حريق بغداد يستهدف أصوات الصدريين... ويفتح احتمال إعادة الانتخابات

12 يونيو 2018
التحقيق بالحريق قد يجرّ جهات سياسية للسجون(صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
تصاعدت حدة التوتر وارتفع مستوى التصريحات بين الكتل العراقية وزعمائها أخيراً على خلفية الحريق المفتعل الذي شبّ في مخازن لمفوضية الانتخابات بداخلها صناديق اقتراع وأجهزة تحقق إلكترونية. وكان أكثر هذه المواقف تصعيداً ما ورد على لسان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي حذّر من احتمال نشوب حرب أهلية في البلاد جراء التطورات الأخيرة. ولعل ما كشفه مصدر عراقي بارز لـ"العربي الجديد"، عن أنّ أغلب الأصوات التي أتلفها الحريق هي من معاقل الصدر والتي حصل فيها على أعلى نسب للأصوات، يفسّر هذه المواقف الصادرة عن زعيم ائتلاف "سائرون". ويتزامن ذلك مع وصول قائد "فيلق القدس" الجنرال الإيراني قاسم سليماني، إلى بغداد بمهمة اعتبرتها مصادر عراقية محاولةً "لفكّ الاشتباك بين الكتل الشيعية، ومنع انحدار خطير في الأزمة السياسية الحالية"، وسط تسريبات تؤكّد بدء طرح قيادات سياسية عراقية خيار إلغاء الانتخابات والدعوة لإجراء أخرى بدلاً منها في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. ومن أبرز هؤلاء رئيس البرلمان سليم الجبوري، وزعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، وأحزاب كردية وقوى مدنية أخرى في بغداد، فيما يرفض تحالف "سائرون" وتحالف "الفتح" بزعامة القيادي في "الحشد الشعبي" هادي العامري، هذا الطرح، بينما يقف تحالف رئيس الوزراء السابق رئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، مع الداعين إلى الاستمرار بالتحقيق في نتائج التزوير.

وحذّر الصدر، أمس الاثنين، من خطورة الأوضاع في العراق ومن أن "هناك من يريد أن يجر البلاد إلى حرب أهلية"، مؤكداً في رسالة وجهها إلى أنصاره، أنّ "العراق بحاجة للتعاون والتكاتف وهو ما يزال يعاني من وطأة الاحتلال والإرهاب". وتابع "لن أبيع الوطن من أجل المقاعد، ولن أبيع الشعب من أجل السلطة، فالعراق يهمني، وأما المناصب فهي عندي أهون من عفطة عنز"، مضيفاً أن "بائعي ثلثي العراق (في إشارة إلى المالكي) يريدونها بداية لحرب أهلية". وأكّد أنه لن يكون طرفاً فيها. وكشف مسؤول عراقي بارز لـ"العربي الجديد"، أن غالبية المواد التي أتلفها الحريق، يوم الأحد الماضي، هي من معاقل الصدر، والتي حصل فيها على أعلى الأصوات ضمن دوائر مدينة الصدر، حي أور، شارع فلسطين، بغداد الجديدة، المشتل، الحسينية، حي الشعب، الجوادر الحبيبية والقاهرة. ويعتقد الصدريون اليوم أن حرقها قبل العد والفرز اليدوي هو مخطط لضرب تحالف "سائرون".

وفي السياق ذاته، قالت عضو لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، حمدية الحسني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من خلال تواجدنا بمقر الحادث نؤكّد أنه مفتعل ومخطط له، لأن المخازن الثلاثة بينها مسافات منفصلة والحريق لم ينقل بشرارة من مخزن إلى آخر، لكن أضرمت النار في المخازن مرة واحدة". وأضافت الحسني أنّ "المواد التي احترقت هي الأجهزة الإلكترونية الخاصة بتسريع النتائج وأجهزة التحقّق من الهوية، وقد احترقت بالكامل، في حين أنه لم نتأكّد مما إذا كانت الصناديق والأجهزة في المخزن الثالث قد احترقت كلها، ولكن من ضمن الأشياء التي أتلفت كانت أوراق التسوية لمحطات الاقتراع في بغداد". وأوضحت الحسني أنّ ضياع أجهزة التحقّق يعني عدم إمكانية اكتشاف الأوراق الصحيحة من الأوراق الباطلة، ومعرفة الجهة المسؤولة عن التزوير ولصالح من زوّرت".

