبج غربي نهر الفرات، قال سيجري "ما زلنا ننتظر توضيحات من أنقرة".
ومن الواضح أن الاتفاق الروسي التركي وجّه ضربة قوية للمشروع الكردي في منطقة شرقي نهر الفرات، خصوصاً أن التخلي الأميركي عن الأكراد دفعهم إلى الخيار الصعب وهو الاتفاق مع النظام للعودة إلى شرقي الفرات، ما يعني عملياً تلاشي الإدارة الذاتية الكردية والعودة بالملف الكردي إلى المربع الأول.
ورأى بسام إسحق، عضو الهيئة الرئاسية والرئيس المشترك لممثلية "مسد" (المجلس السياسي لقسد) في واشنطن، في حديث مع "العربي الجديد"، أن السوريين "هم الخاسر الأكبر من كل الاتفاقيات التي كرّست النظام السلطوي في دمشق". وتابع بالقول: "لا يمكن للسوريين أن يحققوا مكاسب، لا في اللجنة الدستورية حيث يملك النظام ما يعادل حق الفيتو على أي قرار لا يقبل به، ولا على الأرض حيث لا توجد قوى مستقلة عن تبعية خارجية تستطيع أن تكون صوتاً وقوة تعبّر وتدافع عن تطلعات الشعب ومصالحه". واعتبر إسحق أن "القوة الوحيدة التي بقيت على الأرض وكانت مؤهلة نسبياً هي قسد"، مضيفاً: "لذلك أبواق تركيا والنظام اتهما قسد بأنها كردية وانفصالية لكي يبعدوها عن المشروع الوطني السوري ويحصروا الحل ضمن مصالحهم"، متابعاً: "صحيح أن الأكراد يلعبون دوراً رائداً في قسد، ولكنهم كمشروع سياسي كان ولا يزال الأقرب إلى طروحات الثورة، وكان ممكن البناء على القواسم المشتركة".
ولم يحدد الاتفاق أطراً واضحة لعودة اللاجئين السوريين أو قسم منهم، خصوصاً الموجودين في تركيا، والتي تهدف إلى إعادة عدد كبير من اللاجئين على أراضيها إلى سورية. ولكن الموافقة التركية على انتشار قوات روسية وأخرى تابعة للنظام في المناطق الحدودية سيكون حجر عثرة أمام عودة السوريين الذين يخشون من انتقام واسع النطاق بحقهم من قِبل النظام، لذا من المرجح أن تقتصر العودة على المنطقة الخاضعة للجانب التركي بين مدينتي تل أبيض ورأس العين. وتضم المنطقة الآمنة وفق الاتفاق التركي الروسي العديد من المدن الهامة باستثناء القامشلي، أبرزها: عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي التي ستؤول إلى الجانبين الروسي والنظام، ومدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي والتي ستبقى تحت السيطرة التركية المباشرة، وإلى الشرق منها نحو 80 كيلومتراً هناك مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
اقــرأ أيضاً
ولم تتنظر أنقرة طويلاً قبل أن تعلن انتهاء العملية العسكرية في شرقي الفرات، التي كانت السبب المباشر وراء تبدل قواعد "اللعبة" في شرقي الفرات بعد انسحاب أميركي مفاجئ، عُدّ بمثابة طعنة قاتلة من واشنطن للأكراد الذين لم يجدوا أمامهم إلا الخيار الصعب وهو الوقوع مرة أخرى في حضن النظام السوري والروس الذين سارعوا إلى ملء الفراغ الأميركي بالاتفاق مع الأتراك. وعلى الرغم من ذلك، حذرت أنقرة أمس من أنها ستعاود عمليتها العسكرية في حال عدم التزام الوحدات الكردية باتفاق سوتشي.
ونصّ الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان التركي والروسي حول شرقي الفرات والمناطق في غربه، على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج عناصر "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) وأسلحتهم حتى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية شرقي الفرات، إضافة إلى إخراج جميع عناصر تنظيم "الوحدات الكردية" مع أسلحتهم من منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب. كما نصّ على أن الجيشين التركي والروسي سيبدآن تسيير دوريات مشتركة بعمق 10 كيلومترات في شرق وغرب منطقة العمليات التركية شمال شرقي سورية، مع الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة الواقعة ضمن العملية التي تضم مدينتي تل أبيض ورأس العين. ومن المقرر، وفق الاتفاق، أن تقوم الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري (التابع للنظام) بتسهيل إخراج عناصر الوحدات الكردية وأسلحتهم حتى عمق 30 كيلومتراً من الحدود السورية التركية، خلال 150 ساعة بدأت ظهر أمس الأربعاء.
