حزب الله يستعدّ لعرسال: استيراد "الحشد الشعبي"

26 مايو 2015
يحضر حزب الله لـ"حشد شعبي" في لبنان (جوزف عيد/getty)
+ الخط -
أعاد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، تصويب أصابع المعركة باتجاه بلدة عرسال، عند الحدود الشرقية بين لبنان وسورية. أكد نصر الله خلال خطابه الأخير، في 24 مايو/أيار أنّ المعركة في عرسال وفي جردها، هي جزء من معركة طرد المسلحين من القلمون الغربي (عند الحدود بين البلدين)، وحسم الموضوع مشدداً على أنّ "أهلنا في بعلبك الهرمل الشرفاء، وعشائرهم وعائلاتهم وقواهم السياسية وكل فرد فيهم، لن يقبلوا ببقاء إرهابي واحد ولا تكفيري واحد في أي جرد من جرود عرسال أو البقاع". وضع نصر الله الموضوع في عهدة أهالي البقاع (شرقي لبنان) في بعلبك والهرمل المحسوبين مذهبياً وسياسياً على الحزب، مقابل عرسال التي تعتبر حاضنة للاجئين السوريين وثورتهم سياسياً وديموغرافياً أيضاً. كلام يشي من دون لبس إلى نية نصر الله استيراد تجربة مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية إلى لبنان بكل ما تحمله من ملامح انفجار حروب طائفية مذهبية.

جاء هذا الكلام بعد أقل من عشرة أيام على قول نصر الله إنّ مخيّمات اللاجئين في عرسال جزء من الحرب في القلمون، باعتبار أنّ "السلاح والذخائر والأموال والمؤن تدخل إلى عرسال ومنها إلى مخيمات اللاجئين في عرسال، ومنها إلى جرود عرسال ومنها إلى جرود القلمون".

اقرأ أيضاً: نصر الله: حربنا مع التكفيريين "وجودية" كالمعركة مع إسرائيل 


يبدو أن هذه البلدة ستدفع الثمن مرّتين أو أكثر. بلدة جردية على ارتفاع بين 1400 و2000 متر عن سطح البحر، هي من بين الأكبر مساحةً في لبنان (نحو 320 كيلومتراً مربعاً)، تربطها حدود تبلغ نحو 60 كيلومتراً مع الأراضي السورية، ويقطنها أكثر من 30 ألف مواطن، أضيف إليهم أكثر من 100 ألف لاجئ سوري ظروفهم مزرية، لتصبح قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة.


اجتاحت المجموعات السورية المسلحة عرسال في أغسطس/آب الماضي، وعاثت قتلاً فيها، على خلفية توقيف الجيش اللبناني لأحد قياديي هذه المجموعات. قاتل المسلحون السوريون القوى الأمنية اللبنانية وخطفوا عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي، ولا تزال المفاوضات جارية على رؤوس العسكريين اللبنانيين إلى هذا اليوم. ومنذ خروج هذه المجموعات من البلدة، بعد اتفاق مع الدولة بوساطة رجال دين، لم تعد الأجهزة الأمنية إليها. اكتفى الجيش بالانتشار في محيطها، أما مخفر الشرطة فيها فكأنه غير موجود. لا تتحرّك آليات القوى الأمنية داخل البلدة ولا تعمل على ضبط الأمن فيها. يمنع الجيش الأهالي من الانتقال من البلدة إلى جردها، حيث الأراضي الزراعية ومقالع الحجر (المورد المالي الأول للأهالي). في حين أنّ المجموعات المسلحة تجول في الجرود وحوّلت من يتمكن من العرساليين من الانتقال إلى الجرد إلى "مشروع مخطوف" أو "مشروع فدية".
وتقول مصادر محلية عرسالية لـ "العربي الجديد" إنّ بلدتهم "متروكة لمصيرها ووحدها". قبل أيام، دخلت مجموعة من تنظيم الدولة الإسلامية إلى عرسال وخطفت مناصرين للجيش السوري الحر. بعدها بساعات، عمدت مجموعة أخرى إلى إطلاق النار على بعض المنازل، منها منزل الشيخ مصطفى الحجيري، أحد رجال الدين المقربين من المجموعات المسلحة، مع العلم أنّ الحجيري كان يعمل مع داعش وغيرها من المجموعات السورية على ملف العسكريين المخطوفين، وقد ساهم في زيارة بعض أهالي المخطوفين لأبنائهم في الجرود، كما أشيع أنّ العسكريين كانوا موضوعين بعهدته عند اختطافهم في أغسطس/آب الماضي.


