حرب الدواعش على صوفية سيناء... القصة الكاملة لصراع التكفيريين والجريرية

30 نوفمبر 2017
تفجيرات إرهابية ارتكبها تنظيم التوحيد والجهاد في سيناء(فرانس برس)
+ الخط -
يحدد القيادي السلفي حسين أبو نصيرة نهاية سنوات التسعينيات باعتبارها "البداية الحقيقية" لدخول الأفكار المتشددة إلى سيناء، مشدداً على التمييز بينها وبين الأفكار السلفية التي تعرف عليها أهالي شبه الجزيرة في الثمانينيات، إذ لم تكن ذات توجّه عنيف، كما يقول لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن السلفيين اقتصرت جهودهم وقتها على المساهمة في مجالات الدعوة والقضاء العرفي، نظراً لأن سيناء كانت تحت السيطرة الأمنية الكاملة ولم يكن يدخلها أحد إلا بإذن من الأجهزة الأمنية المصرية.

ويوضح أبو نصيرة أن بداية احتكاك أهالي سيناء مع التنظيمات الإسلامية كانت عبر مدرس يدعى محمود آدم، جاء للعمل بسيناء في الثمانينيات وأنشأ جماعة "التبليغ والدعوة" التي قامت بالوعظ البسيط المباشر من دون التطرّق إلى قضايا سياسية، ما جعل أفكارها تنتشر بشكل واسع في أوساط السيناويين الذين يمتازون بالميل إلى الأفكار المحافظة. لكن في التسعينيات بدأ التحول إلى الأفكار المتشددة، إثر ظهور كثير من الجماعات التي تعتنق الأفكار التكفيرية، وتتخذ من العنف منهجاً، وقد اندمج عدد من أفرادها بالنهاية في تنظيم ولاية سيناء (داعش).

ويعد تنظيم ولاية سيناء (داعش) بمثابة "الامتداد الطبيعي لتنظيم أنصار بيت المقدس الذي يعد الامتداد التلقائي لتنظيم التوحيد والجهاد"، بحسب ما ذكر ناجح إبراهيم، القيادي السابق في الجماعة الإسلامية في مصر، في تصريحات صحافية.

التوحيد والجهاد

تأسست جماعة التوحيد والجهاد في عام 2002 بسيناء، على يد طبيب الأسنان خالد مساعد، وهي من أخطر التنظيمات المتشددة التي شهدتها سيناء بعد أن نضج التنظيم في عام 2003، إذ قسّم مساعد التنظيم إلى خلايا عنقودية لا يعرف بعضها بعضاً، واتخذ لكل منهم اسماً حركياً، كما يقول الشيخ سليمان أبو أيوب، أحد قادة التيار السلفي في سيناء.

واتهمت الأجهزة الأمنية جماعة التوحيد والجهاد بتنفيذ تفجيرات طابا وشرم الشيخ التي وقعت في عامي 2004 و2006، واعتمد التنظيم في تسليحه على مخلفات الحروب في سيناء، بحسب ما كشفت التحقيقات في قضيتي تفجيرات طابا وشرم الشيخ.


اندماج الجماعات المتطرفة

يروي ناجح إبراهيم، في مقاله "دواعش سيناء"، أن زعيم تنظيم التوحيد والجهاد خالد مساعد قتل بعدما اشتبهت قوات أمنية في سيارة تسير في إحدى الطرق الجبلية، إثر عملية اقتحام لجبل الحلال بعد تفجيرات طابا وشرم الشيخ، فتعامل الطرفان بالرصاص وتبيّن بعد المعركة مقتل زعيم التنظيم، موضحاً أن عدداً من قادة التنظيم الذين ألقى الأمن القبض عليهم هربوا من السجون بعد الفوضى التي حدثت خلال أحداث ثورة يناير 2011، ومن بينهم أسامة النخلاوي المتخصص في تجهيز السيارات المفخخة في التنظيم الإرهابي. وشكّل الهاربون من السجون النواة الأساسية لبناء التنظيم في سيناء مرة أخرى، بطريقة أعنف وأشرس وأخطر فكرياً وتنظيمياً وعسكرياً، مع تحويل اسمه من "التوحيد والجهاد" إلى "أنصار بيت المقدس" الذي بايع القاعدة وأيمن الظواهري في البداية ثم بايع داعش وأبو بكر البغدادي "في عام 2014".

