تكثّف مصر تحركاتها للتوصل إلى تهدئة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وفي موازاة استضافتها وفوداً من الفصائل الفلسطينية، التي تُجري مشاورات في ما بينها ومع القيادة المصرية، كان وزير المخابرات المصرية العامة، اللواء عباس كامل، يزور تل أبيب لبحث هذا الملف، فيما كانت تسريبات تشير إلى أنه سيواصل تحركاته بزيارة إلى رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، غير أن مصادر فلسطينية في رام الله أصرت أمس أن كامل لم يطلب لقاء عباس ولا يوجد أي شيء بخصوص هكذا لقاء على برنامج الرئيس الفلسطيني، في ظل توفر أكثر من مؤشر يعكس وجود غضب للسلطة في رام الله من الجهود القائمة للتوصل إلى اتفاق تهدئة تعتبر أنه يتجاوزها. هذا الغضب بدا واضحاً في تصريحات لرئيس ملف المصالحة، عضو اللجنة التنفيذية لحركة "فتح"، عزام الأحمد، الذي وصف في تصريح للوكالة الفلسطينية الرسمية "وفا" يوم الأربعاء اتفاق التهدئة بين "حماس" وإسرائيل بـ"الخيانة للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية"، قبل أن يتم تعديل التصريح بعد نشره من قبل الوكالة ليصبح: "التهدئة عمل وطني وليس فصائلياً ويجب أن يتم باسم منظمة التحرير".
من جهتها، قالت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، إن تحركات كامل الأخيرة لدى إسرائيل ترتكز على ضرورة تقديمها دعماً عاجلاً للتحركات المصرية الراعية لمشاورات التهدئة عبر حزمة تسهيلات بشأن الأوضاع المعيشية في غزة. وقالت المصادر إن إحدى دول الخليج تعهّدت بدفع التزامات قطاع غزة الخاصة بإمدادات الوقود اللازم للكهرباء، وكذلك المساهمة بجزء كبير من رواتب موظفي القطاع، وذلك لدعم التوصل إلى حل سريع يُنهي معاناة أهالي غزة. وتتضمن خطة التهدئة، بحسب المصادر، فتح معبر رفح، ودخول السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع بإشراف مصري، والتجهيز لانتخابات، وتشكيل حكومة جديدة. وكانت السلطات الإسرائيلية أعلنت الأربعاء، إعادة فتح معبر كرم أبو سالم التجاري وتوسيع مساحات الصيد.
لكن وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أعلن أنه "لا يعرف شيئاً عن أي اتفاق أو خطوات بشأن غزة"، مشدداً على أن إسرائيل تعمل وفق السلوك الموجود على الأرض. وأضاف في حوار مع "معاريف": "صحيح هناك الكثير من المبادرات من أنحاء العالم، وعلى الرغم من احترامنا وتقديرنا لها، إلا أننا ندير الأمور وفق مصالحنا، ونقول بوضوح: إذا كان هناك هدوء وسلام وأمن، فإن سكان غزة سيكونون أول المستفيدين". وهاجم ليبرمان وزير التعليم نفتالي بينت بسبب انتقاداته لسياساته تجاه غزة، قائلاً "بعض السياسيين يحبون رفع الشعارات، على كل وزير أن يهتم بمسؤولياته ونحن لسنا مقصرين في واجباتنا".
وفيما كانت التسريبات تشير إلى أن عباس كامل سيستكمل مشاورات التهدئة والمصالحة الداخلية من خلال زيارة رام الله ولقاء الرئيس الفلسطيني، غير أن مصادر فلسطينية متطابقة في رام الله، شككت في الزيارة، إذ أكدت، في أحاديث منفصلة مع "العربي الجديد"، أن عباس كامل لم يطلب لقاء مع الرئيس محمود عباس، "ولا يوجد أي شيء بخصوص ذلك مدرجاً على برنامج الرئيس اليوم (أمس) وغداً (اليوم الجمعة) بشكل معلن كما جرت عليه العادة عند استقبال الشخصيات الرسمية".
