27 سبتمبر 2019
حدود سورية لبنانية
غادرت اللاذقية إلى باريس، وقلبي على كفي، لا أعرف، مثل كل السوريين، كيف سيكون الوضع عند حدود العريضة، وهي الحدود الساحلية بين سورية ولبنان، أي اللاذقية – طرطوس – طرابلس – بيروت. قبل سفري بأسابيع، كانت الحدود شبه مُغلقة بالكامل، لم يتمكن مئات السوريين المسافرين عن طريقها من العبور. وانتظروا أكثر من 12 ساعة، من دون أن يعرفوا سبب هذا السلوك، وفات بعضهم موعد الطيران، إذ تتم معظم الرحلات خارج سورية عبر مطار رفيق الحريري في بيروت، وحول بعضهم طريق سفره من حدود العريضة إلى حدود الدبوسية (بين حمص ولبنان) أو حدود المصنع (بين دمشق ولبنان). لم نفهم مغزى هذا الإجراء، ولم نعرف إن كان قرارا من السلطات السورية أم اللبنانية، أم، وهو الأرجح، تنسيق بينهما. ولم نفهم أيضا لماذا فجأة (ومن سوء حظي)، اتخذ قرار بتاريخ 6 يونيو/ حزيران بفتح حدود العريضة تماما، بحيث عبرت الحدود خلال عشر دقائق فقط، بدل الانتظار 12 ساعة، أو الرجوع إلى اللاذقية، كما حصل مع تعساء الحظ قبل هذا القرار. لا نفهم سبب اتخاذ أي قرار في سورية، وخصوصا سبب تقنين ساعات الكهرباء بمدة محددة وتختلف من حي إلى آخر. ولا لماذا تُغلق فجأة حدود العريضة إغلاقاً تاماً أسابيع، ويتمرمر المُسافر من القلق والانتظار، ولا يعرف هل سيكون له الحظ بعبور الحدود وكم ساعة سينتظر، أم سيعود أدراجه إلى بيته خاسراً السفر والمال.
عندما يكون الغضب السوري اللبناني ساطعاً، لا نجد إلا موظفاً واحداً عند الحدود اللبنانية، ويُمارس عمله بضجر وتجهّم، وكأنه لا يطيق دخول السوري إلى لبنان. أما عندما يتغير مزاج العلاقات السورية اللبنانية نجد أكثر من سبعة موظفين لبنانيين على الحدود، يُسيرون سفر المواطن السوري، ويُرحبون به.
ما أشعرني بألم المهانة والخزي أن الفساد في أوجه طوال الطريق من اللاذقية، مُروراً بكل الحواجز المُتنوعة من جمارك أو لجان شعبية أو من الجيش العربي السوري أو من جهاتٍ جديدةٍ، ابتكروا لها أسماء، لتمارس عملها الرئيسي في فرض الرشوة التي تختلف من حاجز إلى آخر، حسب أهميته من السائق، وبالتالي الراكب، حتى أصبح الفساد كأنه قانون يضطر السوري لقبوله أمراً لا مفر منه. ومن لا يدفع رشوةً لأحد الحواجز التي تعادل نحو عشرة حواجز بين اللاذقية مروراً ببانياس وطرطوس حتى حدود العريضة، يفبركون له تهمةً أو مخالفة، حتى يضطر لدفع ما عليه من أتاوة أو رشوة.
