ارتفعت بشكل لافت، في الفترة الأخيرة، نسبة الأشخاص الذين يعبّرون عن آرائهم من خلال نشر تسجيلات خاصة بهم عبر صفحاتهم على "فيسبوك"، فأصبح إيصال الفكرة بالصوت والصورة أنجع وسيلة لاستقطاب العدد الأكبر من المشاركات والتعليقات إلى جانب ارتفاع نسبة المشاهدين.
ظاهرة الفيديوهات سلاح ذو حدين، لها إيجابياتها وسلبياتها، فالبعض يستخدمها ليُخرج كل ما في داخله من حقد وعنصرية وخرق لخصوصيات الناس، والبعض الآخر كي يوصل أفكاراً أو رسائل ذات معنى ولياقة.
وتجتاح الموقع الأزرق في لبنان منذ أيام فيديوهات مليئة بالحقد والعنصرية التي لم تهدأ حتى اللحظة بين اللبنانيين والسوريين، وذلك عقب تنفيذ الجيش اللبناني مداهمات في مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال على الحدود السورية اللبنانية، بحثاً عن إرهابيين، وقد أسفرت العملية عن مقتل ما لا يقل عن 4 أشخاص واعتقال العشرات وتعذيبهم، إذ انتشرت صور التعذيب والذل الذي تعرض له اللاجئون على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تطلب استنفاراً إعلامياً وسياسياً أدى إلى الضغط على الجيش لفتح تحقيق في الموضوع.
بدأ الخلاف عندما خرجت مجموعة كبيرة من الناشطين لتبرير التعذيب عبر منصاتهم، داعين لـ"الضرب بيد من حديد وإبادة المخيمات". كما بدأوا يخوّنون كل من يطالب بتحقيق شفاف، وذلك حفاظاً على حقوق الإنسان والجيش اللبناني سوياً. ورد شاب سوري يقطن في أوروبا، من خلال فيديو يهاجم فيه الشعب اللبناني، ويقول في الفيديو: "إن هجم الإسرائيلي عليكم سأقف مع الإسرائيلي، وستدور الأيام وسننزل إلى لبنان ولنريكم ماذا سنفعل بكم"، مضيفاً: "الرجال على الجبهات وليس بالاستقواء على الأبرياء، وللأسف في لبنان لا يوجد رجال".
كما انتشر فيديو آخر لسيدة سورية كبيرة في السن، تهاجم رئيس الجمهورية والشعب اللبناني وجيشه، مذكّرةً بحرب تموز/ يوليو وكيف استقبل السوريون اللبنانيين ووزعوا عليهم الأكل والشرب والملابس مجاناً، شاجبة دخول حزب الله في الحرب السورية. وانتشرت عشرات الفيديوهات لناشطين سوريين يهاجمون لبنان وشعبه وجيشه بالطريقة نفسها.
هذا الهجوم، قابله هجوم مضاد من عشرات اللبنانيين الذين علقوا على الفيديو بالطريقة نفسها، معتبرين أن "الشعب اللبناني الذي حارب إسرائيل لا يخاف ولا يهرب، وأن من وقف مع لبنان في حرب تموز، نرد له الجميل الآن حين نقاتل معه على الجبهات التي هربتم منها إلى تركيا وأوروبا ولبنان، إلى جانب رد الشتيمة والعنصرية بالمثل".
وانخرط في الحملة سياسيون وفنانون وإعلاميّون، ووصلت إلى تطبيقات الدردشة كـ"واتساب"، إذ انتشر تسجيل صوتي من أشخاص يدعون فيه اللبنانيين إلى ضرب أي سوري يمشي على الطريق بعد الساعة السابعة ليلاً، وذلك بعد أن انتشرت دعوة لتظاهرة تضامنية مع اللاجئين، الأمر الذي لم يتقبله البعض، محرضين بدعوة لتظاهرة "متضامنة مع الجيش اللبناني"، وسط تهديدات بالقتل والاعتداء على كل من ينزل إلى الشارع.
Twitter Post
|
وفي آخر فصول الحملة العنصريّة، قام ثلاثة شبان في منطقة الدكوانة بضرب شاب سوري أعزل بعنف وسحله في الطريق موثقين اللحظة الهمجية بالفيديو. الشبان لم يكتفوا بالضرب، بل بدأوا بالتحقيق مع الشاب وتلفيق التهم له بأنه مع النظام السوري وداعش، وبأنه يريد التظاهر ضد الجيش اللبناني، كما أجبروه على قول: "الله ورئيس الجمهورية، الله والجيش اللبناني".
Facebook Post |
وخلال ساعات، انتشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط غضب اللبنانيين من هذا الاعتداء الوحشي والعنصري ضد الأبرياء. وصباح أمس، ألقت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي القبض على الشبان الثلاثة الذين اعتدوا على الشاب، وفق ما أعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عبر "تويتر".
Twitter Post
|
كما أُنشأت صفحات على "فيسبوك" و"تويتر" لشن هجوم على أي شخص يطالب بتحقيق أو يهاجم الجيش، وهذا ما حصل مع الإعلاميتين ديما صادق وديانا مقلد والنائب عقاب صقر، الذين طالبوا بتحقيق فقط، إذ تنتشر كل يوم صورهم مرفقة بشتائم وتعابير مهينة، إلى جانب التهديدات بالقتل واتهامهم بـ"الدواعش".
من جهة أخرى، تقدم المنتدى الاشتراكي، الأسبوع الماضي، بعلم وخبر لبلدية بيروت لتنظيم وقفة تضامنية مع اللاجئين/ات وضد العنصرية وضد القمع على خلفية أحداث عرسال، إلا أن الوقفة تحولت خلال ساعات بقدرة قادر في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي إلى تظاهرة ضد الجيش اللبناني.
وذلك بعد أن بدأت العديد من الصفحات، أبرزها "اتحاد الشعب السوري في لبنان"، إلى دعوة السوريين في جميع المناطق اللبنانية لمظاهرة ضد الجيش اللبناني، الأمر الذي لم يتقبله اللبنانيون وبدأوا بالدعوة لمظاهرة مضادة وسط تهديدات بالقتل والاعتداء على كل من ينزل إلى الشارع.
هذا وتعرض أعضاء المنتدى الاشتراكي إلى تهديدات بالضرب والقتل بعد أن تسربت البيانات وأسماءهم إلى الإعلام من بلدية بيروت. فسارع المنتدى إلى إصدار بيان استنكار وتوضيح محملا المسؤولية إلى كل من سرب أسماءهم وحور أهداف الاعتصام الذي ألغاه.
يذكر أن هذا الانقسام يعود بهذه الحدة للمرة الثانية، وذلك بعد مداهمات مشابهة للجيش اللبناني حصلت في عرسال أيضاً عام 2014. وظهرت وقتها صور تعذيب اللاجئين السوريين، وحرق خيامهم وتخريب ممتلكاتهم الخاصة. يومها أيضاً انقسمت مواقع التواصل الاجتماعي، وفقد الإعلام اللبناني أي موضوعية ممكنة، فظهر بعض المذيعين بملابس الجيش اللبناني لتقديم نشرات الأخبار.