حرب نفسيّة هدفها بثّ الرعب

05 فبراير 2015
"شاهدوا جيداً ما يمكننا فعله" (من التسجيل المصوّر)
+ الخط -


قبل يومَين، في الثالث من فبراير/ شباط الجاري، انتشر تسجيل مصوّر عالي الجودة يُظهر عمليّة إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً على أيدي عناصر من تنظيم "داعش". قيل إن الإعدام نُفّذ قبل شهر، لكن ذلك مجرّد تفصيل. ما استحوذ على المشاهدين هو لقطات الفيلم المتكلّف، التي أتت صادمة ومؤلمة.

كيف تُفسَّر عمليّة الإعدام هذه، وخصوصاً أنها ليست الوحيدة التي وثّقت إلكترونياً ونُشرت عالمياً عبر شبكة الإنترنت؟ سؤال يحاول الدكتور في علم النفس الاجتماعي نزار أبو جوده وهو أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانيّة، الإجابة عليه. فيقول: "علمياً، لست على دراية بنفسيّة هؤلاء الذين شاركوا في العمليّة. لكن سلّم القيم لدى أمثالهم يكون مختلاً، فيأتي العنف مبرراً بالنسبة إليهم. أما هدفهم فهو زرع الرعب في قلوب الناس. بالتالي، يمكن الحديث عن حرب نفسيّة تُشَنّ على مستوى عالٍ".

لكن هؤلاء ينفّذون الإعدام بحقّ مَن يستهدفهم عسكرياً وبحقّ مدنيّين أيضاً. وإعدام الرهينتَين اليابانيّتَين (صحافيان) أخيراً، خير دليل. فيشير أبو جوده هنا إلى أن أمثال هؤلاء "لا يفرّقون ما بين مدنيّ وعسكريّ. هم يتحرّكون عقائدياً. يرون في هؤلاء كفاراً. وكل كافر يجوز قتله. ثم يأتي العنصر الإعلامي. يمكن القتل من دون تصوير. لكن هؤلاء يريدون إيصال رسالة: شاهدوا جيداً ما يمكننا فعله". يضيف: "هم يستهدفون كل ما هو مختلف. هذه ثقافة عدم قبول الاختلاف. مَن لا يشبهننا، يجوز محوه من الوجود".

ويتحدّث عن تسجيل نُشر في منتصف الشهر الماضي، يظهر فيه "صبيّ صغير يعدم رجلَين. وفي هذا رسالة أيضاً: يمكنكم قتلنا، لكن أجيالاً ستأتي من بعدنا لتكمل ما بدأناه. وشاهدوا كم نحن أقوياء، إذا كان أطفالنا قادرين على فعل ذلك. هذا أيضاً يأتي في إطار الحرب النفسيّة".

وعن التفنّن في القتل، يوضح أبو جوده أن "في علم النفس الاجتماعي، يمكن الحديث عن عوامل تجعل هؤلاء يقتلون بتلك الطرق من دون أن يرفّ لهم جفن ومن دون تأنيب ضمير. منها، سيكولوجيّة الجماهير أو العدوى الفكريّة العقليّة، وفي هذه الحالة تسيطر الغريزة الحيوانيّة. ففي المجموعة الكبيرة، ثمّة هدف نبيل يبرّر القتل والتعذيب والحرق ويشرّعها، خصوصاً إذا كان القائد شخص يتحدّث باسم المقدّس. وتأتي الهيكليّة لتُضاف إلى سيكولوجيّة الجماهير".

ولعلّ اختبار ستانلي ملغرام الشهير في علم النفس الاجتماعي حول مدى الانصياع للسلطة، خير دليل. فهو بحسب ما يشرح أبو جوده، "بيّن بعد الحرب العالمية الثانية أن 65% من الناس ـ الأخلاقيّين إلى أقصى الدرجات ـ قد يذهبون إلى القتل. والحجة: أنا أتبع الأوامر. هذا هو وضع من يكون في هيكليّة معيّنة ويتلقى الأوامر من قائده". يضيف: "هو فاعل غير مسؤول عن تصرفاته. المسؤوليّة يتحملها الآخر. فيقول: أنا مأمور".

إلى ذلك، يرى أنهم "يلعبون على الرمزيّة". وفي حالة الكساسبة، الذي شارك في هجمات قوات التحالف الدولي ضدّ التنظيم، "تحرقوننا بصواريخكم؟ نحن نحرقكم بطريقتنا. وما التصوير المسرحي إلا وسيلة لبلوغ الرأي العام والدول والمجتمعات كافة".

ويلفت أبو جوده إلى أن "ذاكرة الإنسان ضعيفة. القتل ذبحاً ارتكب في كل الحضارات تاريخياً. حتى أن الرجم وقطع الأعضاء مثلاً ما زالا يُعتمدان في بعض الدول للقصاص. بالتالي، الأمر ليس غريباً، من دون أن نقول بجوازه".

ويتحدّث عن "تنشئة اجتماعيّة على الذبح والحرق بالنار، وكذلك عن لعبة إعلاميّة خطرة. فما من حرب من دون قتلى، لكن الموضوع هنا هو التفنّن في نقل القتل".

بالنسبة إليه، ما يفعله هؤلاء "قد يكون فعلاً وقد يكون ردّ فعل. من ينفّذ الذبح أو الحرق أو التعذيب هو ربما شخص ذُبحت عائلته أو أحرق منزله. ويبقى أنهم يرتكبون الجرائم. هذه حقيقة. لكن ثمّة حقيقة أخرى تقول بوجود مجرمين آخرين".

الظرف يوحّدهم

أكثر الناس تمدّناً قد يعودون "في ظروف معيّنة بدائيّين متوحشين وأشراراً، بغضّ النظر عن ثقافاتهم. فهذا أمر عالمي"، بحسب ما يؤكد أبو جوده. يضيف: "في مثل هكذا تنظيمات عناصر من مختلف البلدان والبيئات، لكن التوجّه والفكر الواحد أو بالأحرى الظرف، يوحّدهم. كذلك يفعل الجهل والحقد والفقر".