في خطوط وجوههم وتجاعيد أيديهم وانحناءات ظهورهم آثار زمن شهد العديد من الحروب والمعارك. لكنّها حرب مختلفة كما يقولون، تكاد تكون مقدمة ليوم القيامة. يحاولون اليوم ما أمكنهم الصمود، وإن كانت حياتهم بالذات آخر همهم، فالقلب على الأبناء والأحفاد والوطن المدمر.
يحمل الحاج عبد الولي غلاب (69 عاماً) جهاز الراديو، ويمضي معظم ساعات الليل يتنقل بين الإذاعات الإخبارية المحلية والدولية. يتابع أخبار الحرب والسياسة في اليمن، ويحرص في صبيحة اليوم التالي على أن يوافي أصدقاءه وجيرانه في الحي بآخر المستجدات، وهم الذين تفوتهم كثير من التفاصيل اليومية بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
تقاعد غلاب من وظيفته الحكومية قبل سنوات، ليجد نفسه أمام ساعات طويلة من الفراغ التي يحاول أن يقضيها من خلال اشتغاله ببعض الأعمال البسيطة والمختلفة. وتبقى متابعة أخبار الحرب النشاط الأبرز لديه، خصوصاً أنّ أحد أبنائه في صفوف القوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
يخاف غلاب على وطنه وولده من حرب يصفها بالأولى من نوعها منذ عقود طويلة. ويقول: "لم يسبق لي معايشة حرب طويلة وأوضاع صعبة كهذه". يتحسر على بلده وهو يشاهد الدمار والموت منتشراً في أكثر من محافظة. وبالرغم من نصيحة الأطباء له بعدم متابعة الأخبار كونه يعاني من ضغط الدم، لكنه يعتبر ذلك أولوية يومية. يقول لـ"العربي الجديد": "أنتظر يومياً إذاعة المحطات نبأ توقف الحرب كي تنتهي مآسي الناس ويعود ولدي إلى زوجته وأطفاله". ويلفت إلى أنّ أول سؤال يوجهه له أصدقاؤه المسنون في الحي صباح كل يوم هو: "هل أوقفوا الحرب؟ هل هناك هدنة؟".
في السياق نفسه، تخشى فاطمة عبد السلام (73 عاماً) استمرار الحرب، فتموت بحسرة على وطنها وخوف على أفراد أسرتها الذين تحاول إقناعهم بمغادرة البلاد بهدف العمل وضمان مستقبل أفضل لأولادهم.
توقفت عبد السلام عن متابعة الأخبار. لكنّها منذ أشهر لا تستطيع الخروج من المنزل في تعز (وسط) التي تعيش الحرب، خوفاً من إصابتها بأذى. تضيف: "أعجز عن زيارة بعض صديقات العمر بسبب المواجهات المسلحة. أريد أن أعرف أخبارهن التي انقطعت، وألتقي بهن قبل أن يفرقنا الموت".
تصف عبد السلام ساعات الخوف التي تقضيها في معظم الليالي بـ"الأسوأ في حياتها على الاطلاق". وتبيّن أنها شهدت حروباً بين القبائل أو في المناطق الحدودية، لكنها لم تكن بهذه الضراوة: "عندما أستمع إلى أصوات الدبابات والصواريخ والطائرات، أقول في نفسي إنّنا نعيش اللحظات الأولى من يوم القيامة، فالحروب التي شهدناها في السابق كانت مجرد لعب أمام هذه".
تستنكر الجدة بعض الممارسات ضد المرأة اليمنية التي ظهرت في الحرب الأخيرة، وتصفها بـ "الدخيلة على المجتمع اليمني". تقول: "كان للمرأة احترامها الخاص ومكانتها العالية في أماكن النزاع، فلا يتم المساس بها أو الإساءة إليها. لكن المتحاربين اليوم قتلوا الكثير من النساء بالقصف والقنص". كما أخبرتها حفيداتها أنّ النقاط المسلحة حول المدينة تطلب تفتيشهن وتفتيش حاجياتهن.
ملامح الحزن تبدو واضحة على وجه غالب الجعدبي (70 عاماً) وهو يقول لـ"العربي الجديد": "ليتني متّ قبل أن أشهد هذه الأيام". يبدي انزعاجه الشديد من "القصف الجوي الذي يدمر المستشفيات والطرقات والجسور. وكلّ ذلك ملك أبنائنا. وقد بذلنا من أموالنا ووقتنا الكثير كي نؤمنه لهم".
ينصح الجعدبي شباب اليمن بترك الخلافات السياسية كي لا تتأثر بسببها العلاقات الأسرية وتواصل الجيران والأصدقاء والأحباب. ويشير إلى أنّ "الحرب ستنتهي كما انتهت الحروب السابقة لكن لا يجب أن تستمر الأحقاد التي نشأت بين الأخوة والجيران".
أوضاع نفسية صعبة
تقول المتخصصة الاجتماعية هند ناصر لـ"العربي الجديد" إنّ فئة المسنين في اليمن هي من أكثر الفئات تضرراً من الحرب التي تترك أثراً نفسياً عميقاً فيهم. وهو أثر يصعب استشعاره كون معظمهم يفضل الصمت حيال ما يشاهده من قتل ودمار وترويع للمدنيين. وتنصح ناصر الأبناء والأحفاد بالبقاء فترات أطول مع كبار السن للحديث معهم ومحاولة إخراجهم من أوضاعهم النفسية الصعبة.
