لم يتوقف رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، عن محاولاته المتعدّدة الاتجاهات من أجل العودة الى الحكم من جديد، بعد تركه إياه، مجبراً، قبل أشهر عدّة، وهو ما عزز من المشاكل التي تعصف بحزب الدعوة الذي يتولى حكم العراق منذ أكثر من 12 عاماً، إذ تسلم، إبراهيم الجعفري، القيادي في حزب الدعوة المنصب لأربع سنوات أعقبه المالكي لثماني سنوات ومن ثم جاء رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.
وفيما يؤكد مصدر وزاري رفيع في حكومة العبادي أن "حزب الدعوة أكبر وأقوى الأحزاب الشيعية على وشك الانشقاق والتشرذم بسبب المالكي وممارساته مع العبادي الذي ينتمي لنفس الحزب"، يوضح أن حزب الله اللبناني دخل على خط الوساطة بين المالكي والعبادي لاحتواء الموقف.
ووفقاً للوزير الذي تحدث لـ"العربي الجديد" شريطة عدم الكشف عن اسمه، فإن "قيادياً في حزب الله يتواجد في بغداد منذ ثلاثة أيام لتهدئة الاحتقان الحاصل وعقد مصالحة بين الطرفين قبل أن تتسرب المشاكل الى وسائل الإعلام وتكون علنية".
ويوضح المصدر، أنّ مسؤول حزب الله عقد اجتماعات مع المالكي والعبادي بخصوص ذلك، قدم خلالها كل طرف شروطه. ووفقاً للمصدر، يشترط العبادي أن يتوقف المالكي عن تأليب الشارع الشيعي عليه ووقف حملات على الإنترنت من كتاب وإعلامين مستأجرين من رئيس الوزراء السابق لهذا الغرض، وقبل ذلك الكف عن التدخل في شؤون إدارته الحكومة. في المقابل طالب المالكي بأن يوقف العبادي إلغاء القرارات التي اتخذها رئيس الوزراء السابق في آخر سنة من حكمه. وهي قرارات يعتبرها رئيس الوزراء الحالي طائفية ومسيسة ومخالفة للدستور.
ويوضح المصدر الوزاري، أن "العبادي أعرب عن مخاوفه من تهور المالكي ومحاولة قلب الأوضاع السياسية في البلاد، مستعيناً بالمليشيات التي تدين في غالبها بالولاء له على غرار ما حصل في اليمن من انقلاب الحوثيين على السلطة الدستورية. وهو ما أبلغ به العبادي الإيرانيين ومبعوث حزب الله".
وأوضح الوزير، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "المالكي الذي يتولى منصب الأمين العام للحزب سحب صلاحيات العبادي السياسية داخل الحزب، ولم يسمح له بالمشاركة في أي اجتماع منذ شهرين. وهو ما دفع العبادي الى سحب قيادات بارزة من الحزب ومؤيدة له، قاموا بالامتناع عن حضور نشاطات حزب الدعوة أو تلبية دعوات المالكي أخيراً. وهو ما أدى إلى انقسام داخلي كبير خطط المالكي له من أجل استخدامه كورقة ضغط على العبادي من خلال قدرته على جمع تواقيع لاستدعاء أو استجواب العبادي في أي وقت في قبة البرلمان".
ويلفت المصدر إلى أن "تحركات المالكي الخبيثة تثير قلق الجميع بمن فيهم قيادات التحالف الوطني"، الحليف لإيران، مؤكداً المعلومات حول رفض واشنطن منح المالكي سمة دخول الى الولايات المتحدة لأغراض العلاج مطلع الشهر الجاري بعد طلب قدمه الى السفارة الأميركية في بغداد من دون أن تذكر السفارة سبب رفض الإدارة الأميركية لذلك".
وتنوعت الأساليب والطرق التي يتبعها المالكي، ومنها محاولات تأليب الشارع على رئيس الحكومة حيدر العبادي والتمرد على أوامره العسكريّة من خلال تحريض الضباط في الجيش والشرطة ممن عملوا معه سابقاً في سنوات حكمه، فضلاً عن أساليب أخرى لم يكتب لها النجاح كمحاولة تسلمه منصب قائد قوات الحشد الشعبي وتعيين نجله في أمانة مجلس الوزراء.
