حرب ترامب و"أف بي آي": خاسرة سلفاً للرئيس

03 فبراير 2018
لم يتراجع ترامب عن ضغوطه على مكتب التحقيقات (Getty)
+ الخط -

يقود الرئيس الأميركي دونالد ترامب معركة التشكيك بمصداقية مكتب التحقيق الفدرالي "أف بي آي"، تمهيداً لإثبات براءته في ملف التحقيق بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016. هي معركة مفتوحة على كل الاحتمالات، وقد لا تنتهي في المدى المنظور، في وقت تعيش أميركا أزمة دستورية تُنذر بـ"مجزرة ليلة السبت" الشهيرة عام 1973، عندما أطاح ريتشارد نيكسون بقيادات وزارة العدل قبل أن يغادر منصبه مستقيلاً، على وقع فضائح "ووترغيت".


وحتى قبل استلامه السلطة رسمياً، بدأ شبح التحقيق الروسي يحوم حول الرئيس الجديد وفريقه، ولم يتراجع ترامب منذ ذلك الوقت عن ضغوطه على هذه المؤسسة التي يُعرف عنها استقلاليتها عن البيت الأبيض. هاجم ترامب حتى الآن، حليفه، وزير العدل جيف سيشنز، بسبب عزل الأخير نفسه عن التحقيق الروسي، ونائب وزير العدل روب روزنشتاين، بسبب تعيينه روبرت مولر محققاً خاصاً، كما طرد المدير السابق لـ"أف بي أي" جايمس كومي، من منصبه، وضغط على نائبه أندرو مكابي الذي استقال هذا الأسبوع. ما أراده ترامب هو الولاء أو ما وصفه كومي بـ"المحسوبية" في شهادته، أمام الكونغرس العام الماضي.

ورفض مكتب التحقيق الفدرالي الخضوع، وردّ على ترامب بتسريبات مبرمجة إلى الإعلام، طاولت تباعاً كل المشتبه بهم في التحقيق. كذلك، نفى المكتب علناً كل روايات ترامب عن تنصت سلفه باراك أوباما عليه خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فضلاً عن رفضه أكثر من مرة، طلب الرئيس وقف التحقيق مع مستشاره للأمن القومي المستقيل مايكل فلين، بل على العكس، حوّل "أف بي أي" فلين من مشتبه به إلى متعاون في التحقيق.

واتهم ترامب، أمس الجمعة، مسؤولي "أف بي آي" ووزارة العدل بـ"تسييس" التحقيقات لصالح خصومه الديمقراطيين. وقال في تغريدة على حسابه على موقع "تويتر" إن "كبار مسؤولي ومحققي أف بي آي ووزارة العدل، قاموا بتسييس عملية التحقيق المنزهة، لصالح الديمقراطيين وضد الجمهوريين"، بدون توضيحات إضافية. وتابع ترامب "هو أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل فترة قصيرة"، مشيداً من جهة أخرى بعمل عملاء "رائعين" عارضوا المسؤولين عنهم.

وكلّما ازداد خناق التحقيق على البيت الأبيض، ارتفع منسوب التوتر عند ترامب، الذي يحاول جاهداً معرفة أوراق مولر المستورة، بعدما أبدى الأخير اهتمامه أخيراً بلقاء الرئيس. لكن الجولة الأخيرة التي يخوضها ترامب في معركته هذه هي الأشرس، لأنها تسعى إلى تشويه سمعة "أف بي آي"، وتضع الحزب الجمهوري في مواجهة مؤسسة استخباراتية عريقة. فالرئيس يتجه إلى نشر مذكرة رئيس لجنة الاستخبارات، النائب الجمهوري ديفين نونيز، التي تربط بين تنصّت "أف بي آي" على أحد مساعدي ترامب (كارتر بايج)، وعمل العميل الاستخباراتي البريطاني الأسبق، كريستوفر ستيل، الذي كان وراء ما يسمى "ملف ستيل" الشهير عن فضائح ترامب ونفوذ موسكو عليه. وتعتبر "مذكرة نونيز"، التي تقع في أربع صفحات، أن فريق حملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، الذي موّل "ملف ستيل" خلال الحملة الرئاسية، تواطأ مع وزارة العدل. والهدف الرئيسي هنا إثبات أنّ هناك تحيّزاً من مكتب التحقيق الفدرالي ضدّ ترامب، وتشويه سمعة روزنشتاين الذي يشرف على عمل "أف بي آي"، والأهم من ذلك التشكيك بنواياه وراء تعيين مولر كمحقّق خاص.


