20 أكتوبر 2024
حراك غزة المدني والكذب الإسرائيلي
من أجل ماذا قتل الجيش الإسرائيلي 61 متظاهراً فلسطينياً يوم الإثنين الماضي؟ وهل يمكن أن يشكل متظاهر فلسطيني مدني أعزل خطراً على حياة جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح من الأكثر فتكاً وتطوراَ؟ وهل فعلاً تستطيع جموع المتظاهرين، مهما كانت غفيرة، أن تخترق "الجدار الحديدي" الذي نصبه الجيش الإسرائيلي على الحدود مع غزة، والمزوّد بأسلاك شائكة وأبراج مراقبة وكاميرات؟ وبأي طريقة يمكن أن يتسلل مقاتلو حركة حماس بين المتظاهرين إلى داخل إسرائيل، لمهاجمة مدنيين إسرائيليين؟ كيف يمكن للمتظاهرين زرع عبواتٍ ناسفة، كما تزعم المصادر العسكرية الإسرائيلية في منطقة مكشوفة تماماً تحت أبصار القناصة الإسرائيليين ونيران بنادقهم الشديدة الفتك؟ وما هدف الإصرار الإسرائيلي على اعتبار "حماس" الجهة الوحيدة التي تُحرّض وتعبئ وتجنّد وتوجه المتظاهرين من دون غيرها؟ ولماذا تتجاهل وجود حراك مدني شعبي في القطاع هو في أساس فكرة الاحتجاج المدني؟ والأهم، كيف يصدّق المجتمع الدولي كل هذا الهراء الإسرائيلي بشأن الدفاع عن نفسها وعن حدودها؟
في أساس ما جرى ويجري في غزة، هو تحرّك مدني أهلي سلمي دافعه الظاهري إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، والمطالبة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى البلدات التي طردوا منها سنة 1948، والاحتجاج أيضاً على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، لكن دافعه الفعلي الاحتجاج على سياسات القهر والحصار والتجويع التي تمارسها إسرائيل، في حق أهالي غزة. التوجه إلى السياج الحدودي لا يهدف فقط إلى المطالبة بالعودة إلى فلسطين التي لن تحدث في وقت قريب، بل هو بصورة أساسية للمطالبة برفع كل الأسلاك الشائكة التي تحيط بقطاع غزة في كل اتجاه مع إسرائيل والضفة ومصر.
إذا كانت ذكرى النكبة هي التي نفخت روح الرفض والاحتجاج في نفوس المتظاهرين في غزة، فإن واقع العيش في سجن كبير منذ ما يقارب 11 سنة، عندما سيطرت حركة حماس على
القطاع، والنفق المسدود الذي يعيش في ظله أكثر من مليون وثمانمائة ألف فلسطيني في ظروف اقتصادية وحياتية وبيئية مخيفة هو المحرّك الأساسي لهذا الحشد الشعبي الذي يشعر، منذ وقت طويل، أنه لم يعد لديه ما يخسره.
لقد نجح المدنيون من متظاهري غزة، بقتلاهم وجرحاهم، في إعادة القضية الفلسطينية مجدداً إلى جدول الأعمال الدولي. الأكيد أن حركة حماس لعبت دوراً كبيراً في تحشيد أنصارها وتنظيم التظاهرات ودعمها لوجستياً. لكن فكرة الاحتجاج المدني لم تكن هي من أوجدتها، بل وُلدت قبل ذلك في شهر فبراير/شباط الماضي، وكان في أساسها مجموعة من الشباب والنشطاء من مخيم جباليا الذين بدأوا بالدعوة إلى تحرك شعبي سلمي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحت شعار "الحراك الشعبي السلمي لعودة اللاجئين الفلسطينيين"، متأثرين بروح الانتفاضة الفلسطينية الأولى. لكن سرعان ما تبنت حركة حماس، وفصائل فلسطينية أخرى، الفكرة، ودعت أنصارها إلى المشاركة في تظاهرات سلمية حاشدة، تتجه نحو السياج الحدودي، تحت شعار "مسيرة العودة". لا يعني هذا الانتقاص من دور أي فريقٍ من الفرقاء الفلسطينيين في غزة من الذين ساهموا في هذا الحراك السلمي الذي حوّلته إسرائيل الى مشهد دموي وحشي. لكن تصوير "حماس" بأنها الطرف الأساسي وراء التظاهرات دون غيرها من الأطراف، وتقصّد إغفال وجود حراك مدني شعبي حقيقي في غزة لا ينضوي بالضرورة إلى الحركة، يخدم، في نهاية المطاف، أهدافاً إسرائيلية واضحة، إذ من مصلحة إسرائيل إغفال دور الحراك المدني الشعبي في غزة، وتصوير ما يجري أمام أنظار العالم بأنه من صنع "حماس" التي تستخدم تظاهرات مدنية سلمية من أجل القيام بهجمات ضدها. كما أن من شأن التظهير الإسرائيلي لدور "حماس" التي تعتبرها دول تنظيماً "إرهابياً" أن يساعد إسرائيل في التغطية على الجرائم التي ارتكبها جنودها، بقتلهم أبرياء عزّلا جاؤوا إلى السياج للاحتجاج على نكبتهم سنة 1948، وعلى سجنهم داخل أسوار القطاع منذ 11 سنة، وعلى الظروف اللاإنسانية التي يعيشون في ظلها.
