مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في الكويت (26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري)، ما زالت حرب الشائعات في وسائل التواصل الاجتماعي على أشدها بين المرشحين وداعميهم، بالإضافة إلى القواعد الانتخابية.
تتنوع طرق الحروب الإعلامية بين المرشحين في ذات الدوائر الانتخابية لمجلس الأمة الكويتي، بين إبراز المواقف القديمة للمرشح في المجالس النيابية السابقة، وعرضها عبر مقاطع فيديو مركبة وممنتجة بطريقة تُظهر أخطاء المرشح ومواقفه غير الشعبية، وبين إطلاق الشائعات والأخبار حول الحالة المالية للمرشح قبل وبعد دخوله غمار الحياة السياسية، لوصمة بالفساد وأنه مدعوم في الانتخابات من السلطة.
لكنّ أحدث الطرق المبتكرة في هذه الانتخابات، هي إطلاق الشائعات حول فرص المرشح المنافس في الفوز من عدمه، حيث تقوم شركات وهمية بتزوير استفتاءات لصالح مرشح ضد آخر، ومحاولة تعزيز فرص المرشح الأول، مقابل تقليل فرص المرشح المنافس. ثم تقوم أرقام مجهولة المصدر، بنشر نتائج الاستطلاع وإرسالها عبر تطبيق "واتساب" للأرقام العائدة لناخبي الدائرة المعنية، وتكون هذه الأرقام مرصودة منذ مدة طويلة، ويتم تجميعها بالحيلة وبالطرق غير القانونية.
كما يقوم مرشحون بالدفع لمجموعة من شركات الإعلام والإنترنت، والتي تقوم بدورها بإنشاء العشرات من الحسابات الوهمية لنشر الشائعات ضد المنافسين. كما تقوم هذه الحسابات الوهمية أيضاً بالترويج للمرشح، ونشر التصريحات الكاملة لندواته ومهرجاناته الانتخابية. كما انتشرت الحسابات الإخبارية الوهمية التي لا يُعرف لها مدير أو مسؤول، والتي تقوم بشراء آلاف المتابعين، ومن ثم الترويج لمجموعة معينة من المرشحين عبر إعلانات تويتر المدفوعة.
ويقول المهتم بشبكات التواصل الاجتماعي، محمد العجمي، لـ "العربي الجديد"، إن "الاستراتيجية الجديدة التي نفذها مجموعة من الإعلاميين المتكسّبين هي إنشاؤهم حسابات جديدة تحت مسمى "خدمة إخبارية"، وبعضها ينتحل أسماء صحف أغلقتها الحكومة في أوقات سابقة بسبب توجهاتها المعارضة. ويقوم أصحاب هذه الحسابات بشراء المتابعين الوهميين بكمية كبيرة، ثم يقومون بالاشتراك في خدمة الترويج التابعة لتويتر للتسويق للمرشحين الذين يدفعون بشكل مبالغ فيه لهذه الخدمات".
ويضيف: "توفر بعض الشركات أيضاً فرصة إرسال رسائل يومية لأبناء الدائرة المستهدفة، تحوي استطلاعات مزورة حول حظوظ المرشح (الذي يدفع بشكل أكبر) مقابل تقليل حظوظ الآخرين، في تكتيك انتخابي الهدف منه تثبيط مؤيدي المرشحين الآخرين عن التصويت. أعرف شركة قامت بتغيير مخرجات استطلاعاتها، في غضون ثلاثة أيام، وطرحت أسماء ثلاثة مرشحين مختلفين، لابتزازهم للدفع، حيث إن تجارة الشائعات أصبحت رائجة الآن، وأصحاب الخدمات الإعلامية وشركات الإعلان يستغلون بجشع السعار الانتخابي للمرشحين الذين يتنافسون بأموال غيرهم، والجميع مستفيد في هذه الحالة".
ويشير العجمي إلى أنّ "غالب هذه الخدمات يتم إنشاؤها عبر وكلاء من خارج الكويت وبأرقام وبأجهزة غير كويتية، تفادياً للمشاكل القانونية من ناحية الإعلام الإلكتروني وقوانين الانتخاب، لكن أصحابها معروفون جداً في الوسط الإعلامي".
