وتأتي هذه التحركات في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى الرياض، التي ستحتضن ثلاث قمم رئيسية أثناء زيارة الرئيس الأميركي. الأولى ثنائية أميركية - سعودية يلتقي خلالها ترامب العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، ليكون أول زعيم سياسي يلتقيه ترامب في زياراته الخارجية. ومن المقرر أيضاً أن يعقد ترامب قمة أميركية - خليجية مع قادة دول مجلس التعاون، فيما يعقد ثالثة مع قادة دول عربية وإسلامية.
لقاء حاسم مع أردوغان
لم تتضح، حتى اللحظة، أجندة لقاء ترامب بولي عهد أبو ظبي، فلم يصدر عن المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، إلا تعليق مختصر وصف فيه اللقاء بـ"الفرصة لتعميق التعاون مع شريك أساسي في الشرق الأوسط". ومن المتوقع أن يكون الملف اليمني على رأس أجندة الطرفين. وتُظهر المؤشرات انخراطاً أميركياً أكبر في اليمن، من خلال دعم التحالف العربي، لا سيما بعد دعم الولايات المتحدة، من خلال سفيرها في اليمن، ماثيو تولر، قرارات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، السياسية الأخيرة في عدن، المتمثلة في إقالة محافظها عيدروس الزبيدي، ووزير الدولة، هاني بن بريك، المقرّبين من الإمارات.
وتساهم الإمارات أيضاً في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إلى جانب دول خليجية وعربية أخرى. علاوة على انخراطها في الملف الليبي من خلال دعم قائد الجيش التابع لبرلمان طبرق، خليفة حفتر، والذي سعت أخيراً إلى مصالحته مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج. الأمر الذي يضيف ملفات أخرى هامة إلى أجندة لقاء ترامب مع بن زايد.
أما لقاء ترامب بالرئيس التركي، فيكتسب أهمية مضاعفة، بعد قرار الرئيس الأميركي دعم المليشيات الكردية، "قوات سورية الديمقراطية"، بأسلحة ثقيلة، استعداداً لمعركة تحرير مدينة الرقة السورية من تنظيم "داعش"، ما يعني استمرار ترامب بخطط الرئيس السابق، باراك أوباما، في اعتماده على المليشيات الكردية على الأرض. وينظر الجانب التركي إلى "قوات سورية الديمقراطية" باعتبارها الشق السوري من حزب "العمال الكردستاني"، الذي يشكّل تهديداً لأمن البلاد ووحدتها.
ويبدو أن وجهات النظر التركية - الأميركية تتباعد حول الدور الذي تقوم به تركيا والأكراد، في مواجهة "داعش". إلا أن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، حاول احتواء الموقف بتأكيد أن الرقة ستسلم إلى "فصائل عربية" بعد تحريرها، مؤكداً أن تركيا ستؤدي دوراً هاماً في العملية المرتقبة. وكانت العلاقات التركية - الأميركية قد شهدت كثيراً من الفتور، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في يوليو/تموز 2016. وتطلب أنقرة من واشنطن تسليم رجل الدين التركي، فتح الله غولن، المقيم على أراضيها، والذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة. إضافة إلى مطالبة واشنطن بإيقاف دعمها مَن تصفهم تركيا بـ"الانفصاليين الأكراد".
ثلاث قمم منتظرة في الرياض
وتبدأ جولة ترامب الرئاسية الأولى بزيارة السعودية، ثم الفاتيكان وإسرائيل، قبل توجّه الرئيس الأميركي إلى بروكسل لحضور قمة حلف شمال الأطلسي في 25 مايو/أيار، ثم إلى اجتماع الدول الصناعية السبع الكبرى، في صقلية في 26 منه. وتهدف جولة ترامب بصورة أساسية إلى تعميق تحالفات الولايات المتحدة مع شركائها التقليديين، بعد خطابه المشوش أثناء حملته الانتخابية، وأيام رئاسته الأولى، والتي انتقد خلالها حلف شمال الأطلسي والشراكة الاقتصادية مع الصين ووعد بالتقارب مع روسيا. النقاط الثلاث التي تراجع عنها لاحقاً.
