يدرك المقدسيون الذين تفجّرت هبّة القدس الحالية من أزقة بلدتهم القديمة قبل أكثر من عام، أن صراعاً آخر جديداً سيخوضونه مع محتل يحاول هذه المرة محو أسماء ساحاتهم وشوارعهم في معركة مفتوحة، تأخذ الطابع الثقافي، في محاولة لتهويد القدس. ويأتي في هذا السياق قرار بلدية الاحتلال، بالتوافق مع ما يُسمى لجنة "إحياء ذكرى الهجمات الإرهابية"، إطلاق أسماء جديدة على ساحة باب العمود وشوارع أخرى في المدينة المقدسة، كان الفلسطينيون من قبل أطلقوا عليها أسماء شهدائهم، من بينها ساحة باب العامود، أو ساحة بوابة دمشق، والتي باتت تعرف بالنسبة إليهم "ساحة الشهداء".
في هذه الساحة ارتقى أكثر من شهيد في هبة القدس، من أبرزهم الشهيد محمد سعيد علي، من مخيم شعفاط، شمالي القدس، والذي يلقبه المقدسيون بـ"أسد القدس" لجرأته وشجاعته في طعن جنود من وحدة "يسام" الخاصة في الشرطة الإسرائيلية، إذ قتل واحداً من أفرادها وأصاب آخرين طعناً بالسكين.
الاحتلال الذي يدرك دلالة التسميات ورمزيتها، قرر من خلال رئيس بلديته اليميني المتطرف نير بركات، إطلاق اسم آخر على ساحة باب العمود، ليسميها "ساحة الأبطال"، نسبة إلى قتلى يهود سقطوا على يد الفلسطينيين، والشيء ذاته سيفعله في شوارع البلدة القديمة، حيث كان المقدسيون سباقون إلى تسمية مقطع رئيس من شارع الواد باسم الشهيد مهند الحلبي، مفجّر الانتفاضة الحالية، الذي قتل مستوطناً وأصاب آخرين وسط الشارع المذكور حيث يقع مبنى ضخم كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون قد استولى عليه قبل أكثر من عقدين. وكان رد فعل الاحتلال بحق تجار الشارع وأصحاب المحال هناك انتقامياً وعنيفاً، تراوح ما بين فرض غرامات مالية باهظة عليهم، وتصعيد اعتداءات أفراد الشرطة والبلدية بحقهم، وازدياد تحرشات المستوطنين بهم.
وكانت سلطات الاحتلال قد عمدت في السنوات الماضية إلى تغيير أسماء شوارع وحارات كثيرة في البلدة القديمة من القدس بمسميات عبرانية، من أبرزها شارع باب الأسباط المتاخم للمسجد الأقصى إلى شارع مردخاي، نسبة للجنرال الإسرائيلي مردخاي غور رئيس الأركان الإسرائيلي في عهد وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك موشيه دايان، الذي دخل بقواته إلى البلدة القديمة من هذا الشارع وساهم في سقوط القدس بقبضة الاحتلال.
بينما أطلق على رباط الكرد اسم "كوتل كاتان"، أي حائط البراق الصغير، وهو موقع إسلامي يتاخم باب الحديد، أحد أبواب المسجد الأقصى، وبات مكاناً يؤمه المتطرفون اليهود مدعين أنه جزء من حائط المسجد الأقصى الغربي المطل على ساحة البراق.
اقــرأ أيضاً
وفي هذا الشأن، يقول الباحث المتخصص في شؤون القدس والمقدسات، جمال عمرو، في حديث لـ"العربي الجديد"، "إنها حرب مفتوحة على المدينة المقدسة، وهي حرب ثقافية تتعدى في خطورتها الحرب العسكرية، ونحن نطلق عليها الحرب النائمة، وهي أشد فتكاً من حروب الدبابات والطائرات والبوارج الحربية، إذ يسلب العدو ثقافتك وحضارتك ليطمسها ويستبدلها بأسماء ورموز مزيفة لا تلتقي وعظمة المكان والحضارة الأصلية".
