لم يكن في نيتي أبداً أن أشارك هوميروس قهوته الصباحية في مدينة أثينا اليونانية صباح اليوم، الصدفة فقط جمعتني به.
بينما كنتُ أصوّر بعض اللقطات السينمائية قريباً من الأكروبوليس، ظهر لي رجلٌ مهيبٌ كجميع الذين يظهرون من التاريخ، نظر معي من شاشة الكاميرا نحو الأعمدة الحجرية المتهدمة بعد أن أمسك بيدي محاولاً فتح عينيه، ثم أبدى أسفه متحسراً ودعاني إلى المسير معه.
كنت قد عزمتُ على تصوير فيلم سينمائي، عن الشباب السوريين الذين يفدون إلى اليونان، في سبيل اللجوء من خلالها للقارة الأوربية هرباً من أتون الحرب المستعرة في بلادهم.
سمع هوميروس مني كل ذلك ولم ينبسْ ببنت شفة حول الموضوع، لكنه قال لي: أرجو أن تقرأ كتابي "الإلياذة" فقد سطرتُ فيها الكثير من مآسي الحروب حين رصدت حرب طروادة. هل سمعت بالحصان الخشبيّ؟
قلتُ: طبعاً، لقد سمعتُ به وقرأتُ عنه كثيراً، وقد صُنِعت الكثير من الأفلام السينمائية حول هذه الحرب وهذا الحصان. حصان طروادة بات مثالاً يطبق ولكن بدون خشب ومسامير، لقد تحوّل إلى شعارات وحيل ومؤتمرات، فلكلّ زمن أحصنته.
وحين توقّفنا تحت شجرة زيتون عتيقة أخبرني أنها الشجرة التي قبلها أهل المدينة العريقة كهدية تعبر عن السلام والازدهار من ربتهم الجميلة أثينا حين تنافستُ مع رب البحار بوسيدون على منح أحد اسميهما للمدينة، وقد انتصرت حينها شجرة الزيتون على نبع المياه المالحة الذي قدمه بوسيدون كهدية حين ضرب الأرض برمحه.
قال هوميروس مختتماً: حاول أنْ تلتقط صوراً للبحار اليونانية وأن تقرأ السلام عليها، على بوسيدون أن يهدئ من غضبه كلّما لاح له مركب مسكين يرتحل عبر البحر طالباً الأمان في بلادنا.
سألته: ولكنني كنت أعتقد أنك شيخ ضرير؟
قال وهو يمشي مبتعداً: الأعمى يرى ما تمسكه يداه.
* مخرج من سوريا