إلى ذلك، قال رئيس دائرة المفوضين في مفوضية الانتخابات، معن الهيتي، في بيان له: "إن الحريق لن يؤثر على الانتخابات، كون ما أحرق هناك نسخ عنه تم تصويرها وحفظها مسبقاً". وبعد ساعات قليلة على الحريق، تصاعدت أصوات كتل سياسية وزعامات عراقية بارزة تطالب بإعادة الانتخابات بشكل كامل، وهو ما علّق عليه متحدث باسم العبادي بالقول إن "المحكمة الاتحادية العراقية فقط، وليس أي كيان آخر، هي التي يمكنها اتخاذ قرار بشأن إعادة الانتخابات البرلمانية".

وفي السياق ذاته، قال مصدر مقرّب من تحالف "الوطنية" بزعامة إياد علاوي، إن الأخير، إلى جانب سليم الجبوري وأحمد المساري وبرهم صالح، وكتل كردية مختلفة وشخصيات شيعية أيضاً، قد تشكّل تحالفاً جديداً يدعو إلى إلغاء الانتخابات تحت اسم "فريق 10/6"، في إشارة إلى يوم حرق مخازن المفوضية. ووفقاً للمصدر ذاته، فإنّ القوى المطالبة بإعادة الانتخابات تؤكد أنّ إجراءها في ديسمبر إلى جانب الانتخابات المحلية للمحافظات، "من شأنه تخليص الحكومة والبرلمان المقبلين من عار التزوير الذي سيبقى يلازمهما كتهمة في حال أقرّت العملية الانتخابية الحالية في البلاد".


في غضون ذلك، باشرت قوات خاصة مرتبطة بمكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وبقيادة أحد الضباط العسكريين، بمهمة تأمين صناديق الاقتراع في مخازن مفوضية الانتخابات في بغداد وباقي محافظات البلاد وفرض رقابة مشددة عليها. وقد منحت هذه القوات الحق في استخدام القوة المميتة إزاء أي تهديدات جديدة تستهدف المخازن، بحسب ما قال المسؤول البارز من بغداد.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق، عصر أمس الاثنين، تسمية رئيس ونائب للرئيس ومدير دائرة انتخابية من داخل المجلس، حيث سيتولى قضاة تلك المناصب الثلاثة لحين انتهاء الأزمة الانتخابية. وقال القاضي عبد الستار البيرقدار، المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى، في بيان مقتضب، إن "القضاة المنتدبين للقيام بمهام مجلس المفوضين عقدوا اجتماعاً، صباح اليوم (أمس)، في مقر المجلس، وجرت خلاله تسمية رئيس مجلس المفوضين ونائبه"، مضيفاً أنّ "الاجتماع تضمّن أيضاً تسمية مقرّر لمجلس المفوضين، وكذلك تسمية الناطق الإعلامي باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، كما تمت مفاتحة مجلس قضاء إقليم كردستان لترشيح ثلاثة قضاة لإدارة مكاتب أربيل والسليمانية ودهوك".

ويشير تسريع مجلس القضاء الأعلى وتيرة إجراءاته حيال بدء عملية العد والفرز، والتأخير غير المفهوم للمحكمة الاتحادية العليا حتى الآن حيال البتّ بالشكاوى المقدمة إليها، والتي تجاوز عددها السبع حتى الآن، بما فيها طلب رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، مطلع الشهر الجاري منها بيان رأيها حول شرعية قرارات البرلمان وشكاوى الطعون والتزوير، إلى أنّ المؤسسة القضائية تسعى هذه المرة لعدم الوقوع تحت تأثير القوى السياسية في البلاد، لناحية استعجال الإعلان عن النتائج أو تبنّي وجهة نظر من دون استكمال الإجراءات الدستورية والقانونية كافة.

وأكد المسؤول العراقي البارز ذاته، الذي تحدّث لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، القاضي فائق زيدان، وجّه بمنع القضاة والمستشارين القضائيين من الظهور الإعلامي أو التصريح بأي شيء يتعلّق بالأزمة الحالية، وأيضاً منع زيارات المسؤولين السياسيين لمقر المجلس أو المحكمة وهيئة الانتداب التي تمت تسميتها أخيراً وحصرها بموافقة شخصية منه"، لافتاً إلى أنّ "حرق مخازن المفوضية في الرصافة يشير، حسب التحقيقات التي أجرتها دائرة الأدلة الجنائية بإشراف وزير الداخلية، قاسم الأعرجي، إلى أنّ الحريق مفتعل، وتمّ بفعل فاعل من خلال إضرام النيران فيها وفي أكثر من مخزن كونها عبارة عن مخازن بسقوف محدبة، وحرق واحد لا يعني أن الثاني سيحترق"، مؤكداً اعتقال اثنين من الحراس ويجري البحث عن الثالث، وهناك تسجيلات كاميرات مراقبة تتم مراجعتها الآن".


