حركة 20 فبراير المغربية في الربيع العربي..في ذكراها الرابعة

19 فبراير 2015

تظاهرة لـ20 فبراير مطالبة بالإصلاح (11مارس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

تحلّ غداً الذكرى الرابعة لميلاد حركة 20 فبراير المغربية، التي سمّت نفسها بتاريخ انطلاقتها. لم تكن هذه الحركة اختراعا مغربيا صرفا، بل أزهرت في فصل الربيع العربي، وبرزت في سياق تفاعل الشباب المغربي مع الدينامية النضالية للشعوب العربية، حيث خرج الشباب المغربي، في مثل هذا اليوم، ليؤكدوا أنهم لم يكونوا عازفين عن المشاركة السياسية جهلاً أو إهمالاً، لكنهم كانوا عازفين بسبب موقف واضح مما يجري من الانتخابات إلى تشكيل المؤسسات. ومنذ ولادة الحركة، عرف المغرب حراكاً سياسياً واجتماعياً، بقيادة شباب الحركة، وبمشاركة القوى السياسية والنقابية والحقوقية والنسائية والجمعوية والثقافية في الداخل والخارج ودعمها. ومنذ انطلاقتها حركة تنشد التغيير، من أجل دستور ديمقراطي، يضمن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان، اعتمدت حركة 20 فبراير أسلوب التظاهر والاحتجاج السلميين، وأبدعت أشكالاً حضارية، للتعبير عن مطالبها، والاحتجاج على غلاء المعيشة والفساد وظلم السياسات وتغيير الدستور، ما جعلها تحظى بالتفاف شعبي، تَجسّد في المشاركة الواسعة لعموم المواطنين في المسيرات التي دعت إليها، بحيث لم تستطع أي حركة سياسية منظمة منذ عقود، أن تحشد ما حشدته 20 فبراير من جماهير في نضالها ضد السلطة. ولم تتعود الأحزاب نفسها على الدعوة للتظاهر ضد فساد الدولة واستبدادها خارج منظومة القوانين، فقد أحدثت الحركة ثورة في أشكال الاتصال وأساليبه، ورسخت التحرر النسبي من إكراهات الرقابة، وأسهمت في توسيع فضاء الاحتجاج، وتشكل الرأي العام وخلخلة موازين القوى. وهي، بذلك، تعتبر إحدى الظواهر الأساسية في تاريخ المغرب الحالي. ولأن المغرب لا يمكن أن يشكل الاستثناء، فقد هبت فيه رياح التغيير لوجود قواسم مشتركة مع غيره، ساهمت في انبثاق حركة 20 فبراير التي خرجت من قمقم مارد الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، من خلال دعوات أطلقها الشباب المغربي التوّاق إلى غدٍ أفضل، للنزول إلى الشارع للمطالبة بالتغيير، الأمر الذي جعل الحركة تكذب بالحجة والدليل مسلمات تم ترويجها، سياسياً وإعلامياً، حول عزوف الشباب عن السياسة.


شعارات ومطالب
حرّك هذا الحراك السلمي، مشهدا سياسيا جامدا، واستقطب إلى العمل السياسي فئات واسعة من الشباب، ممن ليس لهم أي انتماء حزبي أو سياسي. كما استطاعت الحركة أن تجمع من حولها وداخلها قوى سياسية عديدة، على الرغم من تباين مرجعياتها، فقد أثبتت الحركة قدرة فائقة في تأطير الشارع، والحفاظ على سلمية الاحتجاجات، وتوسيع مجالها والمشاركين فيها، لتشمل 100 مدينة وقرية تقريباً، ونزول مئات آلاف المواطنين إلى الشوارع. ومنذ اندلاع احتجاجات حركة 20 فبراير، تَفَنّنَ المغاربة في إبداع هتافات وشعارات تعبر عن حركتهم، وكانت البداية مع الشعار الأبرز الذي يلخص مطالب الحركة: "الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد"، كما اختارت الحركة لغة المحكي اليومي، لتعبر عما تريده من مطالب، فكانت جموع المحتجين على موعد مع شعار "وعاك عاك باركا"، وهو شعار يشخص عدم القُدرة على التحمّل. واختصّ قسم من الشعارات في شكل مقولاتٍ، رددها المحتجون وظهرت على لافتاتهم، من قبيل " لا للفساد، لا للاستبداد، لا للظلم، لا للتزوير، لا للاعتقالات التعسفية.. ". وشيّد مئات الشباب المغربي مجموعات على "فيسبوك" تحمل شعار "الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد". ولعل المؤشرات الإيجابية للحركة لا يجب أن تحجب عنّا مخاطر تعرضت لها الحركة، أولها أن السلطة في المغرب خطّطت، ليلاً نهاراً، للتّخلص منها، ولم تدخر الصحافة المأجورة أي جهد لتشويه صورتها وسمعتها وروادها، وتقزيم أعداد المشاركين في مسيراتها. ولم تخف أحزاب عاجزة حقدها وكراهيتها للحركة وأهدافها. وعلى الرغم من أن الصورة العامة في بداية الحراك كانت تتسم بنوع من الهدوء المشوب بالحذر، من خلال مشاركة بعض شباب الحركة في برامج القناتين، الأولى والثانية، وتغطية مسيرات الحركة الرافعة شعارات إسقاط الفساد والاستبداد، إلى أن تقررت النزهة الشهيرة لمقر "الديستي". وهنا، نتذكر كيف انتهت مرحلة، وبدأت أخرى، ذلك أن وهم "الاستثناء المغربي" سرعان ما انكشف. وأمام الزخم النضالي المتنامي للحركة، لم تستطع السلطة الحفاظ على هدوئها، وما ادعته من استثناء مغربي، فاستخدمت كل الوسائل لإجهاض مسار ديمقراطي، حيث أخرجت السلطات سلاح المنع القانوني، ووزعت القرارات بشكل عشوائي إلى مناضلين عديدين، على الرغم من أنهم لم يتقدموا بأي طلب، وحرصت على اختراق الحركة وتضخيم الخلافات بين شبابها، والتحريك المفاجئ للخلايا النائمة وسطها، وشن حملة دعائية ضد شباب الحركة، وصلت إلى حد التخوين واستعمال خطابات عنصرية وتكفيرية.


عداء ضد الحركة

وللتذكير، بدأت الحملة الإعلامية والسياسية بتصريحات مسؤولين رسميين، تُحرف الحقائق وتبرر استعمال العنف وقمع التظاهر، وتعريض السلامة البدنية لمواطنين للخطر. ثم حين تبين للدولة أن الحركة ماضية في استقطاب تأييد الجماهير الواسعة، حاولت اختراقها واحتواءها. وحين ظهرت صعوبة ذلك، لجأت الدولة إلى زرع التفرقة وسطها، عبر الادعاء أن قوى "متطرفة" تسعى إلى الركوب على الحركة، لخدمة أجندتها الخاصة. والحقيقة أنه لم يكن في وسع أي كان القفز على شباب "20 فبراير"، لأن "الفودوكوميرس" كان باسم شباب "20 فبراير". وللتاريخ والذكرى، تحركت بعض وسائل الإعلام الـتي يتم تحريكها، بتوجيه ســـهام التشكيك لشعارات الحركة وأفكارها، بالتشهير بها واتهامها بالعمالة، وبتنفيذها أجندات أجهزة وقوى سرية داخلية، من قبيل اليسار "المتطرف" والإسلاميين "المتطرفين"، وفي بعض الأحيان لجهات خارجية مزعومة. ناهيك عن إغلاق الإعلام العمومي السمعي البصري في وجهها، وفتحه على معارضيها. لكن الأخطر ما تعرضت له الحركة من تهديد أفراد بلطجية، أطلوا علينا من خلال الشبكة العنكبوتية، يرغدون ويزبدون ويتوعدون مناضلي الحركة. وحاولت وسائل الإعلام العمومية الإيحاء بأن تشدد السلطات العامة في التعامل مع الحركة يعود، من جهة، إلى تجاوز الشعارات الخطوط الحمراء. ومن جهة أخرى، ادعت منابر إعلامية أن حملات القمع تدخل في نطاق التجاوب مع تظلمات التجار والسكان، غير أن الذين قُدِّموا رافعين تلك المطالب حملوا لافتات تحدد موقفًا سلبيًا من طبيعة الشعارات المرفوعة، ومن طبيعة الحركات السياسية المشاركة في المظاهرات. وبذلك انكشفوا أمام الرأي العام.