الفساد أكثر ما يتجلى على الحدود، وأكثر إيلاماً ووقاحة على الحدود، لأن المواطن يشعر أن الجهات الأمنية، بتنوعاتها، والتي يُفترض أنها تحميه، تنهبه. وأصبح القاسم المشترك في أحاديث المواطنين السوريين هو التحدّث عن أشكال الفساد في كل مؤسسات الدولة، وعن أثرياء الحرب، وخصوصا الضباط الذين يقبضون مبالغ طائلة، من أجل فرز جندي إلى منطقة معينة، أو إبقائه في مدينته، أو المكان الذي يطلبه. لم يعد السوري يشعر بأدنى حد من كرامته بوصفه مواطنا. وما يتحمله من الانهيار الاقتصادي وقسوة العيش يفوق التصوّر، تجار الدولار واليورو يجمعون الملايين في عملهم بالخفاء، وتحت وصاية مسؤولين كبار في الدولة ومباركة منهم. ومن حين إلى آخر، يوضع أحد هؤلاء التجار في السجن كبش فداء، كما لو أن الدولة تحارب الفساد والفاسدين، لكن هؤلاء يخرجون بعد أشهر قليلة، ليمارسوا عملهم نفسه في تجارة العملة سراً، وبمباركة من أسياده الذين سجنوه، كي ينطلي سيناريو محاربة الفساد على المواطن السوري الذي ما عاد يُصدق أحداً، والذي لم يعد لديه شعار يؤمن به سوى: يا الله، ما إلنا غيرك، يا الله.
عندما يكون الغضب السوري اللبناني ساطعاً، لا نجد إلا موظفاً واحداً عند الحدود اللبنانية، ويُمارس عمله بضجر وتجهّم، وكأنه لا يطيق دخول السوري إلى لبنان. أما عندما يتغير مزاج العلاقات السورية اللبنانية نجد أكثر من سبعة موظفين لبنانيين على الحدود، يُسيرون سفر المواطن السوري، ويُرحبون به.
ما أشعرني بألم المهانة والخزي أن الفساد في أوجه طوال الطريق من اللاذقية، مُروراً بكل الحواجز المُتنوعة من جمارك أو لجان شعبية أو من الجيش العربي السوري أو من جهاتٍ جديدةٍ، ابتكروا لها أسماء، لتمارس عملها الرئيسي في فرض الرشوة التي تختلف من حاجز إلى آخر، حسب أهميته من السائق، وبالتالي الراكب، حتى أصبح الفساد كأنه قانون يضطر السوري لقبوله أمراً لا مفر منه. ومن لا يدفع رشوةً لأحد الحواجز التي تعادل نحو عشرة حواجز بين اللاذقية مروراً ببانياس وطرطوس حتى حدود العريضة، يفبركون له تهمةً أو مخالفة، حتى يضطر لدفع ما عليه من أتاوة أو رشوة.
الفساد أكثر ما يتجلى على الحدود، وأكثر إيلاماً ووقاحة على الحدود، لأن المواطن يشعر أن الجهات الأمنية، بتنوعاتها، والتي يُفترض أنها تحميه، تنهبه. وأصبح القاسم المشترك في أحاديث المواطنين السوريين هو التحدّث عن أشكال الفساد في كل مؤسسات الدولة، وعن أثرياء الحرب، وخصوصا الضباط الذين يقبضون مبالغ طائلة، من أجل فرز جندي إلى منطقة معينة، أو إبقائه في مدينته، أو المكان الذي يطلبه. لم يعد السوري يشعر بأدنى حد من كرامته بوصفه مواطنا. وما يتحمله من الانهيار الاقتصادي وقسوة العيش يفوق التصوّر، تجار الدولار واليورو يجمعون الملايين في عملهم بالخفاء، وتحت وصاية مسؤولين كبار في الدولة ومباركة منهم. ومن حين إلى آخر، يوضع أحد هؤلاء التجار في السجن كبش فداء، كما لو أن الدولة تحارب الفساد والفاسدين، لكن هؤلاء يخرجون بعد أشهر قليلة، ليمارسوا عملهم نفسه في تجارة العملة سراً، وبمباركة من أسياده الذين سجنوه، كي ينطلي سيناريو محاربة الفساد على المواطن السوري الذي ما عاد يُصدق أحداً، والذي لم يعد لديه شعار يؤمن به سوى: يا الله، ما إلنا غيرك، يا الله.