وأشار المسؤول إلى أنّ التحقيق بالحريق "قد يجرّ جهات سياسية وأطرافاً داخل مفوضية الانتخابات إلى السجون". وكان الأعرجي قد أكد أن الحريق الذي نشب في المخازن المخصصة لحفظ صناديق الاقتراع في بغداد كان متعمداً، مشيراً إلى أنّ "الحريق تمّ بفعل فاعل"، موضحاً خلال حديث للصحافيين، أنه يتابع تطورات الأوضاع مع فريق الأدلة الجنائية، ومع لجنة التحقيق المختصة بالحادث.

سليماني في مهمة منع تصعيد الأزمة

إلى ذلك، وفي زيارة هي الثانية خلال أقلّ من شهر واحد، وصل قاسم سليماني إلى بغداد في ساعة متأخرة من ليل الأحد ـ الاثنين، قادماً من دمشق، وفقاً لمصادر عراقية أكّدت لـ"العربي الجديد"، أن المسؤول الإيراني عقد فور وصوله لقاءات مع كل من المالكي والعامري وزعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، وقيادات سياسية أخرى في منزل العامري، فيما أكدت وسائل إعلام عراقية مقربة من المالكي أن سليماني اجتمع معهم على مائدة السحور صباح الاثنين، وسيبقى في العراق لضمان حلّ الأزمة بين الفرقاء.

وفي هذا الإطار، قال عضو في تحالف "الفتح" لـ"العربي الجديد"، إنّ سليماني "يعمل على وقف تصعيد الأزمة بين الكتل الشيعية، بعد حرق المخازن، وبعد تراشق اتهامات بين بعضها حول وقوف كتلة ما وراء الجريمة"، مبيناً أنّ "خروج تلك الاتهامات المتبادلة سيكون خطيراً، وسليماني يحاول ضبط الجميع، في ظلّ تلميح الصدريين إلى تورّط حركة صادقون (تابعة لمليشيا العصائب) ضمن تحالف الفتح، بالحريق مع موظفين صغار في المفوضية، بينما تعتبر قيادات في الحركة أن الصدريين هم الذين أحرقوها لمنع تراجع مقاعدهم في الانتخابات عند إعادة عملية العد والفرز، خصوصاً بعد إحراق أجهزة التحقّق الإلكترونية". ووصف عضو تحالف الفتح زيارة سليماني بأنها "محاولة لوقف الانحدار الخطير بالأزمة بين الكتل الشيعية هذه المرة وليس مع الطرف السني أو الكردي". بدوره، علّق عضو "التحالف الوطني"، منصور البعيجي، على زيارة سليماني بالقول إن "كل الحكومات السابقة ما كانت لتتشكّل لو لم يتدخّل بها الخارج"، مضيفاً "مع الأسف هناك ضغوط خارجية أميركية وإيرانية، ولا أعتقد ستشكّل حكومة إذا لم تتدخّل إرادة هذه الدول ودول أخرى".

أمّا عضو تحالف "النصر"، النائب صادق المحنا، فعبّر عن اعتقاده بأنّ "البلد ذاهب لحكومة تصريف أعمال بعد الذي جرى"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "أنا لا أرحب بأي تدخل خارجي، ونريد الحلول عراقية. رجاءً اتركوا البلد وشأنه، وأي حلّ أو تأثير خارجي هو لمصلحة طرف على آخر ولن يجلب الخير للعراق". وتابع المحنا "لا أمتلك معلومات حول وصوله (سليماني) من عدمه، لكن إن صحّ وصوله إلى العراق، فإنه للأسف سيكون البلد مرتمياً بأحضان دول بسبب الأحزاب الحالية وكل حزب يتعكّز على دولة، وهذا ما أوصلنا إلى هذه المرحلة".

وتأتي كل هذه التطورات مع وصول ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد، يان كوبيتش، إلى العاصمة العراقية وعقده سلسلة لقاءات مع الجبوري، والمالكي وعلاوي والعبادي، والتي جرى خلالها، بحسب بيانات صدرت في بغداد، بحث أزمة الانتخابات في البلاد.