ومن بين قيادات تنظيم التي اندمجت مع تنظيم داعش، القيادي حمادة أبو شيته وشقيقه هاني أبو شيته، ومن هنا تمتّع داعش بقوة كبيرة وقويت شوكة التنظيم الذي استغل إقامة المنطقة العازلة على الحدود مع غزة وإزالة آلاف المنازل، لدفع عدد من أبناء القبائل المقيمة على الحدود للانضمام إليه، خاصة في ظل الاحتقان السابق بين الدولة والقبائل المقيمة في مناطق رفح والشيخ زويد، وعلى الرغم من إعلان المتحدث العسكري ما بين فترة وأخرى عن تجفيف منابع الإرهاب والتكفيريين في مناطق الشيخ زويد ورفح، فإنهم يعلنون عن وجودهم في تلك المناطق بين فترة وأخرى بالقيام بعمليات مسلحة في رفح، خاصة مناطق أبو شنار وياميت وقرب مركز مدينة الشيخ زويد، كذلك تمددت عملياتهم النوعية إلى مدينة العريش عاصمة شمال سيناء.

تنظيم السلفية الجهادية

تعرّف دراسة منشورة على موقع المركز الأوروبي لدراسات الإرهاب في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري تنظيم السلفية الجهادية بأنه "مجموعة جهادية تنتهج الفكر القطبي، وأعلنت تلك الجماعة عن نفسها في أعقاب وفاة ستة من عناصرها في مواجهة مع القوات المسلحة القائمة على تنفيذ العملية نسر (حملة عسكرية مصرية بدأت في شبه جزيرة سيناء في 12 أغسطس/آب 2011).


الصوفيون في سيناء

يشكّل الصوفيون في شبه جزيرة سيناء، خاصة في مناطق شمال شرق سيناء، نسبة كبيرة من السكان وكتلة قوية ومؤثرة في الانتخابات البرلمانية، ويحظى زعماؤها بالقرب والثقة من قبل قيادات الدولة المصرية ووصلت علاقاتهم بالقيادة السياسية الحالية إلى درجة رفيعة ومميزة، ويتركز وجودهم في قرى الجورة والظهير والعوايضة والمقاطعة بالشيخ زويد وحي الشيخ عيد أبو جرير في العريش وقرى الميدان ومزار والروضة في بئر العبد غربي العريش، بحسب ما قال الشيخ عرفات خضر سلمان أحد زعماء قبيلة السواركة في منطقة الجورة.


ويعود وجود المذهب الصوفي في شبه جزيرة سيناء إلى الشيخ خلف محمد الخلفات الذي ولد في عام 1930، وهو ابن لزعيم قبلي يدعى أبو محمد خلف بن حسن بن علي بن سلام بن خلف الخلفات، من رموز وزعماء قبيلة السواركة، ويقول الشيخ عرفات سلمان إن الشيخ خلف رسخ وجود الطريقة الجريرية الأحمدية المتصوفة عام 1954 في شمال سيناء، بعد وفاة الشيخ عيد أبو جرير المؤسس الأول للصوفية في الشرقية وسيناء، وهو يعتبر الأب الروحي للطرق الصوفية في هذه المنطقة وسعى أبو جرير إلى نشر أفكاره في المجتمع السيناوي، وبالفعل تمكّن عبر الزوايا والمساجد من نشر فكره، كما يقول المؤرخ اللبناني نعوم بك شقير في كتابه "تاريخ سيناء القديم والحديث".

