حزبا الترابي والبشير في السودان: هل انتهى شهر العسل؟

31 اغسطس 2018
مسألة ترشيح البشير لولاية جديدة أججت الخلافات (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -
على نحو غير مألوف، شنّ الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي (السوداني)، علي الحاج محمد، هجوماً عنيفاً على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، واتهمه بـ"التخريب"، واعتبره "أكبر مهدد للبلاد"، إضافة لكونه "حزباً فقير الكوادر والأفكار والأراء والمواقف". حدث ذلك على الرغم من أن حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه الأب الروحي للحركة الإسلامية حسن الترابي، ما زال مشاركاً في الحكومة، بثلاثة وزراء وله ممثلوه في المجلس الوطني (البرلمان)، إضافة لتمثيله في مؤسسة الرئاسة من خلال منصب مساعد رئيس الجمهورية، القيادي في الحزب، إبراهيم السنوسي.

ولم يكتفِ علي الحاج الذي انتُخب أميناً عاماً للحزب خلفاً للترابي في عام 2016، باتهام الحزب الحاكم بالتخريب وبتهديد البلاد، بل مضى أبعد من ذلك، ووضع حزب الرئيس عمر البشير، في مرتبة "العائق الأكبر" أمام السلام ووقف الحرب. وأضاف الحاج خلال مخاطبته أنصار حزبه، يوم الأربعاء الماضي، أن "الخطر على البلاد يأتي من المؤتمر الوطني وليس من المعارضة أو الحركات المتمردة والتي تحمل السلاح"، قبل الاسترسال واتهام جهاز الأمن والمؤتمر الوطني بـ"إنفاق أموال طائلة من أجل شقّ صفوف الحركات المتمردة". وهو إنفاق رآه أكبر مما يُنفق على جهود تحقيق السلام في البلاد.

وانتهز الحاج الفرصة بالتعريج على موضوع الفساد في الدولة، وهو الموضوع الذي يشغل بال الكثير في ظل حملة يقودها البشير ضد الفاسدين أو من يطلق عليهم "القطط السمان". وذكر الحاج أن "الفساد منتشر داخل أروقة المؤتمر الوطني"، وسمّاه "فساد الأصهار"، مطالباً بـ"الكشف عن أسماء المفسدين الذين تم اعتقالهم بواسطة الأجهزة الأمنية ضمن حملة مكافحة الفساد". وأوضح أن "الفاسدين تحصّلوا واستلموا الأموال بطريقة رسمية من داخل المصارف"، مما أكد تفشي الفساد في الدولة.

وأكد الأمين العام للمؤتمر الشعبي المعلومات التي راجت في الأيام الماضية، عن شروط قدمتها دول خليجية للخرطوم مقابل تقديم منح مالية ونفطية لإنقاذ الاقتصاد السوداني من الإنهيار. وقال إن "قيادة البلاد تعرضت للتهديد من دول خليجية"، مشيراً إلى أن "تلك الدول المعنية اشترطت التخلي عن الإسلام السياسي حتى تقدم المساعدات المالية والبترول، غير أنه أين هو الإسلام الآن حتى يتم التخلي عنه"؟


ربما كان علي الحاج يدرك أن الكثيرين سيرفعون حواجب الدهشة من هجومه هذا، لأنه صادر عن حزب شريك في الحكومة وأحد عرّابي عملية الحوار الوطني التي انبثقت حكومة الوفاق الوطني من رحمها. حاول الرجل بقدر الإمكان تقديم مبرراته باكراً لهذا الموقف الجديد حينما قال: "لقد صمتنا في الفترة الماضية ليس خوفاً من القبضة الأمنية ولكن رغبة في الإصلاح ولكن لكل شيء حدود". ودلّت هذه العبارة على أن شهر العسل بين الحزبين بات مهدداً.

بدأت العلاقة بين الحزبين بصورة حرب سياسية طويلة بعد انشقاق المؤتمر الشعبي عن المؤتمر الوطني بين عامي 1999 و2000، إثر صراع داخل الحزب حول أحقية اتخاذ القرار بين الأمين العام للمؤتمر الوطني، حسن الترابي والرئيس حسن البشير. انتهى الخلاف بحلّ البرلمان الذي كان برئاسة الترابي وحلّ الأمانة العامة للحزب، فما كان من الترابي إلا الانشقاق، ومعه عدد من قيادات الحزب والحكومة. بعدها دخل الحزب في حرب طويلة تبادل الطرفان فيها الضربات تحت الحزام بما في ذلك الكشف عن كثير من الأسرار. وما بوح الترابي نفسه بتفاصيل تورط مسؤولين سودانيين في محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك في أديس أبابا الإثيوبية عام 1995، إلا واحدة من تلك المظاهر.