وفي السياق ذاته، يكشف مصدر سياسيّ مطلع لـ"العربي الجديد"، أنّ "المالكي يعقد اجتماعات مستمرّة لأنصاره والموالين له والمستفيدين منه في المؤسسات الحكومية ومنها المؤسسات العسكرية، للبحث في طريقة تعيده إلى الحكم"، مبيناً أنّ "المالكي بدأ الآن باللعب سياسياً والتحضير للانتخابات المقبلة".
ويوضح المصدر أنّ "المالكي غيّر الآن من أسلوبه في محاولات العودة للحكم، إذ إنه اتفق مع أنصاره المقربين على انسحابهم من كتلته (دولة القانون) وتشكيل كتلة مستقلّة لا ترتبط به لا من قريب ولا من بعيد، الأمر الذي يمهّد للانتخابات المقبلة". ويلفت المصدر إلى أنّ "الكتل التي انشقت والأخرى التي ستنشق عن المالكي، ستندمج في كتلة المالكي التي سيرأسها بعد الانتخابات، لتشكّل كتلة كبيرة قد تكون الأكبر التي تناط بها مهمة تشكيل الحكومة".
وأكّد المصدر أنّ "أنصار المالكي التزموا معه بالاتفاق وبدأوا التنفيذ، وأولهم النائبة، حنان الفتلاوي، التي أعلنت عن تشكيلها كتلة مستقلة خارج ائتلاف المالكي.
من جهته، يؤكد رئيس قائمة كفاءات النائب عن محافظة بابل، هيثم الجبوري، (وهو مقرّب من المالكي)، "قرب إعلان تحالف يضم قائمته وحركة إرادة التي ترأسها الفتلاوي". ويشير الجبوري إلى أنّ "التحالف سيضم، أيضاً، النائب عن المحافظة إسكندر وتوت وعدداً من الشخصيات السياسية الأخرى". كما يؤكد أنّ "التحالف الجديد يهدف الى المشاركة في العملية السياسية بقوة في ضوء التغيرات الجديدة التي حصلت في الآونة الأخيرة، وأنّه يجري الآن مباحثات مستمرة مع أطراف عديدة بشأن توسيع قاعدته".
وكانت النائبة عن محافظة بابل، حنان الفتلاوي، قد أعلنت، في وقت سابق، انسحابها من ائتلاف المالكي (دولة القانون) وتأسيسها حركة سياسية باسم "إرادة".
من جهته، يرى الخبير السياسي، عبد الغني المعموري، أنّ "محاولات المالكي هذه تكشف عن مدى هوسه وتعلقه بالحكم، الأمر الذي يؤكّد مستقبلاً انشقاق البيت الشيعي في حال استمر رئيس الوزراء السابق بعدم القبول بواقع أن يكون مرؤوساً، ويلفت المعموري خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "خطوات المالكي هذه قد تجعله يحصل على عدد جيّد من مقاعد البرلمان، لكنّها لن تكون القشة التي تعيده الى الحكم"، مبيناً أنّ "على المالكي أن يعلم أنّه خسر أنصاره في البيت الشيعي أولاً، وخسر تأييد المرجع الديني علي السيستاني، فضلاً عن أنّه كشف جميع أوراقه التي شوّهت من صورته لدى الخصوم وجميع من يؤثرون في الساحة السياسية".
ويؤكد المعموري أن "عودة المالكي أصبحت أمراً شبه مستحيل بسبب سياساته غير المدروسة والتي أوقعت البلاد في أزمات لا يرد أحد، اليوم، لا من السنّة ولا الشيعة ولا الكرد العودة إليها".
وعاش العراق إبان حكم رئيس الوزراء السابق، الذي امتد لثماني سنوات، أسوأ أيّامه التي تمثلت في أزمات متشابكة مع الكرد والسنّة، وحتى مع بعض الشيعة، وأججت تلك السنوات الفكر الطائفي وتعدد الولاءات، وانتهى الأمر بتحطيم المؤسسة العسكريّة وانهيارها وسيطرة تنظيم "الدولة الاسلاميّة" (داعش) على مساحات واسعة من العراق.