بعض المسلمين قلقون، في ظلّ تصنيف اليمين المتطرف لهم في خانة واحدة مع "الإرهاب" من جهة، كما يخشى الألمان تنفيذ "المتطرفين" اعتداءات على أراضيهم، من جهة أخرى. وعلى الرغم من سياسة "غض النظر" التي كانت تمارسها ألمانيا قبل ذلك، تجاه "الاسلاموفوبيا"، فقد برزت في الأسبوعين الأخيرين، دعوات رافضة للعداء من قبل عدد من المسؤولين، كما يؤدي الاعلام الألماني دوراً مهماً في هذا الاطار، ويترافق ذلك مع إجراءات أمنية وسياسية مشددة.
وكان قد شهد العام 2014 اعتداءات على عدد من المسلمين، لم يلقَ الضوء عليها بشكل كبير، وسُجّل مقتل لاجئ من الجنسية الأريترية طعناً بالسكاكين يوم الثلاثاء، في جريمة يُعتقد بأنها تمّت بدوافع عنصرية. وقد خرجت تظاهرة في مدينة دريسدن، معقل "بيغيدا"، للتنديد بالجريمة ومطالبة الأجهزة الأمنية بتكثيف التحقيقات للكشف عن المرتكبين.
وتظهر أرقام ما يُعرف بـ"هيئة حماية الدستور" في ألمانيا، وقوع خمسة آلاف و239 اعتداء لليمين المتطرف خلال العام 2014. كذلك، أظهرت أرقام المجلس الاتحادي (البوندستاغ)، أن 30 ألف ناشط يميني متطرف، شاركوا في تظاهرات مختلفة العام الفائت في ألمانيا، ولذلك تم تخصيص ميزانية إضافية تُقدّر بنحو 34.74 مليون دولار لعام 2015 للهيئات المعنية، من أجل منع أي أعمال عنف يمينية متطرفة.
وقد اتخذت الحكومة الألمانية، الأربعاء 14 يناير/كانون الثاني الحالي، قرارات بتشديد حظر السفر على متطرفين معروفين، لمنعهم من التوجه إلى مناطق النزاع مثل سورية والعراق. وكان الإجراء من ضمن الخطط التي وُضعت مسبقاً، والتي تعتزم حكومة المستشارة أنجيلا ميركل تمريرها بسرعة عبر البرلمان خلال الأسابيع المقبلة.
مع العلم أن السلطات الألمانية تستطيع حالياً مصادرة جوازات سفر الأشخاص، الذين يُعرّف عنهم بأنهم "جهاديون"، وستتمكن بموجب القانون الجديد، من سحب هوياتهم الشخصية، التي يمكنهم استخدامها للسفر إلى تركيا، وداخل دول فضاء "شينغين". وسيتم منح المشتبه بهم بطاقات هوية بديلة، مدتها 18 شهراً، وتحمل ختماً بلغات عدة، تُحظّر عليهم السفر.
وكان قد تبيّن نتيجة تبادل المعلومات بين أجهزة الاستخبارات الغربية والأميركية، أن "هناك خشية من وجود مخطط لتنفيذ أعمال ارهابية على الأراضي الألمانية، بواسطة جهاديين غادروا برلين للقتال إلى جانب الجماعات المتطرفة في سورية والعراق". وتشير المعلومات إلى أن عدداً منهم قد عاد، ومن المحتمل أن يُقدم على تنفيذ اعتداءات في البلاد.
وبعدما كانت أجهزة الاستخبارات الأجنبية قد زوّدت برلين بمعلومات تفيد بأن التظاهرات الأسبوعية التي تنظمها حركة "بيغيدا" المناهضة للإسلام، يُمكن أن تكون هدفاً لهجمات الجهاديين، ألغت الحركة تظاهرتها الأسبوعية، التي كانت مقررة يوم الاثنين، واستعاضت عنها بمؤتمر صحافي، أكدت فيه على المضي في التظاهر، في موازاة فتح حوار مع الأحزاب السياسية والصحافة. ويرى العديد من المراقبين، أن وسائل الاعلام، بكل أشكالها، ساهمت في زيادة الخوف لدى المسلمين، ما دفعهم إلى التعاطي بحذر، أو ابداء نظرة تشاؤمية، عن الحال الذي يسود الواقع حالياً في البلاد.
وفي حين يميل المجتمع الألماني إلى اعتبار أن "الإسلام يمثل الصورة النمطية السلبية، والخوف منه أصبح أكثر وضوحاً"، تؤكد المواقف الرسمية أن "السلطات السياسية والقضائية والأمنية في حالة حرب ضد الإرهاب والتطرف والراديكالية، وليس في حالة حرب ضد الاسلام والمسلمين".
في الواقع، إن تعامل الدولة الألمانية مع المسلمين يعكس إلى حدّ كبير هذا التوجه. فلا تُميّز برلين بين المحجبات وغيرهن، وتسمح للطلاب المسلمين بالتغيّب عن المدرسة، من دون عذر في عيدي الفطر والأضحى. وهو أمر بدأ البعض ينتقده، معتبراً أنه "على المسلمين الذي اختاروا العيش في هذا البلد، التأقلم مع تقاليده وعاداته، لا العكس، وأن المسيحيين قادرون على الاندماج في المجتمع أكثر من هؤلاء".
ويعبّر عدد من المهتمين بشؤون الجالية الإسلامية، عن هاجس الخوف الذي ينتابهم، لا سيما في الفترة الأخيرة، آملين ألا يعيشوا التجربة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، عبر تشديد الاجراءات الأمنية والتضييق على مصالح وأعمال وتحرّكات المسلمين في المرافق العامة أو الدوائر الرسمية.
ويشدد المعنيون على أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الأغلبية المعتدلة من المسلمين، والتي تعيش حياتها بشكل طبيعي كأي شخص آخر في ألمانيا، للتأكيد على أن "الإسلام جزء من البلاد منذ فترة طويلة، ويعيش المسلمون إيمانهم وثقافتهم الدينية بحرية، من دون خوف من القيم الغربية".
وهو ما يؤكد عليه كذلك ممثلو "الاسلام المعتدل" ويحاولون العمل على تكريسه، لكنهم يعتبرون في الوقت عينه أنّ "التعرّض للمقدسات الدينية، من شأنه أن يؤدي الى ردة فعل عكسية في صفوف حتى من هم مسلمون معتدلون، كما حصل عند نشر رسوم شارلي إيبدو".
ويركز البعض على "أهمية دور أئمة المساجد والجمعيات الإسلامية، البارزة في ألمانيا، من اجل احتضان الشباب المسلمين الألمان، لا سيما الذين غادروا ألمانيا وتتوقع عودتهم، على أن يتمّ ذلك بالتعاون مع السلطات الرسمية، خصوصاً الذين لم يثبت انهم قاموا بأي عمل خطر أو شاركوا في المعارك. وذلك من أجل اعادة تأهيلهم ليعودوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية".