قبل ساعات معدودة من نظر المحكمة العليا الروسية في طلب وزارة العدل تصفية حركة "من أجل حقوق الإنسان"، اليوم الخميس، رأى مديرها التنفيذي ليف بونوماريف أنّ دوافع سياسية تقف وراء ملاحقة حركته بسبب دفاعه عن أشخاص معيّنين في قضايا بارزة، مؤكّداً عزمه على مواصلة نشاطه الحقوقي في البلاد سواء من خلال شخصية اعتبارية جديدة أو من دونها. وتواجه حركة "من أجل حقوق الإنسان" ضغوطاً متزايدة من قبل السلطات الروسية، إذ إنّ وزارة العدل اتّهمتها بانتهاك الميثاق المؤرّخ عام 2014، وفُرضت عليها غرامات في مرّات عدّة بذريعة "مخالفة القانون الخاص بالمنظمات الروسية التي تتلقى تمويلاً خارجياً. يُذكر أنّ بونوماريف نفسه تعرّض إلى السجن الإداري خمس مرّات حتى الآن، آخرها لمدّة 16 يوماً.
يقول بونوماريف لـ"العربي الجديد": "تولّيت في العام الماضي عدداً من قضايا حقوق الإنسان البارزة في روسيا، مثل قضية الشبكة التي تخللتها وقائع تعذيب اعترف بها حتى شهود الاتهام أنفسهم، فقرّر جهاز الأمن الفدرالي الانتقام منّي بعدما وجد نفسه في مأزق". وبحسب رواية جهاز الأمن الفدرالي الروسي، فإنّ 11 شاباً شاركوا في نشاط منظمة "الشبكة" التي كانت تخطط لتنفيذ "أعمال إرهابية وهدفها التمرّد المسلح". وفي حين كان هؤلاء الشبان يواجهون أحكاماً بالسجن لمدد تراوح ما بين خمسة أعوام وعشرة، رصد حقوقيون آثار تعذيب على أجسادهم، فيما أفادت شهادات بأنّه تمّ اللجوء إلى هذا الأسلوب للحصول على اعترافات منهم.
ومن بين القضايا الأخرى التي تولاها في الفترة الأخيرة، يذكر بونوماريف قضية "العظمة الجديدة" التي اتُّهم فيها نحو عشرة أشخاص بتأسيس "جماعة متطرّفة" بهدف "إسقاط النظام الدستوري في روسيا"، إلا أنّ مواد القضية أظهرت أنّ أحد زعمائها كان شخصاً انخرط في صفوفها لتزويد الشرطة بالمعلومات. وهو أسلوب يصفه بونوماريف بأنّه "تحريض من قبل جهاز الأمن الفدرالي، أي أنّه تعمّد توريط أفراد في نشاط ما ثمّ اتهامهم".
ومن القضايا ذات الأبعاد الدينية، تولّى بونوماريف الدفاع عن أتباع طائفة "شهود يهوه" المحظورة في روسيا منذ عام 2017، ومنظمة "حزب التحرير الإسلامي" المصنّفة "إرهابية" في روسيا على الرغم من عدم تخطيطها لأيّ هجمات أو توجيه أيّ دعوة إلى العنف. ويوضح بونوماريف: "بالنسبة إليّ فإنّ حزب التحرير ليس تنظيماً إرهابياً. صحيح أنّني لست من أنصار الخلافة العالمية، غير أنّني أرفض سجن أنصار حزب التحرير من الشباب لفترات تزيد عن 20 عاماً استناداً إلى كتيّبات فقط. فذلك يُعَدّ أحكاماً غير مناسبة وورماً سرطانياً في المنظومة القضائية الروسية. من جهة أخرى، يدهشني أنّ البلدان الإسلامية لا تدافع عن الحزب". ويؤكد أنّه "لا بدّ من فرض قيود على الأيديولوجيا الشمولية، إنّما ليس عن طريق سجن الشباب".
وحول توقعاته الخاصة حول قرار المحكمة بحقّ حركته "من أجل حقوق الإنسان"، يقول بونوماريف: "لدينا محامون، إلا أنّ الأمل في بقاء الحركة ضئيل. على الرغم من ذلك سوف نواصل نشاطنا بطريقة أو بأخرى سواء بشخصية اعتبارية جديدة أو بدون شخصية اعتبارية". يُذكر أنّ حركة "من أجل حقوق الإنسان" ليست المنظمة الحقوقية الوحيدة التي تتعرّض إلى التضييق من قبل السلطات الروسية حالياً، فقد قررت محكمة في موسكو حبس مدير "لجنة الحقوق المدنية" أندريه ماياكوف حتى 22 ديسمبر/ كانون الأول المقبل بتهمة "الاحتيال".
وفي السياق، يرى الصحافي في موقع "أو في دي إنفو" الحقوقي، ألكسندر ليتوي، أنّ "الموجة الحالية للتضييق على المنظمات الحقوقية كانت متوقّعة بعد احتجاجات حاشدة تخللت حملة انتخابات مجلس دوما (نواب) موسكو في الصيف الماضي". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "التضييق أمر سلبي لكنّه لم يشلّ عمل المنظمات الحقوقية. والسلطات تغضّ الطرف عن نشاط المنظمات الحقوقية حيناً فيما تلاحقها في أحيان أخرى، وهذه السياسة لا تخضع لمنطق واضح". تجدر الإشارة إلى أنّ انتخابات مجلس دوما موسكو التي أُجرِيت في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي بلا مرشّحين عن المعارضة "غير النظامية"، تخللتها احتجاجات واسعة ردّت عليها السلطات الروسية بالتضييق على المجتمع المدني إلى جانب محاكمات في حقّ المشاركين في الاحتجاجات، أسفرت عن إصدار أحكام فعلية بالسجن في حقّ عدد منهم بتهم "الاعتداء على أفراد الأمن".
تجدر الإشارة إلى أنّ لدى ليف بونوماريف البالغ من العمر 78 عاماً، سجلّ حافل من القضايا الحقوقية منذ الحقبة السوفييتية، فهو كان من بين المبادرين إلى إنشاء منظمة "ميموريال" لتخليد ذكرى ضحايا القمع السياسي. كذلك عُرف بمبادراته لوقف الحرب في جمهورية الشيشان مطلع الألفية الأخيرة، ومواقفه المطالبة باستقلال منظمات المجتمع المدني عن الكرملين.