حديقة الرباط تحمي "وحيش" أفريقيا

10 اغسطس 2014
+ الخط -
وقف عشرات الأطفال وملامح وجوههم تُبدي الإعجاب والدهشة أمام أحد العاملين في حديقة الحيوانات في الرباط شمالي المغرب، وهو يطعم قردة الشامبانزي. وبعد انتهائه انتقل مبارك زروال، وهو معالج متمرّس، إلى مكان تواجد الفهود، لإطعامها هي الأخرى، فيما لحق به فضول الأطفال. 

زروال، الذي تجاوزت خبرته في العناية بالحيوانات ثلاثين عاماً، كان يتودّد إلى القردة، ويستجيب إلى فضول الأطفال والحاضرين، لمعرفة التفاصيل المرتبطة بتغذية الشامبانزي وسلوكه أمام من يقترب منه من رواد الحديقة.

يقول زروال لوكالة الأناضول "الشامبانزي هو الحيوان المفضّل لديّ. فإذا مرض أتعبُ نفسيًا. فأنا أحبّ أن أراهم دائمًا في صحة جيدة لأسعد معهم". هو الذي يحرص على العناية بالنظام الغذائي للفهود أيضا "فهي حسّاسة جدًاً وتمرض بسرعة، ولكلّ فهد حصّة 800 جرام يوميًا من اللحوم. إذا تجاوز هذه الكمية وازداد وزنه قد يعاني مشاكل في التوالد".

والفهود من الحيوانات المهدّدة بالانقراض، وتم إحضارها من دولة الإمارات بناءً على اتفاقية شراكة وتعاون بين حديقة الرباط وحديقة دبي.  

هناء السلاوي، وهي مدرّسة ترافق الأطفال، قالت إنّ "هذه هي الزيارة السادسة لنا مع الأطفال، ونقوم بتنظيم رحلات إلى الحديقة لتمكين الأطفال من التعرّف إلى مختلف الحيوانات، واستكشاف فضاء عيشهم وقضاء يوم ممتع خارج الفصل الدراسي". كلام يؤكّده التلميذ نوفل التيجاني بقوله "أنا سعيد بتواجدي للمرّة الأولى أمام حيوانات كنتُ أحبّ دائمًا أن أكتشف كيف تأكل، وكيف تعيش، كالأسود والفِيَلة والفهود والقرود".


تلعب الحديقة دورًا حيويًا في التوعية عن أهمّية الحفاظ على التنوّع البيئي والبيولوجي والحيواني في المغرب، بحسب مديرة الإستراتيجية والتسيير المالي والإداري بالحديقة سلمى السليماني "أهداف إنشاء هذه الحديقة هي الترفيه إلى جانب التربية البيئية والتوعية بأهمية الوحيش". (الوحيش في اللغة هو ما لا يُستأنَس من دواب البرّ، أي غير الأليف). وتتابع "لدينا برامج بحث علمي حول أصناف مغربية مهدّدة بالانقراض. وقد اخترنا حيوانات من أصل أفريقي عموما، ومن أصل مغربي خصوصا، مثل أسد الأطلس والأروي والقردة، لتقديم منظومات تتلاءم والسياق المناخي في المغرب". 

كما أغنت حديقة الحيوان الوطنية مجموعتها من الأصناف الحيوانية بحصولها على ثلاثة فهود وثلاثة من البجّ أو القط الأنمر (من فصيلة السنوريات) من حديقة حيوان العين في دولة الإمارات العربية المتحدة. ويُعدّ استقدام هذه الحيوانات جزءًا من برنامج تبادل بين الحديقتين المغربية والإماراتية، بحسب السليماني.

كما استقبلت الحديقة ثلاثة من وحيد القرن، وأربع زرافات من جنوب أفريقيا، وستة من الليمور وخمسة من السرقاط من حديقة حيوان بلنسيا (إسبانيا)، واثنين من الحمير الوحشية واثنين من ظباء الماء من حديقة حيوان هانوفر.

وبحسب سلمى السليماني تضم الحديقة اليوم 1500 عيّنة تمثل 123 نوعاً حيوانياً، موزّعة على خمس فضاءات هي: "فضاء جبال الأطلس" ويضمّ أسد الأطلس وقرد المكاك، و"فضاء الصحراء" الذي يضم الفهود ووحيد القرن والظباء، والغزلان، والمها، والنعام، و"فضاء الغابة الاستوائية" حيث نجد القرود والطيور والزرافة والفيل. بالإضافة إلى "فضاء المناطق الرطبة" حيث التمساح وفرس النهر، وقرية الزوار، و"فضاء الضيعة التعليمية" ويضم رسومًا توضيحية حول أصناف الحيوانات، وظروف عيشها، وتفاصيل سلسلتها الغذائية، وأماكن تواجدها.

وعن أعداد أسد الأطلس الموجودة في الحديقة تقول مديرة التسويق والتواصل في الحديقة منال غوات "لدينا 38 من أسود الأطلس التي تعود في الأصل إلى السلطان محمد الخامس ملك المغرب، الذي كان يحتفظ ببعضها في حديقته الخاصة، والتي وصلته كهدايا من رؤساء القبائل المغربية كرمز للبيعة". 

وكان قد أعلن رسميًا في عام 1992 عن انقراض هذه الفصيلة من الأسود، إلا أنّ المغرب ما زال يربّي نصف العدد المتبقّي منها في العالم، الموزّع بين حدائق الحيوانات في المغرب وفي أوروبا. وترجع أسباب انقراضه إلى "التراجع الكبير الذي عرفه غطاء الغابات في المغرب، وإلى استهدافه من طرف الصيّادين طمعا في فروه أو لمجرّد المتعة"، بحسب غوات.

وفي ما يخص الهندسة المعمارية للحديقة، فقد صُمِّمَت بهدف خلق فضاء مفتوح شبيه بالفضاء الطبيعي حيث تعيش الحيوانات، وتسمح المنظومات الإيكولوجية المعتمدة في الحديقة بخلق بيئة شبيهة بالموطن الأصلي للحيوانات في البرية.

وتم بناء كهوف ومغارات بطريقة هندسية ملفتة تسمح للزوّار بمعاينة هذه الحيوانات في مواطنها، وهي تتنقّل بكلّ حرية في فضاءات تراعي شروط الأمن والسلامة. وكلّ حيوان يملك بطاقة تقنية تحدّد اسمه وأماكن تواجده ومتوسّط عمره ووزنه.

تمتدّ الحديقة على مساحة خمسين هكتارًا (الهكتار يعادل عشرة آلاف متر مربع)، استقطبت منذ افتتاحها في تسعة يناير/كانون الثاني 2012 أكثر من مليون ونصف المليون زائر من مغاربة وأجانب، وهي بذلك تساهم في نشر الثقافة والتوعية بأهمية البيئة لدى عموم الزوار، خصوصا الأطفال. 

دلالات
المساهمون