ويعتبر عمرو أن "خطورة ما يقوم به الاحتلال هو تأثيره وانعكاسه على الفلسطيني وعلى العربي الذي سيجد نفسه بعد حين لا يستخدم إلا هذه الأسماء والمسميات الغريبة العجيبة الدخيلة على مدينتنا المقدسة". ويشير إلى أن سلطات الاحتلال ومنذ نكبة 1948 نجحت في تغيير 22 ألف اسم في القدس المحتلة وحدها واستبدلتها بأسماء توراتية وتلمودية، ومرت جميعها كأنها أمر واقع.
ويضيف: "في حرب ثقافية معلنة تُرسم وتنفذ بشكل ممنهج، وبعد أن استنزفوا الأسماء، يشرعون اليوم بإطلاق التوصيفات على الساحات والشوارع، فساحة باب العمود سيطلقون عليها ساحة الأبطال، ومثل هذه المسميات ستطاول عدة ساحات وشوارع وأزقة وحارات، وحتى مقدسات إسلامية ومسيحية، ولعل أخطرها ما يطلقونه من تسمية على المسجد الأقصى في خرائطهم حيث يسمى هار هبايت، أي جبل المكبر، وحائط البراق، الكوتل".
ويتابع: "بل إنهم استبدلوا القصور الأموية والعباسية في مسمى جديد هو موقف جفعاتي، وتحوّلت منطقة تل الظهور قرب عين سلوان، جنوب الأقصى، إلى عير دافيد، وباتت سلوان في مسمياتهم شلواح، أما جبل الزيتون، فعرفوه باسم هار هزيتيم، ورأس العمود بات اليوم يحمل اسم هزيتيم، بينما أطلقوا على الشارع المفضي إلى باب الأسباط اسم شارع مردخاي".
كان التغيير في الواقع قد شمل استبدال أسماء قرى وبلدات فلسطينية في محيط القدس، وضمن حدودها كمحافظة، وجرى تحوير أسماء تلك القرى إلى مسميات عبرية، فبلدة عناتا، شمال شرق القدس، تُعرف إسرائيلياً بعناتوت، نسبة إلى معسكر لجيش الاحتلال أقيم على أراضي القرية، أما قرية مخماس، فباتت تعرف باسم "معاليه مخماش"، نسبة إلى المستوطنة التي أقيمت على أراضيها، بينما أُطلق على جبال تتبع منطقة شمال غرب القدس من أراضي قطنة اسم "هار هادار". وقام الاحتلال باستبدال اسم جبل المشارف المطل على المسجد الأقصى من الناحية الجنوبية، باسم "جبل سكوبس"، في حين باتت مغارة الكتان أو القطن في شارع السلطان سليمان تعرف باسم مغارة صدقياهو أو مغارة سليمان، واستبدل اسم مقام الشيخ السعدي في حي الشيخ جراح إلى قبر الصديق شمعون.
ويرى الباحث المقدسي المتخصص في شؤون العقارات هايل صندوقة، والذي كان أعد دراسة مطولة حول تغيير أسماء الشوارع في القدس، أن ما يجري من تغيير لأسماء الشوارع والحارات والمواقع، يمثل جزءاً من عملية التهويد والأسرلة الشاملة للقدس إلى جانب الاستيطان المكثف والاستيلاء على العقارات باستخدام قوانين حارس أملاك الغائبين، وقانون الجيل الثالث. ويضيف: "نحن أمام عملية احتلال وإحلال واستبدال تاريخ وطمسه بتزوير وتأليف تاريخ مزعوم، بعدما فشلت كل الحفريات التي قاموا بها على مدى عقود طويلة في إثبات أي أثر لهم في المدينة المقدسة".
في هذه الساحة ارتقى أكثر من شهيد في هبة القدس، من أبرزهم الشهيد محمد سعيد علي، من مخيم شعفاط، شمالي القدس، والذي يلقبه المقدسيون بـ"أسد القدس" لجرأته وشجاعته في طعن جنود من وحدة "يسام" الخاصة في الشرطة الإسرائيلية، إذ قتل واحداً من أفرادها وأصاب آخرين طعناً بالسكين.