إن تبني حركة مسلحة، مثل "حماس"، فكرة حراك شعبي مدني في غزة أمر يدعو إلى التفاؤل، شرط ألا يجري توظيفه في غير هدفه الأساسي، وأن يُحافظ على هذا الحراك ويُشجع، لأنه دليلٌ على حيوية مجتمعية، يجب رعايتها والمحافظة على استقلاليتها وتنوّعها.
يجب أن تدفع إسرائيل ثمن وحشيتها، وهذا واجب الدول العربية والمجتمع الدولي اللذين يجب أن يحاسبا إسرائيل على جرائمها الجديدة، كي لا يشعر أهالي غزة بأن دماء أبنائهم ذهبت سدى.
في أساس ما جرى ويجري في غزة، هو تحرّك مدني أهلي سلمي دافعه الظاهري إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، والمطالبة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى البلدات التي طردوا منها سنة 1948، والاحتجاج أيضاً على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، لكن دافعه الفعلي الاحتجاج على سياسات القهر والحصار والتجويع التي تمارسها إسرائيل، في حق أهالي غزة. التوجه إلى السياج الحدودي لا يهدف فقط إلى المطالبة بالعودة إلى فلسطين التي لن تحدث في وقت قريب، بل هو بصورة أساسية للمطالبة برفع كل الأسلاك الشائكة التي تحيط بقطاع غزة في كل اتجاه مع إسرائيل والضفة ومصر.
إذا كانت ذكرى النكبة هي التي نفخت روح الرفض والاحتجاج في نفوس المتظاهرين في غزة، فإن واقع العيش في سجن كبير منذ ما يقارب 11 سنة، عندما سيطرت حركة حماس على
لقد نجح المدنيون من متظاهري غزة، بقتلاهم وجرحاهم، في إعادة القضية الفلسطينية مجدداً إلى جدول الأعمال الدولي. الأكيد أن حركة حماس لعبت دوراً كبيراً في تحشيد أنصارها وتنظيم التظاهرات ودعمها لوجستياً. لكن فكرة الاحتجاج المدني لم تكن هي من أوجدتها، بل وُلدت قبل ذلك في شهر فبراير/شباط الماضي، وكان في أساسها مجموعة من الشباب والنشطاء من مخيم جباليا الذين بدأوا بالدعوة إلى تحرك شعبي سلمي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحت شعار "الحراك الشعبي السلمي لعودة اللاجئين الفلسطينيين"، متأثرين بروح الانتفاضة الفلسطينية الأولى. لكن سرعان ما تبنت حركة حماس، وفصائل فلسطينية أخرى، الفكرة، ودعت أنصارها إلى المشاركة في تظاهرات سلمية حاشدة، تتجه نحو السياج الحدودي، تحت شعار "مسيرة العودة". لا يعني هذا الانتقاص من دور أي فريقٍ من الفرقاء الفلسطينيين في غزة من الذين ساهموا في هذا الحراك السلمي الذي حوّلته إسرائيل الى مشهد دموي وحشي. لكن تصوير "حماس" بأنها الطرف الأساسي وراء التظاهرات دون غيرها من الأطراف، وتقصّد إغفال وجود حراك مدني شعبي حقيقي في غزة لا ينضوي بالضرورة إلى الحركة، يخدم، في نهاية المطاف، أهدافاً إسرائيلية واضحة، إذ من مصلحة إسرائيل إغفال دور الحراك المدني الشعبي في غزة، وتصوير ما يجري أمام أنظار العالم بأنه من صنع "حماس" التي تستخدم تظاهرات مدنية سلمية من أجل القيام بهجمات ضدها. كما أن من شأن التظهير الإسرائيلي لدور "حماس" التي تعتبرها دول تنظيماً "إرهابياً" أن يساعد إسرائيل في التغطية على الجرائم التي ارتكبها جنودها، بقتلهم أبرياء عزّلا جاؤوا إلى السياج للاحتجاج على نكبتهم سنة 1948، وعلى سجنهم داخل أسوار القطاع منذ 11 سنة، وعلى الظروف اللاإنسانية التي يعيشون في ظلها.
إن تبني حركة مسلحة، مثل "حماس"، فكرة حراك شعبي مدني في غزة أمر يدعو إلى التفاؤل، شرط ألا يجري توظيفه في غير هدفه الأساسي، وأن يُحافظ على هذا الحراك ويُشجع، لأنه دليلٌ على حيوية مجتمعية، يجب رعايتها والمحافظة على استقلاليتها وتنوّعها.
يجب أن تدفع إسرائيل ثمن وحشيتها، وهذا واجب الدول العربية والمجتمع الدولي اللذين يجب أن يحاسبا إسرائيل على جرائمها الجديدة، كي لا يشعر أهالي غزة بأن دماء أبنائهم ذهبت سدى.
مقالات أخرى
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024