حرب الهويات العالمية

11 فبراير 2016
عالمك الذي في عقلك أوسع من كل العالم الأرضي(Getty)
+ الخط -
في واقع عربي غير آمن بتنا كلنا مشغولين بالسعي حتى بدون أزمات أو حروب في أن نطور هوياتنا سواء بالانتماء أكثر للوطن واظهار تلك الوطنية بشكل مبالغ فيه أو بالبحث عن أي أمة ناجحة ننتمي لها.. هويتنا القديمة التي عاش بها آباؤنا لم تعد كافية أو بالأحرى آمنة.


لا يحيا الذين ولدوا في قلب "الحضارات المسيطرة" والذين ولدوا خارجها بنفس الطريقة، فالأوائل سيتقدمون في الحياة دون أن يكفوا عن أن "يكونوا أنفسهم".. أي أن تطورهم سيشعرهم بالتناغم أكثر مع ثقافتهم، أما أبناء الثقافات التابعة أو المنهزمة فأي تطور سيكون مع ضريبة التخلي عن جزء من ذاتهم.. وما زلنا نتخلى ولا نصل.

وقبل أن نحكم على أنفسنا بأن نكون تابعين أو منتمين بحكم الولادة لأمة منهزمة فهناك فرق يجب أن نستوعبه أولاً بين أن "تشبه" ثقافة ما.. أو أن تكون تابعاً لها فالتشابه في التحضر إنسانية.. والتبعية في كل شيء... عبودية.

قال أحد المؤرخين "الرجال أبناء عصرهم أكثر من كونهم أبناء آبائهم" ومن منا لم يحس أن سرعة الحياة مؤخراً وتراكم المعلومات في مسيرة البشرية تقوده إلى أن آخر سنتين من حياته هي تزن عشرين سنة ماضية، وهذا بالفعل يقربنا من أبناء عصرنا أقرب مما نحن من أجدادنا، فالمشترك بينك وبين شاب بنفس عمرك من نيويورك أو القاهرة أو القدس مثلاً أكبر مما هو مشترك بينك وبين جدك الأكبر.. ونتكلم هنا عن المفاهيم وعادات التفكير لا المظهر وطريقة العيش.

اعلم أن "عالمك" الذي في عقلك أوسع من كل العالم الأرضي.. صورتك.. اسمك.. وتاريخ ميلادك مدموغاً بختم ثم توقيع على بطاقة الهوية ليس هو من سيثبت أن لا نسخة أخرى منك، فالخالق فعلها وميزك بكل بصماتك ولا مثيل لك بأمره قبل أمر الحكومة ونظرتنا للآخر هي التي تحبس الناس في انتماءاتهم ونظرتنا أيضاً هي القادرة على تحريرهم.

حربنا القادمة كعالم اقترب جدا من الحضارة يوماً ستكون "حرب الهويات العالمية" حربا ليست فقط للمليشيات الطائفية كما في سورية والعراق بل واضح أيضا أنه ستشارك بها بشكل مباشر تلك الدول التي تضع في معصم لاجئ من حرب شريطاً أحمر في معصمه أو تدهن باب منزل لنازحين بلون يميزهم تلك الأطراف التي ترى شعوبا تسكن الجحيم وتنفخ في ناره ثم تستغرب لماذا تركب تلك الشعوب البحر هاربة إليهم.

أما أولئك الذين لم يجدوا لهم في الحاضر مكاناً لبناء هويتهم يهربون إلى المثالية الكاذبة يفتشون عنها في التاريخ مرة وفي الغيبيات مرات وفي التعصب أكثر من مرة.

أملنا أن تلتفت البشرية لترسم هوية للإنسان الحديث بعيدة كل البعد عن لونه أو عرقه أو طائفته دعونا لا نكرر أخطاء الماضي وحروبه ولهذا أرى ضرورة أن يجتمع قادة العالم مرة أخرى وإن فشلوا.. أن يجتمع عنهم رواد الشعوب لنعيد تعريف الهوية البشرية بعيداً عن الواقع لنحمي المستضعفين مستقبلا من وحش الهوية القاتل قبل أن يستعصي على الترويض.

هويتك هي (أنت + كل البلاد التي عشت فيها أو مررت بها يوماً + ما قرأت وأبصرت وسمعت).. إذن هويتك هي أن تكون حراً لتحيا كل الثقافات معاً.. وتخرج بهوية واحدة متجددة تبنيها بنفسك ولا ترثها.

لا تخجل أبداً من هويتك مهما كانت مركبة أو معقدة بل إن قوتك في أن تتمسك بها وتثريها.. فالتركيب غنى وثراء لا شتات وضياع، أفريقياً كنت.. أم عربيا.. آسيويا.. بدويا.. أوروبيا.. هنديا.. مهما كنت وكان عرقك يا صديقي طالما أنت تتنفس.. فهويتك ما زالت قيد التأليف!

(فلسطين)
دلالات
المساهمون