وكانت سلطات الاحتلال قد عمدت في السنوات الماضية إلى تغيير أسماء شوارع وحارات كثيرة في البلدة القديمة من القدس بمسميات عبرانية، من أبرزها شارع باب الأسباط المتاخم للمسجد الأقصى إلى شارع مردخاي، نسبة للجنرال الإسرائيلي مردخاي غور رئيس الأركان الإسرائيلي في عهد وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك موشيه دايان، الذي دخل بقواته إلى البلدة القديمة من هذا الشارع وساهم في سقوط القدس بقبضة الاحتلال.
بينما أطلق على رباط الكرد اسم "كوتل كاتان"، أي حائط البراق الصغير، وهو موقع إسلامي يتاخم باب الحديد، أحد أبواب المسجد الأقصى، وبات مكاناً يؤمه المتطرفون اليهود مدعين أنه جزء من حائط المسجد الأقصى الغربي المطل على ساحة البراق.
وفي هذا الشأن، يقول الباحث المتخصص في شؤون القدس والمقدسات، جمال عمرو، في حديث لـ"العربي الجديد"، "إنها حرب مفتوحة على المدينة المقدسة، وهي حرب ثقافية تتعدى في خطورتها الحرب العسكرية، ونحن نطلق عليها الحرب النائمة، وهي أشد فتكاً من حروب الدبابات والطائرات والبوارج الحربية، إذ يسلب العدو ثقافتك وحضارتك ليطمسها ويستبدلها بأسماء ورموز مزيفة لا تلتقي وعظمة المكان والحضارة الأصلية".
ويعتبر عمرو أن "خطورة ما يقوم به الاحتلال هو تأثيره وانعكاسه على الفلسطيني وعلى العربي الذي سيجد نفسه بعد حين لا يستخدم إلا هذه الأسماء والمسميات الغريبة العجيبة الدخيلة على مدينتنا المقدسة". ويشير إلى أن سلطات الاحتلال ومنذ نكبة 1948 نجحت في تغيير 22 ألف اسم في القدس المحتلة وحدها واستبدلتها بأسماء توراتية وتلمودية، ومرت جميعها كأنها أمر واقع.
ويضيف: "في حرب ثقافية معلنة تُرسم وتنفذ بشكل ممنهج، وبعد أن استنزفوا الأسماء، يشرعون اليوم بإطلاق التوصيفات على الساحات والشوارع، فساحة باب العمود سيطلقون عليها ساحة الأبطال، ومثل هذه المسميات ستطاول عدة ساحات وشوارع وأزقة وحارات، وحتى مقدسات إسلامية ومسيحية، ولعل أخطرها ما يطلقونه من تسمية على المسجد الأقصى في خرائطهم حيث يسمى هار هبايت، أي جبل المكبر، وحائط البراق، الكوتل".
ويتابع: "بل إنهم استبدلوا القصور الأموية والعباسية في مسمى جديد هو موقف جفعاتي، وتحوّلت منطقة تل الظهور قرب عين سلوان، جنوب الأقصى، إلى عير دافيد، وباتت سلوان في مسمياتهم شلواح، أما جبل الزيتون، فعرفوه باسم هار هزيتيم، ورأس العمود بات اليوم يحمل اسم هزيتيم، بينما أطلقوا على الشارع المفضي إلى باب الأسباط اسم شارع مردخاي".
ويرى الباحث المقدسي المتخصص في شؤون العقارات هايل صندوقة، والذي كان أعد دراسة مطولة حول تغيير أسماء الشوارع في القدس، أن ما يجري من تغيير لأسماء الشوارع والحارات والمواقع، يمثل جزءاً من عملية التهويد والأسرلة الشاملة للقدس إلى جانب الاستيطان المكثف والاستيلاء على العقارات باستخدام قوانين حارس أملاك الغائبين، وقانون الجيل الثالث. ويضيف: "نحن أمام عملية احتلال وإحلال واستبدال تاريخ وطمسه بتزوير وتأليف تاريخ مزعوم، بعدما فشلت كل الحفريات التي قاموا بها على مدى عقود طويلة في إثبات أي أثر لهم في المدينة المقدسة".