وحذر الجانب الروسي الوحدات الكردية من عدم تطبيق الاتفاق، وقال المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في تصريح صحافي أمس: "في حال لم ينسحب الأكراد من المناطق المتفق عليها (في الاتفاق) في شمالي سورية، ستضطر الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري إلى الانسحاب، وسيواجهون ضربات الجيش التركي". وأضاف أن "الولايات المتحدة كانت في السنوات الأخيرة، الحليف الأقرب للأكراد. ولكن، في الختام، تخلّت الولايات المتحدة عن الأكراد، وبالتالي خانتهم"، معتبراً أنّ الأميركيين "حالياً وكأنهم يجبرون الأكراد على خوض الحرب ضدّ تركيا".
من جهته، قال أردوغان إن "بوتين تحدّث بحزم شديد عن أن روسيا ستُخرج بالتأكيد العناصر الكردية من المنطقة باتجاه الجنوب"، مضيفاً "إذا لم يتحقق هذا الوعد الروسي، عندها تبدأ مهمة تركيا كما حصل في المنطقة السابقة"، قاصداً بدء عملية عسكرية جديدة. وفي تصريحات له على طائرة العودة من سوتشي، الثلاثاء، نشرها الإعلام التركي أمس، أوضح أردوغان، أن نظيره الروسي أكد له عدم سماح موسكو للوحدات الكردية بارتداء ملابس قوات النظام والدخول فيه إلى المنطقة المتفق أن تخرج منها. ولفت إلى أن "لقاء سوتشي والاتفاق مع موسكو كان ثمرة للعملية التركية، وسيتم الاستفادة منها في تسريع عملية الانتقال السياسي في سورية من دون توقف"، لافتاً إلى أن القامشلي التي استثنيت من الاتفاق لم تكن هدفاً لتركيا بالأساس. وعن العلاقات مع النظام، قال إن "تركيا تجد بمواصلة العمل مع روسيا والنظام في الفترة المقبلة طريقاً صائباً، وروسيا تواصل الحديث عن رغبتها في إجراء الاتصالات بين وزارات الخارجية والدفاع وأجهزة الأمن التركية ونظيراتها في النظام، وهي حالياً في الأجندة وحدثت نتائج إيجابية بالتواصل عبر روسيا، وسيتم مواصلة التعامل مع الأمر في المرحلة المقبلة بالطريقة نفسها".
ميدانياً، عبرت قوات روسية أمس نهر الفرات متجهة إلى الحدود مع تركيا في إطار الاتفاق، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، التي أشارت إلى أن الشرطة العسكرية "ستساعد في انسحاب وحدات حماية الشعب (الكردية) وإزالة سلاحها على عمق 30 كيلومتراً" في القسم الأكبر من شمال شرق سورية على الحدود مع تركيا. كما أعلنت الوزارة أن قوات النظام السوري تعتزم إنشاء 15 نقطة مراقبة على طول الحدود مع تركيا، وفق اتفاق سوتشي. وبحسب الخريطة التي عرضتها وزارة الدفاع، فإن نقاط المراقبة هذه سيجري إنشاؤها خارج مناطق عمليات الجيش التركي.
ويُعد الاتفاق التركي الروسي تطبيقاً لمضمون اتفاق "أضنة" الموقّع بين النظام والجانب التركي عام 1998 بعد توتر بين البلدين على خلفية دعم نظام حافظ الأسد لحزب "العمال الكردستاني"، مع توسيع نطاقه الجغرافي 5 كيلومترات في العمق السوري لإرضاء أنقرة وتبديد مخاوفها من المسلحين الأكراد في سورية.
وثبّت الاتفاق الروسي التركي الوضع كما هو عليه بين مدينتي تل أبيض ورأس العين، أي بقاء الجيش التركي وفصائل المعارضة في هذه المنطقة التي سيطر عليها الطرفان خلال العملية العسكرية التي بدأت في التاسع من الشهر الحالي، وانتهت في الـ17 منه عقب تدخّل الجانب الأميركي الذي انسحب من المنطقة وترك لموسكو وأنقرة حرية التصرف فيها.
وحققت تركيا ما كانت ترمي إليه وهو إنشاء "منطقة آمنة" لا وجود كردياً فيها على طول الحدود تقريباً في شرقي نهر الفرات وبعمق يصل إلى 32 كيلومتراً، مع السيطرة المباشرة على منطقة تمتد نحو 100 كيلومتر تقطع الحدود السورية التركية شرقي الفرات والبالغة 444 كيلومتراً من الوسط. وهذا ما عناه وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، بقوله أمس الأربعاء تعليقاً على الاتفاق إن "التاريخ سجّل اتفاقيتي تركيا مع أميركا وروسيا بخصوص سورية على أنهما نجاح سياسي"، مضيفاً: "إرهابيو الوحدات الكردية سينسحبون 30 كيلومتراً من الحدود التركية نحو الجنوب، بما في ذلك القامشلي".