عادت بوصلة الرئيس الأميركي لتصبح أكثر تقليدية، وتتقاطع أكثر فأكثر مع أهواء المؤسسة العسكرية، والتي أصبحت أكثر تأثيراً في سياسات البيت الأبيض، من خلال مستشار الأمن القومي، إس أر ماكماستر، ووزير الدفاع، جيمس ماتيس، ووزير الأمن الداخلي جون كيلي، بعد أن تم تحجيم "الجنرالات" بصورة كبيرة في عهد أوباما. وزاد ترامب من ميزانية وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" بصورة ملحوظة، مع تقليص مصاريف وزارة الخارجية، والذي يبدو أن وزيرها ريكس تيلرسون يؤدي دوراً محدوداً في الإدارة الأميركية الحالية.
وبالنسبة للقمم الثلاث التي يعقدها في السعودية، فقد أكد المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، أن مواجهة الإرهاب و"الأيديولوجيات المتطرفة" ستكون على رأس أولويات ترامب في زيارته للمملكة، وهو الملف الذي سيهيمن على كل لقاءاته ترامب في السعودية. ومن المتوقع أن تركز القمة السعودية - الأميركية أيضاً على الشراكة الاقتصادية مع الولايات المتحدة، وانخراط واشنطن أكثر في الحرب على المليشيات الانقلابية في اليمن، علاوة على مواجهة التهديدات الإيرانية للمنطقة. ومن المنتظر أن تعزز المملكة شراكتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، في إطار خطة التحوّل الوطني السعودية 2020 ورؤية 2030. إذ ستتيح الرياض فرص استثمارية أكبر للأميركيين، لتعميق التحالف التاريخي بين الطرفين.
كما يُرجَّح أن يهمين ملف التهديدات الإيرانية للمنطقة على اللقاء الأميركي - الخليجي، خصوصاً أنه يحتل أولوية كبيرة للسعودية والبحرين، في ظل ما تراه المنامة تهديداً إيرانياً مباشراً لأمنها واستقرارها. أما القمة الأميركية العربية الإسلامية، فتحمل ملامح أكثر وضوحاً، تتعلق بجهود الولايات المتحدة لرص صفوف حلفائها في مواجهة الإرهاب والتطرف، لا سيما مع عزمها إنهاء وجود "داعش" في العراق وسورية، الخطوة التي ستحتاج إلى توافق إسلامي وعربي أكبر، تحضيراً لمرحلة ما بعد "داعش"، خصوصاً في العراق. ولا تزال الدعوات توجّه للقادة العرب للمشاركة في القمتين، فقد تسلم أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمس الأربعاء، رسالة خطية من الملك السعودي، تتضمن دعوته لحضور القمتين في الرياض.
وتأتي زيارة ترامب إلى الرياض، قبل زيارته رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في إطار محاولات الرئيس الأميركي "إحلال السلام في الشرق الأوسط" على حد تعبيره. وفي ظل تضارب الأنباء حول عزم ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، يُظهر الرئيس الأميركي اهتماماً متزايداً بالقضية الفلسطينية، حد إحالة الملف إلى صهره، جاريد كوشنر، المقرب من دوائر صهيونية. وأعلن ترامب في أوقات سابقة أكثر السياسات تطرفاً ضد "عملية السلام" بتعيين اليميني المتطرف، ديفيد فريدمان، سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، وإعلانه عدم التمسك بحل الدولتين، ورغبته بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، ما يعني عملياً تدمير عملية السلام.
إلا أن محاولات ترامب رص صفوف حلفاء واشنطن في العالم العربي والإسلامي، قد يقف عائقاً أمام تقديم دعم مطلق لنتنياهو، ما يعني تأجيل نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وانتقاد استمرار إسرائيل ببناء المستوطنات في الضفة الغربية. في الوقت الذي لم يعد فيه نتنياهو، بحسب دوائر إسرائيلية، متحمساً لترامب كما كان قبل ثلاثة أشهر.
واستبق ترامب زيارته إلى المنطقة، بتثبيت خطط الولايات المتحدة العسكرية وإيضاح مقاربتها السياسية لملفات المنطقة الساخنة، والتي تتضمن تعاوناً أكبر مع القوى الإقليمية والدولية، وتحمّل حلفاء الولايات المتحدة أعباء عسكرية ومالية أكبر، امتداداً لما وعد به في حملته الانتخابية لتجنّب ما يعتبره "استغلالاً" للولايات المتحدة.
ويحاول ترامب توسيع الدور التركي في معارك استعادة الرقة، في الوقت الذي لن تتخلى فيه أميركا عن حليفها الكردي. كما أن واشنطن تسعى إلى دعم الخليج في اليمن، مقابل شراكة اقتصادية أكبر، وصفقات تسلح، وتعاون خليجي أوسع في محاربة الإرهاب والتطرف.