في عام 2014، طرح البشير مبادرة حوار وطني شامل لكل الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة والجماعات المسلحة، فكان المؤتمر الشعبي أول المرحّبين بالفكرة والداعمين لها بل صُنّف الترابي بأنه "عرّابها". وأحدثت المبادرة تقارباً كبيراً، تصاعدت معه آمال الإسلاميين السودانيين في الوحدة والاتحاد في جسم واحد. وهو ما كان يخطط له الشيخ حسن الترابي، اعتقاداً منه بأن الجميع سيكون مستهدفاً في المستقبل، مستشهداً بما تعرض له الإخوان المسلمون في مصر بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2013، وما تعرضت له حركات الإسلام السياسي في تونس وليبيا وغيرها، فتعذر السماح لها بالوصول للسلطة ولو عبر صناديق الاقتراع.


غير أن تدبير الترابي توقف في محطته بعد وفاته في مارس /آذار 2016 فخلفه الحاج الذي عمل في السابق وزيراً في حكومة البشير، ولم يحظَ بالإجماع الكافي داخل الحزب وبرزت أصوات عدة معارضة له، لا سيما بما يتعلق بالتقارب مع المؤتمر الوطني وافتقاده للكاريزما التي كان الترابي متمتعاً بها.

ورأى الكاتب عبد الباقي الظافر، أن "أموراً كثيرة حدثت بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، وبرزت خلافات عميقة بين الجانبين، أهمها الخلاف حول مشروع قانون الانتخابات المودع لدى البرلمان، إذ أبدى المؤتمر الشعبي اعتقاده بأنه تمّ تجاوزه في إعداد المشروع الذي حسب تصوره، لن يؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة". وأضاف الظافر في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "هناك سبباً آخر لعمق الخلاف بين الحزبين يتعلق بقرار المؤتمر الوطني ترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة مع تعديل الدستور الذي يمنع ترشحه"، مشيراً إلى أن "الشعبي يشعر بالتجاهل في كل تلك الإجراءات التي يعتبرها غير متوافقة مع توصيات مؤتمر الحوار. هذا غير استخفاف الحزب الحاكم بوزن المؤتمر الشعبي".

وأوضح الظافر أن "اجتماعاً حصل في الأيام الماضية بين البشير والأمين العام للمؤتمر الشعبي، يبدو أن نتائجه لم تكن إيجابية، لذا جاءت تصريحات علي الحاج الأخيرة في منتهى الحدة". واستبعد الظافر انسحاب المؤتمر الشعبي من الحكومة على الأقل في الوقت الراهن، واعتبر أن "الحاج أراد فقط إيصال رسالته للحزب الحاكم، فضلاً عن رغبته في السير على طريق سياسي بعيد عن الخط الحكومي سيما في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجه الحكومة والتي أدت إلى تدني شعبيتها في الآونة الأخيرة".

وحول توقعات رد فعل الحزب الحاكم تجاه هجوم الأمين العام للمؤتمر الشعبي، توقع الظافر "قيام المؤتمر الوطني بحملة اختراق للشعبي وشق صفوفه، خصوصاً أن الأخير له قابلية لذلك، في ظروف التباين الكبير في وجهات النظر داخله".
غير أن صديق محمد عثمان، المدير السابق لمكتب حسن الترابي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "علي الحاج أراد توجيه هجومه إلى تيار داخل الحزب الحاكم يعمل ضد مخرجات الحوار"، لافتاً إلى أن "ذلك التيار نجح سابقاً في إقصاء كل من إبراهيم غندور وإبراهيم محمود حامد، نائبي رئيس الحزب، اللذين قادا عملية الحوار الوطني. كما استهدف التيار نفسه، حكومة رئيس الوزراء بكري حسن صالح، وحاول إسقاطها بعد الموازنة الأخيرة بافتعال أزمة النقد الأجنبي وتعطيل أية مقترحات لإصلاح حال الاقتصاد، ثم الآن إخراج البشير نفسه".

واستبعد عثمان، خروج المؤتمر الشعبي من الحكومة أو وقوفه ضد ترشيح البشير لأن "الحزب يتعامل مع مشاركته الحالية مثل تعامل الحركة الإسلامية أثناء مصالحتها مع الرئيس الأسبق جعفر نميري، ولم يكن لها دخل بخلافات رجال نميري داخل الاتحاد الاشتراكي (التنظيم السياسي في عهد نميري)".

في الوقت ذاته، انتقد ربيع عبد العاطي، الوجه الإعلامي داخل المؤتمر الوطني الحاكم، ما صدر عن الأمين العام للمؤتمر الشعبي، ذلك لأن "حزب علي الحاج جزء من الحكومة التي يقودها المؤتمر الوطني ويتحمّل أوزارها بمثل ما يتحمل كسبها"، مشيراً إلى أن "تلك السهام ترتد لعلي الحاج نفسه". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مواقف المؤتمر الشعبي الأخيرة تفرض ضرورة إعادة النظر في الائتلاف الحكومي القائم المكون من أحزاب شتات".