حرب إسرائيلية قريبة على لبنان؟

05 أكتوبر 2018
+ الخط -
تنشغل دوائر صنع القرار الإقليمي والدولي مع أجهزتها الاستخباراتية في تقدير مسار الأوضاع على الجبهة اللبنانية، بعد إعلان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، امتلاك الحزب صواريخ دقيقة، وما أعقبه من مسارعةٍ إسرائيلية إلى نشر صور وخرائط تزعم سعي الحزب إلى إقامة بنية تحتية لتخزين هذه الصواريخ في قلب العاصمة بيروت. كان مفاجئاً للداخل اللبناني والخارج أن يُصدر نصر الله هذا الإعلان في هذا التوقيت الذي تبدو فيه المنطقة على أبواب تصعيدٍ كبيرٍ مع اقتراب الحظر النفطي الأميركي على إيران في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. لكنّ المفاجئ أكثر أن يُسارع الإسرائيليون، هذه المرّة، إلى ترويج هذا الإعلان أكثر من الحزب نفسه، إذ بعد أقلّ من أسبوع على تصريح نصر الله، نشر الجيش الإسرائيلي مزاعم الخرائط التي يحتاج إنجازها إلى جهد استخباراتي طويل، ما يطرح تساؤلات كبيرة عن الغرض الذي تسعى إليه تل أبيب.
هناك احتمالان، أن إسرائيل تمتلك بالفعل معلومات استخباراتية، تؤكّد حصول حزب الله على الصواريخ الدقيقة من إيران عبر سورية (وهذا المرجّح)، لكنّها فضّلت الكشف عنها بعد إعلان نصر الله بخصوص الصواريخ وليس قبله، كي تكسب مصداقية أمام الرأي العام الدّولي. أو أنّها تُدرك أن إعلان حزب الله مُجرّد مزاعم، لكنّها فضّلت تحويلها إلى حقيقةٍ لشرعنة أي ضربة محتملة على لبنان. الثابت هنا أن الإسرائيليين يدرسون جدّيا، في الوقت الراهن، توجيه ضربة عسكرية للحزب في الداخل اللبناني. أما عن أسباب هذا التوجّه فهي كثيرة، ويُمكن حصرها في ثلاثة مُعطيات بارزة، ظهرت أخيرا، ولا يُمكن فصلها عن بعضها بعضا.
الأول: نجاح حزب الله في الحصول على صواريخ دقيقة يكسر المحرّمات الإسرائيلية، ويُشكّل تهديداً كبيراً للأمن الإسرائيلي، وفق تقدير خبراء عسكريين إسرائيليين كثيرين، سابقين 
وحاليين. وهذا يعني فشل الاستراتيجية الإسرائيلية التي كانت تقوم، في السابق، على توجيه ضربات استباقية للحزب في سورية، ومنعه من تعزيز ترسانته العسكرية، فضلاً عن أن عدم توجيه ضربة للحزب بعد هذا الخلل في الميزان العسكري، ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة للإسرائيليين، ويستحيل معه أن يتعايشوا مع هذا الواقع الجديد، من الناحيتين، الأمنية والسياسية. قد تكون تكلفة أي عمل عسكري إسرائيلي في لبنان كبيرة بالنسبة لإسرائيل، لكنّها، وفق المنطق العسكري، لن تكون أكبر من تكلفة التعايش مع هذا الوضع في السنوات المقبلة.
الثاني: الأزمة التي اندلعت بين إسرائيل وروسيا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية "إيل 20" قبالة السواحل السورية، وسارعت موسكو إلى اتخاذ قرار بتزويد دمشق منظومة S300 الصاروخية. هذا يعني، من الناحية العسكرية، أنّ حرية الحركة التي كانت متاحة للمقاتلات الإسرائيلية في الأجواء السورية بعد هذه الأزمة لن تكون كما قبلها. يؤكد الإسرائيليون، على الرغم من ذلك، عزمهم على مواصلة استهداف الوجود الإيراني في سورية، لكنّ هذا التحدّي للروس ينطوي على مخاطر كبيرة. ولا يُستبعد أن تتكرّر حادثة إسقاط مقاتلة الـ F16 الإسرائيلية. يدفع سيناريو كهذا الجيش الإسرائيلي إلى أن يكون أكثر حذراً في المرحلة المقبلة، والتفكير في توجيه ضرباتٍ لحزب الله في لبنان، عوضاً عن سورية.
الثالث: باتت البيئة اللبنانية والإقليمية والدولية مؤاتية أكثر من أي وقت مضى، لتوجيه ضربة عسكرية للحزب في لبنان. في الداخل، يواجه الحزب تحدّيا خطيراً في الأشهر المقبلة، مع 
اقتراب قرار المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، حيث تفيد معظم التقديرات بأن المحكمة بصدد توجيه اتهامات مباشرة لأعلى هرم الحزب في هذه القضية، ما سيُشعل مُجدداً نقمة كبيرة على الحزب في الداخل والخارج. وفي الإقليم، تقف المنطقة على أبواب منعطف كبير، مع اقتراب الحظر النفطي على إيران، وهو ما سيُعرّض الحزب إلى أزمة مالية خانقة، مع توقّعاتٍ بتقليص التمويل الإيراني عنه بنسبة كبيرة، تُهدّد كيانه المؤسّساتي، فضلاً عن أن حالة العداء العربية المتصاعدة إزاء إيران، والتقاءها مع الخطاب الإسرائيلي والأميركي سيُسهل على تل أبيب تجنّب تداعياتٍ سياسيةٍ كبيرة لأي ضربةٍ ضد الحزب.
أمام هذه المُعطيات، ماذا عن لبنان الذي سيدفع أولاً ثمن أي عدوان إسرائيلي عليه؟ تستشعر الحكومة اللبنانية خطورة الوضع، وهي تسعى، في الوقت الراهن، سواء من خلال الجولة التي نظّمتها للسفراء الأجانب في بيروت على المواقع المزعومة لصواريخ حزب الله الدقيقة، أو عبر الجولات الخارجية المُحتمل أن يقوم بها المسؤولون اللبنانيون في المرحلة المقبلة، تسعى إلى حشد الرأي العام الدّولي، لمساندة لبنان في هذه المرحلة الحسّاسة، لكنّ هذه الجهود ليست كافيةً، من دون الضغط على قادة الحزب، لتحييد البلاد عن العاصفة الساخنة التي ستهبّ قريباً على الشرق الأوسط. هل هي قادرة بالفعل على إقناع نصر الله بذلك؟ الجواب على هذا السؤال الكبير يكمن في سؤال أكبر: هل استشار الأمين العام لحزب الله القادة اللبنانيين قبل الإعلان عن امتلاك الصواريخ الدقيقة، أم أنّهم سمعوا به عبر شاشات التلفزة مثل باقي اللبنانيين؟