وحقق الروس مكاسب من الاتفاق، لعل في مقدمتها تثبيت أقدامهم في المنطقة الأهم في سورية، ليصبح لموسكو اليد الطولى في عموم الجغرافيا السورية، وباتت أكثر قوة في فرض الحل السياسي للقضية السورية وفق رؤيتها القائمة على تعويم نظام بات اليوم مجرد واجهة هشة لا قيمة له في الموازين السياسية والعسكرية. ويبدو السوريون (معارضون وموالون) أكبر الخاسرين من الاتفاق الذي تم من دون أن يكون لهم أي دور فيه، إذ تقتصر مهامهم على تنفيذ الإرادتين التركية والروسية.
من جهته، قال القيادي في المعارضة السورية المسلحة، مصطفى سيجري، لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاق بين تركيا وروسيا حول شرقي الفرات "يحتاج لتوضيحات ولمزيد من التفاصيل"، مضيفاً: "قبل أن نقف على هذه التفاصيل وماهية الاتفاق وحيثياته لا يمكن الإعلان عن موقف. البوصلة لدينا كانت وما زالت وستبقى المصلحة السورية أولاً". واعتبر أنه "لا معنى للمنطقة الآمنة بوجود نظام الأسد، وإخراج المجموعات الإرهابية فقط لا يحل المشكلة في سورية ولا بد من استعادة المناطق ولصالح الشعب السوري". وأشار إلى أن ثقة المعارضة السورية بالجانب التركي "كبيرة"، مضيفاً: "ندرك تعقيدات المشهد، وحجم المعركة السياسية، وسنبذل جهدنا لتحقيق مزيد من المكاسب الميدانية. ما تم إنجازه إلى الآن ليس بالشيء القليل، ونعتقد أننا قضينا وبدعم من الحلفاء على مشروع الانفصال العنصري". وحول مصير مدينتي تل رفعت ومنبج غربي نهر الفرات، قال سيجري "ما زلنا ننتظر توضيحات من أنقرة".
ورأى بسام إسحق، عضو الهيئة الرئاسية والرئيس المشترك لممثلية "مسد" (المجلس السياسي لقسد) في واشنطن، في حديث مع "العربي الجديد"، أن السوريين "هم الخاسر الأكبر من كل الاتفاقيات التي كرّست النظام السلطوي في دمشق". وتابع بالقول: "لا يمكن للسوريين أن يحققوا مكاسب، لا في اللجنة الدستورية حيث يملك النظام ما يعادل حق الفيتو على أي قرار لا يقبل به، ولا على الأرض حيث لا توجد قوى مستقلة عن تبعية خارجية تستطيع أن تكون صوتاً وقوة تعبّر وتدافع عن تطلعات الشعب ومصالحه". واعتبر إسحق أن "القوة الوحيدة التي بقيت على الأرض وكانت مؤهلة نسبياً هي قسد"، مضيفاً: "لذلك أبواق تركيا والنظام اتهما قسد بأنها كردية وانفصالية لكي يبعدوها عن المشروع الوطني السوري ويحصروا الحل ضمن مصالحهم"، متابعاً: "صحيح أن الأكراد يلعبون دوراً رائداً في قسد، ولكنهم كمشروع سياسي كان ولا يزال الأقرب إلى طروحات الثورة، وكان ممكن البناء على القواسم المشتركة".
ولم يحدد الاتفاق أطراً واضحة لعودة اللاجئين السوريين أو قسم منهم، خصوصاً الموجودين في تركيا، والتي تهدف إلى إعادة عدد كبير من اللاجئين على أراضيها إلى سورية. ولكن الموافقة التركية على انتشار قوات روسية وأخرى تابعة للنظام في المناطق الحدودية سيكون حجر عثرة أمام عودة السوريين الذين يخشون من انتقام واسع النطاق بحقهم من قِبل النظام، لذا من المرجح أن تقتصر العودة على المنطقة الخاضعة للجانب التركي بين مدينتي تل أبيض ورأس العين. وتضم المنطقة الآمنة وفق الاتفاق التركي الروسي العديد من المدن الهامة باستثناء القامشلي، أبرزها: عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي التي ستؤول إلى الجانبين الروسي والنظام، ومدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي والتي ستبقى تحت السيطرة التركية المباشرة، وإلى الشرق منها نحو 80 كيلومتراً هناك مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.