اقرأ أيضاً: الحرب تقسو على مرضى سرطان الدم في اليمن
يحمل الحاج عبد الولي غلاب (69 عاماً) جهاز الراديو، ويمضي معظم ساعات الليل يتنقل بين الإذاعات الإخبارية المحلية والدولية. يتابع أخبار الحرب والسياسة في اليمن، ويحرص في صبيحة اليوم التالي على أن يوافي أصدقاءه وجيرانه في الحي بآخر المستجدات، وهم الذين تفوتهم كثير من التفاصيل اليومية بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
تقاعد غلاب من وظيفته الحكومية قبل سنوات، ليجد نفسه أمام ساعات طويلة من الفراغ التي يحاول أن يقضيها من خلال اشتغاله ببعض الأعمال البسيطة والمختلفة. وتبقى متابعة أخبار الحرب النشاط الأبرز لديه، خصوصاً أنّ أحد أبنائه في صفوف القوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
يخاف غلاب على وطنه وولده من حرب يصفها بالأولى من نوعها منذ عقود طويلة. ويقول: "لم يسبق لي معايشة حرب طويلة وأوضاع صعبة كهذه". يتحسر على بلده وهو يشاهد الدمار والموت منتشراً في أكثر من محافظة. وبالرغم من نصيحة الأطباء له بعدم متابعة الأخبار كونه يعاني من ضغط الدم، لكنه يعتبر ذلك أولوية يومية. يقول لـ"العربي الجديد": "أنتظر يومياً إذاعة المحطات نبأ توقف الحرب كي تنتهي مآسي الناس ويعود ولدي إلى زوجته وأطفاله". ويلفت إلى أنّ أول سؤال يوجهه له أصدقاؤه المسنون في الحي صباح كل يوم هو: "هل أوقفوا الحرب؟ هل هناك هدنة؟".
في السياق نفسه، تخشى فاطمة عبد السلام (73 عاماً) استمرار الحرب، فتموت بحسرة على وطنها وخوف على أفراد أسرتها الذين تحاول إقناعهم بمغادرة البلاد بهدف العمل وضمان مستقبل أفضل لأولادهم.
توقفت عبد السلام عن متابعة الأخبار. لكنّها منذ أشهر لا تستطيع الخروج من المنزل في تعز (وسط) التي تعيش الحرب، خوفاً من إصابتها بأذى. تضيف: "أعجز عن زيارة بعض صديقات العمر بسبب المواجهات المسلحة. أريد أن أعرف أخبارهن التي انقطعت، وألتقي بهن قبل أن يفرقنا الموت".
تصف عبد السلام ساعات الخوف التي تقضيها في معظم الليالي بـ"الأسوأ في حياتها على الاطلاق". وتبيّن أنها شهدت حروباً بين القبائل أو في المناطق الحدودية، لكنها لم تكن بهذه الضراوة: "عندما أستمع إلى أصوات الدبابات والصواريخ والطائرات، أقول في نفسي إنّنا نعيش اللحظات الأولى من يوم القيامة، فالحروب التي شهدناها في السابق كانت مجرد لعب أمام هذه".
تستنكر الجدة بعض الممارسات ضد المرأة اليمنية التي ظهرت في الحرب الأخيرة، وتصفها بـ "الدخيلة على المجتمع اليمني". تقول: "كان للمرأة احترامها الخاص ومكانتها العالية في أماكن النزاع، فلا يتم المساس بها أو الإساءة إليها. لكن المتحاربين اليوم قتلوا الكثير من النساء بالقصف والقنص". كما أخبرتها حفيداتها أنّ النقاط المسلحة حول المدينة تطلب تفتيشهن وتفتيش حاجياتهن.
ملامح الحزن تبدو واضحة على وجه غالب الجعدبي (70 عاماً) وهو يقول لـ"العربي الجديد": "ليتني متّ قبل أن أشهد هذه الأيام". يبدي انزعاجه الشديد من "القصف الجوي الذي يدمر المستشفيات والطرقات والجسور. وكلّ ذلك ملك أبنائنا. وقد بذلنا من أموالنا ووقتنا الكثير كي نؤمنه لهم".
ينصح الجعدبي شباب اليمن بترك الخلافات السياسية كي لا تتأثر بسببها العلاقات الأسرية وتواصل الجيران والأصدقاء والأحباب. ويشير إلى أنّ "الحرب ستنتهي كما انتهت الحروب السابقة لكن لا يجب أن تستمر الأحقاد التي نشأت بين الأخوة والجيران".
أوضاع نفسية صعبة
تقول المتخصصة الاجتماعية هند ناصر لـ"العربي الجديد" إنّ فئة المسنين في اليمن هي من أكثر الفئات تضرراً من الحرب التي تترك أثراً نفسياً عميقاً فيهم. وهو أثر يصعب استشعاره كون معظمهم يفضل الصمت حيال ما يشاهده من قتل ودمار وترويع للمدنيين. وتنصح ناصر الأبناء والأحفاد بالبقاء فترات أطول مع كبار السن للحديث معهم ومحاولة إخراجهم من أوضاعهم النفسية الصعبة.
اقرأ أيضاً: الحرب تقسو على مرضى سرطان الدم في اليمن