وحتى لا ننسى، عوض الاستجابة للمطالب العادلة لحركة 20 فبراير، لجأت السلطات، أحياناً، إلى استعمال العنف والتدخل بقوة لفض التظاهرات، وتصورت أن الربيع العربي انتهى، وحل محله الخريف، وأن الإصلاحات لا تحتاج مسيرات أو اعتراض. وأدى هذا المسلسل القمعي إلى مئات الجرحى والمعتقلين، وإلى سقوط المناضل، كمال عماري، شهيدا في آسفي، من دون القبض على قتلته حتى الآن. وغداة الإعلان عن مشروع الدستور، كان الموعد مع "الطبالة" و"الغياطة" و"الدقايقية" و"تجار الانتخابات"، واستحدثت، لهذه الغاية، جمعيات لا يعرفها أحد، كما أُخْرج رهط من "البلطجية" و"الشماكرية" من مدمني المخدرات و"القرقوبي"، وتُركوا يصولون للتصدي لحركة 20 فبراير، وتم تمتيعهم بالحصانة من المُلاحقة، بحيث لم يسمع قط أن أحدهم توبع، أو اعتقل، على الرغم من ممارساتهم الإجرامية في وضح النهار، وقد سُمح لمجموعات "البلطجية" أن تمارس وظيفتها بالاعتداء على شباب الحركة، ونعتهم بالخونة و"وكالين" رمضان والعملاء والعاهرات والمثليين، إذ لم يجدوا غضاضة في التباهي بعنترياتهم الإجرامية، في حق شباب الحركة في فيديوهات مصورة. وبعد مضي أربع سنوات على هذا الحراك، من حسنات حركة 20 فبراير في المغرب تحقيقها فرزاً في الساحة، فقد فضحت الفترة الزمنية للحراك الاحتجاجي من اصطفّ إلى جانب الشعب وقضاياه، ومن اصطف، في الجهة الأخرى، ذلك أن هؤلاء، اليوم، أصبحوا مكشوفين للعموم، كما أن فريقا منهم وضع إحدى قدميه في الضفة المعادية للتغيير، والقدم الثانية مع حركة 20 فبراير، ولما ترجحت فكرة التغيير، مال حيث تميل موازين القوى، ولما اندحرت الحركة تبرأ منها وكفر بدعوتها.


ليس فشلاً ولا تراجعاً

لم يكن انسحاب حركة 20 فبراير من الساحات اليوم، فشلاً ولا تراجعاً ولا موتاً إكلينيكياً كما يتوهم بعضهم، فتبعا للدينامية التي دشنتها الحركة في الشارع المغربي، فقد حققت، منذ أول خروج لها، تراكماً نوعياً وتنظيمياً وميدانياً وجماهيرياً وسياسياً، جعلت أصحاب القرار يصدرون إشارات إيجابية تجاه الحركة التي استطاعت، وفي ظرف وجيز، حشد آلاف المغاربة، وتوحيد النضال الشعبي في كل مدن وقرى المغرب، وجمعت حساسيات سياسية إسلامية ويسارية ومستقلة، من أجل الديمقراطية والعيش الكريم. وبالتالي، انتزعت مكتسبات أساسية من قبيل: إضافة 15.7 مليار درهم لصندوق المقاصة لدعم أثمان المواد الأساسية، وإيجاد ما يزيد على خمسة آلاف منصب شغل، ومراجعة الدستور، وإطلاق سراح عشرات المعتقلين السياسيين، والزيادة في أجور الموظفين المنتمين إلى القطاعين العام والخاص، ناهيك عن أنها استطاعت الحفاظ على سلمية الاحتجاج، على الرغم من محاولات السلطة جرها إلى التصادم، كما أبانت على قدرة في تحريك الشارع المغربي، على الرغم من تأخير مواعيد التعديلات والإصلاحات، والرهان على التآكل الذاتي والتناقضات الإيديولوجية بين مكونات الحركة، من أجل إحداث انشقاقات، لكن الحركة نجحت في تذويب هذه الخلافات، على الرغم من بعض الاستثناءات، كما أفلحت الحركة في إسقاط القدسية عن شخصيات ورموز وتابوهات، علاوة عن أنها حررت طبقات الشعب من الخوف، وجعلت من الاحتجاج والمطالبة بالحقوق سلوكاً يومياً عادياً.

بعد مرور أربع سنوات على حراك المنطقة العربية الذي لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات، لم تخرج المآلات التي انتهى إليها الحراك عن ثلاثة: بلدان استبقت الحراك بإصلاح امتد سنوات، وإن اختلفت وتيرته بين بلد وآخر، وبلدان انتهى فيها الحراك إلى صراع دموي عنيف وطائفي، وبلدان مكّنتها قدراتها المالية الضخمة من شراء السلم الاجتماعي وتأجيل الانفجار إلى حين. ويقع المغرب، في القائمة الأولى، فقد مرت نسخة الحراك فيه، من دون خسائر، لم تشتعل الحروب الطاحنة، لم يتشرذم البلد، ولم يحصل المحتجون على كل مطالبهم، لكنهم لم يخرجوا من الحراك دون نتائج.

ECDDE576-F3BD-47FE-B4CB-312E0FE68DD2
عبدالله النملي

كاتب وباحث مغربي في العلوم السياسية والإقتصادية وقضايا الهوية واللغة. نشر أبحاثاً ومقالات عديدة في الصحف والمواقع الإلكترونية المغربية والعربية