تشير المصادر إلى وجود متغيّرات ميدانية تحصل في عرسال، مستغربة تحرّك "داعش" باتجاه البلدة في هذه المرحلة التي من المفترض فيها أن تكون كل الأطراف المعارضة السورية تحضر نفسها للمعركة مع النظام السوري وحزب الله. ويؤكد هذا الواقع أنّ "داعش" يسير دائماً عكس التيار وعكس المنطق وعكس ما يصب في مصلحة المجموعات المعارضة. سبق لهذا التنظيم أن فتح معركة مع "جيش الفتح في القلمون" (الذي تنضوي تحت اسمه معظم فصائل المعارضة في القلمون) خلال هجوم الأخير على مواقع حزب الله في قرى القلمون الغربي. وما عودة "داعش" اليوم للتحرك في عرسال بهذا الشكل والتوقيت، سوى ترجمة لخطاب الحزب وتعزيز لما قاله نصر الله عن كون البلدة ساحة للمسلحين.

اقرأ أيضاً: تسريبات نصرالله وتهديد المعارضين: كل من يخالفنا خائن

يبدو أن عرسال تنتظر أياماً سوداء. يمهّد نصر الله لدخول حزبه إلى الجرود لـ "تنظيفها" من المسلحين، ليكون مشروعه اللاحق الدخول إلى عرسال البلدة لـ "تطهير" مخيّمات اللاجئين فيها من المسلحين أيضاً. وهو ما يضعه قسم كبير من أهالي عرسال في إطار مشابه لاجتياح المقاتلين السوريين لبدلتهم قبل عام، مشيرين إلى أنّ "اجتياحاً لا يمكن صدّه باجتياح آخر، والحصار الذي فرضه حزب الله على البلدة معروف ومكشوف وكان واضحاً من خلال منع أهالي عرسال من الخروج إلى البقاع عن طريق اللبوة". مع العلم أنّ لعرسال طريقاً رسمية وحيدة تربطها بالأراضي اللبنانية، وتمر عبر بلدة اللبوة المحسوبة على حزب الله، والتي قطع أهلها الطريق إلى عرسال خلال أكثر من مناسبة العام الماضي.


يبدو هذا الخيار واضحاً لدى حزب الله، بالرغم من أنّ نصر الله لا يزال يدعو "الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤوليتها في هذا الملف"، إلا أنّ الحزب يدرك جيّداً أنّ الجيش اللبناني عاجز عن تحمّل تبعات هذه المعركة اليوم، سياسياً وأمنياً وميدانياً. ويقول أحد ضباط الجيش اللبناني لـ "العربي الجديد" إنّ "القرار الوحيد الذي عمّمته القيادة على قطعاتها العسكرية هو التصدي لأي محاولة تسلل أو حركة تقوم بها المجموعات الإرهابية"، مشيراً إلى أنّ فتح معركة في الجرد أو في عرسال تستوجب استعداداً أكثر وتحضيراً أكبر، وبالإضافة إلى الإمدادات العسكرية واللوجستية، وهو ما ليس متوفراً حتى اليوم. وهو ما لا يرضي حزب الله الذي طالب الأمين العام فيه الدولة علناً بتحمل مسؤولياتها. ومن المرجّح أن يطرح وزراء الحزب هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء، مع العلم أنهم سبق وفعلوا، وكان رد رئيس الحكومة، تمام سلام، واضحاً في "رفض مناقشة هذا الملف من باب رفض مشاركة الجيش في المعركة"، بحسب أكثر من وزير في الحكومة.

مشروع حزب الله بات واضحاً لناحية زجّ أوسع فئة ممكنة من أهالي المنطقة في حربه على طريقة تأليف ما يمكن تسميته "حشداً شعبياً" على هامش مقاتلي حزب الله. "حشد شعبي" قال نصر الله بنفسه إنه يجب أن يتألف، علماً أنّ حزب الله أسّس وسلّح بالفعل مجموعات عسكرية غير شيعية في منطقة البقاع، في بلدة القاع ذات الغالبية المسيحية تحديداً، وهي خطوة أولية في هذا المشروع للقول إنّ حربه في سورية "غير طائفية وغير مذهبية". هكذا، يستعدّ شرق لبنان لتجربة "حشد شعبي" من نوع جديد بقيادة حزب الله، عماده الأساسي ما يعرف بـ "سرايا المقاومة" أي المليشيات التي يدعمها حزب الله، والتي تنفذ أجندته السياسية والأمنية في مختلف المناطق اللبنانية. ولا يمكن أن تؤدي تجربة "الحشد الشعبي" اللبنانية إلا إلى احتراب طائفي في منطقة البقاع، بما أن عرسال تشكل الثقل السني في محيط ذي غالبية شيعية، لا يمكن أن يحارب في صفوف "الحشد" إلا أبناء الشيعة وغير السنة عموماً بطبيعة الحال.
المساهمون