وصوّتت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب بأكثريتها الجمهورية على نشر المذكرة يوم الإثنين الماضي. وللمرة الأولى، خرج مكتب التحقيقات الفدرالي عن صمته في مسائل إدارية، وحذر في بيان غير مسبوق من نشر هذه المذكرة السرية، وقد وصلت رسائل إلى البيت الأبيض بأن مدير مكتب التحقيق المعيّن أخيراً، كريستوفر راي، قد يستقيل في حال نشرها. وهناك قلق في وزارة العدل من أن يستغل ترامب مذكرة ليست مبنية على حقائق وأدلة بهدف تصفية الحساب وإقالة كبار المسؤولين، من بينهم روزنشتاين أو حتى مولر.

ودعا رئيس مجلس النواب، بول ريان، لنشر المذكرة، لأنها تساعد على "تطهير" مكتب التحقيق، بحسب قوله. والخشية هنا من أن تكون واشنطن على أبواب "مجزرة ليلة السبت" الشهيرة حين أقال نيسكون وزير العدل ونائبه، وبالتالي سمح للرجل الثالث في الوزارة، روبرت بورك، بإقصاء المحقق الخاص في فضيحة "ووترغيت".


ولم تتوقّف محاولات منع نشر المذكرة في الكونغرس. فقد اتهم النائب أدام شيف، أعلى ديمقراطي رتبة في لجنة الاستخبارات، زميله نونيز، بأنه أرسل إلى البيت الأبيض نسخة مغايرة عن المذكرة التي تم الاتفاق عليها في اجتماع اللجنة، وطالب بإعادة التصويت على القرار. كما أنّ هناك أصواتاً في مجلس الشيوخ، تريد تصويتاً للموافقة على قرار النشر الذي اقتصر حتى الآن على مجلس النواب. والخطورة في نشر المذكرة هي تسييس العمل الاستخباراتي الأميركي، أي سيكون هناك على الأرجح شكّ شعبي، لا سيما لدى قاعدة ترامب، تجاه عملاء مكتب التحقيق الفدرالي الميدانيين الذين لديهم احتكاك يومي مع المواطنين الأميركيين.

وطلب مولر هذا الأسبوع من المحكمة تأجيل صدور الحكم بحق مايكل فلين، حتى الربيع المقبل، ما يعني أن الأخير يستمر في التعاون وأن هناك خيوطا للمتابعة. في حين تعطي كل تصرفات ترامب مؤشرات على أنه يخشى أن يصل مولر إلى مرحلة يتهم فيها الرئيس بعرقلة العدالة وسير التحقيق.

وفي استطلاع لجامعة "مونموث" أخيراً، رأى 71 في المائة من الأميركيين أنّ على ترامب التحدّث مع مولر تحت القسم، من بينهم 51 في المائة من الجمهوريين. فخوض معركة مفتوحة مع "أف بي آي" خاسرة لأي رئيس أميركي، لا سيما إذا كان هو المعني شخصياً في تحقيق تقوده وزارة العدل. ومغامرة ترامب سيكون لها تداعيات في المرحلة المقبلة على أبواب المواجهة الكبرى عندما تبدأ ملامح تحقيق مولر بالظهور في الربيع المقبل.



المساهمون