ومن زاوية "الجورة" التي تحمل اسمه، وتتكون من مسجد ومجلس ودار ضيافة وساحة، بدأ الشيخ خلف جمع مريدي الصوفية والطريقة الجريرية الأحمدية الصوفية، ومن ثم أخذ يجوب المناطق بنفسه ويرافقه في كل جولاته عدد من مساعديه في المنطقة، وعلى رأسهم المساندان الكبيران له وهما الحاج إسليم أبو عليان والحاج غانم أبو سلامة العوايضة، وبعد سنوات قليلة انتشرت الطريقة وتوسّعت مقراتها التي يطلق عليها زوايا، ومنها زاوية أبو عليان في قرية شيبانة وزاوية الحاج مهنى أبو ذراع في قرية المقاطعة وزاوية الحاج غانم أبو سلامة في قرية الظهير وزاوية أبو عطية المنيعي في قرية المنايعة وزاوية الملافية في قرية الزوارعة وزاوية الجبور في قرية الشلاق وزاوية النصايرة بالشيخ زويد في المدينة وزاوية العلاوين بجوار أبو طويلة. وزاوية أبو عيطة وأبو عبدون في الشيخ زويد وزاوية أبو سعيد في رفح.

علاقة الصوفيين بالدولة

توثقت علاقة الصوفيين بالدولة بعد دعم الحزب الوطني الحاكم لهم إبان حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وهو ما بدا في دفع محمد خلف ابن الشيخ خلف الخلفات ليكون عضواً في مجلس الشورى، (الغرفة الثانية للبرلمان المصري)، عن دائرة الشيخ زويد ورفح، وكذلك في بزوغ نجم شقيقه حسن خلف المجاهد الذي كان له دور مهم في مرحلة العمليات التي تمت على هامش حرب أكتوبر 1973، ومن هنا استمرت علاقته قوية مع الدولة المصرية، وصولاً إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ويظهر حسن خلف على الفضائيات المصرية بشكل دائم، منتقداً تنظيم "داعش" ومعلناً دعمه ودعم قبيلته السواركة وعشيرة الجريرات للرئيس السيسي، حتى بعد مقتل ابنه محمد برصاصة عن طريق الخطأ من قبل جندي مصري في قرية الجورة قبل عامين، إذ خرج وقتها ليقول إنه قدّم ابنه محمد شهيداً لمصر وللقوات المسلحة.


سرّ الصراع بين داعش والصوفيين

تعدّ العلاقة الجيدة بين الصوفيين في سيناء والدولة، إلى جانب ما يمكن وصفه بالصراع الديني بين داعش والصوفيين، السببين الرئيسيين لوقوع مذبحة قرية الروضة يوم الجمعة 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري التي راح ضحيتها 305 أفراد، بينهم 27 طفلاً، فيما أصيب 128 آخرون داخل مسجد آل جرير الذي تقع في مقابله زاوية صوفية، كما يقول القيادي السلفي حسين أبو نصيرة الذي لفت إلى التنظيم الإرهابي سبق أن وجّه إليهم تهديدات مباشرة في زواياهم ومساجدهم.

ولم تكن مذبحة الروضة هي المرة الأولى التي يستهدف فيها تنظيم داعش الصوفية الجريرية، إذ قام عام 2016 بخطف الشيخ التسعيني سليمان أبو حراز الذي يمثّل الأب الروحي للصوفيين في شبه جزيرة سيناء، ثم أعلن التنظيم عن إعدامه هو والشيخ اقطيفان المنصوري، في صحيفة النبأ الداعشية، بعد نشره صورة لإعدام القياديين الصوفيين في صدر صفحة حوار مع ما يعرف بأمير مركز الحسبة في سيناء الذي تحدث عن "علاقات وثيقة تربط القيادات الصوفية مع أجهزة الدولة المصرية، وأن تنظيمه قام بعمل حواجز تفتيش ومطاردة واعتقال مريدي الطرق الصوفية بسيناء، وإجبارهم على التوقيع على "إقرارات التوبة"، وتفجير عدد من المزارات الصوفية بسيناء".