من جهته، يقول المحامي والخبير القانوني عمر الروقي، لـ "العربي الجديد"، إن "قانون الإعلام الإلكتروني الذي صدر في الفترة الأخيرة يمنع منعاً باتاً أية خدمة إخبارية من العمل على مواقع التواصل، وأبرزها تويتر وانستاغرام، إلا بعد الحصول على رخصة خاصة من وزارة الإعلام. لكنّ الوزارة نفسها لن تستطيع القيام بأي إجراءات قانونية في حق الأشخاص الذين يقومون بإنشاء هذه الخدمات من لندن أو باريس وبهويات أخرى، وعبر استخدام وسطاء غير كويتيين".
ويضيف الروقي: "هذه الخدمات تنتهك قانونين صريحين؛ الأول هو قانون الإعلام الإلكتروني، والثاني هو قانون الانتخابات، حيث إن أي شخص يقوم بنشر شائعات خلو الذمة المالية أو الاقتصادية للمرشح أو يقصد الطعن به لتقليل فرص حضوره وفوزه في الانتخابات، فإنه يعاقب وفق القانون الكويتي، لكن الحكومة متساهلة فيما يبدو في هذه المسألة، كونها لا تريد التورط في مسألة الانتخابات الشائكة جداً، خصوصاً هذه السنة".
وكان أحد نواب البرلمان المنحل قد هاجم أحد الإعلاميين الذي يدير خدمة إخبارية شهيرة في الكويت واتهمه بالقيام بحملات ابتزاز ونشر شائعات عبر خدمته الإخبارية والهدف منها النيل من سمعته والحطّ منها وأخذ الأموال والابتزاز العلني.
وتناقلت الأوساط الإعلامية في الكويت نبأ أحد المغردين بتقديم عرض لبعض المرشحين يتضمن الإعلان له في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، والهجوم على المرشح المنافس له، والقيام بنشر حملات إعلامية مضادة له، والطعن في ذمته المالية ومواقفه السياسية مقابل 30 ألف دينار كويتي (100 ألف دولار).
ويؤكد (م.م)، وهو مدير حملة انتخابية لأحد مرشحي الدائرة الرابعة هذه الحادثة، ويقول لـ "العربي الجديد": "اتصلنا على هذا المغرد لنقوم بوضع إعلان معين في صفحته على تويتر، لكنه فاجأنا بالعرض بالآخر والذي لا يمكن وصفه سوى الخسيس والجبان".
ويضيف: "فوجئت أكثر حينما علمت من فحوى كلام هذا المغرد أن هناك أشخاصاً آخرين مستعدين للدفع وبشدة ولديهم القابلية للدفع له وللعشرات من المغردين غيره مقابل نشر الشائعات ضد المرشحين المنافسين، وهو أمر يستوجب تدخل هيئة الانتخابات ووزارة الداخلية، كون هذا الأمر يعد ابتزازاً علنياً وفاضحاً. وليس الأمر هكذا فقط، إذ يتصل مندوبون يومياً بهاتف اللجنة الإعلامية لدينا ويخبروننا بإمكان إنشاء إحصائيات مزورة لصالح مرشحنا ونشرها في الواتساب لصالح أرقام تنتمي لنفس قاعدة المرشح الانتخابية ولنفس قبيلته وفئته مقابل مبالغ معينة من المال".
وتكتسب انتخابات مجلس الأمة الكويتي الحالي أهمية مضاعفة، باعتبارها تأتي بعد إنهاء المعارضة الكويتية مقاطعة الانتخابات البرلمانية، والتي جاءت لعدة أسباب، من ضمنها حل البرلمان بشكل متكرر، لأسباب سياسية بعد سيطرة المعارضة أو "كتلة الأغلبية" على مجلس الأمة، وكذلك إقرار الحكومة الكويتية قانون "الصوت الواحد" والذي يسهل شراء الأصوات، بحسب المعارضة.
لكن تجربة المعارضة في المقاطعة لم تكن ناجحة، بحسب قيادات الجمعيات السياسية المختلفة، والتي أعلنت كلها ما عدا كتلة العمل الشعبي (حشد) إنهاء المقاطعة والمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة الأسبوع المقبل.