ووفقاً للمصدر الفلسطيني المطلع، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن "مصر طلبت من القيادة الفلسطينية أن تُحضر الفصائل الفلسطينية إلى مصر، وعندما سألنا عن السبب، كان الرد المصري: نريد أن نبحث موضوع المصالحة، وموضوع التهدئة والتنمية في قطاع غزة". ولفت إلى أن "القيادة الفلسطينية سألت المصريين إن كانوا قد تلقوا جواباً بالإيجاب أو الرفض حول ورقتها التي عرضتها على حركة حماس للمصالحة حتى يكون هناك أساس للاجتماع، لأن المعلومات التي وصلت إلى القيادة الفلسطينية أن حماس غير موافقة على الورقة المصرية، لكن القاهرة لم تعط جواباً على هذا السؤال".
وتابع المصدر: "وفي سؤال آخر للقيادة الفلسطينية للقاهرة حول على أي أساس ستكون التهدئة، لأن أفيغدور ليبرمان أعلن عن التهدئة عملياً، وبعد هذا التصريح ماذا سوف نبحث؟ فكانت إجابة المصريين: نحن لم ننهِ النقاش وبحاجة لاستكمال البحث في هذا الملف"، مضيفاً "ردت القيادة الفلسطينية بأن هذا الموضوع بحاجة إلى مزيد من المشاورات بيننا وبينكم، لأننا نعتقد أن الذهاب إلى اجتماع في مصر مصيره الفشل لن يكون جيداً لنا ولا لكم".
واعتبر المصدر الفلسطيني أن "مصر تريد لنا أن نكون شهود زور على اتفاق التهدئة بين حركة حماس وإسرائيل، حتى تسوّق للعالم أن اتفاق التهدئة تم بموافقة وحضور منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، وليس اتفاقاً ثنائياً تم بين إسرائيل وحماس، برعاية مصرية كما حدث بالفعل".
وحول سبب تحفّظ القيادة الفلسطينية على اتفاق التهدئة، قال: "هذا الاتفاق كان يجب أن يتم مع منظمة التحرير، فحماس لا صفة لها حتى توقّع اتفاقاً مع إسرائيل، وهذا يُحرج المصريين، ويؤكد أن هذه الاتفاقية هي المدخل لصفقة القرن ودويلة غزة المزعومة". وكشف أن "القيادة الفلسطينية أبلغت المصريين بأن أي حوار أو اتفاق حول التهدئة مع إسرائيل يجب أن يتم وفقاً لصيغة اتفاق عام 2014 في القاهرة أي وفد فصائل منظمة التحرير برئاسة حركة فتح برعاية مصرية". وتابع: "الآن القيادة الفلسطينية تريد أن تبحث مع مصر إن كان اتفاق التهدئة عام 2014 ما زال ساري المفعول أم لا، ولماذا نريد اتفاق تهدئة جديداً، لأن فكرة اتفاق جديد هي مدخل حركة حماس حتى تعبر فيه إلى صفقة القرن".
وفي السياق نفسه، أفاد المكتب الإعلامي التابع للجانب الفلسطيني من معبر رفح البري، بأن وفداً من الفصائل الفلسطينية، غادر أمس الخميس، غزة عبر معبر رفح، متوجهاً إلى القاهرة للالتحاق بالفصائل المتواجدة هناك منذ الثلاثاء الماضي. وقال مصدر أمني يعمل داخل معبر رفح، لـ"الأناضول"، إن الفصائل التي غادرت أمس تضم "حركة حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وجبهة النضال الشعبي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة". وأوضح المصدر أن وفد حركة "حماس" ضمّ كلاً من "نائب زعيم الحركة في غزة خليل الحية، وعضو المكتب السياسي روحي مشتهى، إضافة إلى أربع شخصيات حكومية منها وكيل وزارة المالية يوسف الكيالي".
في موازاة ذلك، أعلن منسق وفد "حماس" في القاهرة، الإعلامي أسامة عامر، أن حركة "فتح" تتمسك بترؤسها للوفد الموحّد المزمع تشكيله من الفصائل المختلفة للدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال برعاية مصرية، على غرار ما حدث في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2014 خلال الحرب على غزة، مؤكداً أن "حماس" والفصائل الفلسطينية ترفض ذلك. واعتبر عامر أن تجربة ترؤس "فتح" للوفد الفلسطيني الموحّد عام 2014 والتي قبلتها في حينه "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية، جاءت بنتائج عكسية، وكانت ضد مصلحة الشعب الفلسطيني ومقاومته.