حدث في نوفمبر!

30 نوفمبر 2015
لوحة لفنانة الفرنسية إيزي أوكوا (Getty)
+ الخط -
يؤكد الكاتب الصديق، محمود شقير، في مجرى الحوار المنشور معه هنا، أن ممارسته الكتابة الأدبية لم تبدأ من التحدّي الذي بات الجدار الفاصل بما يتسم به من عنصرية ومن تشديد للحصار يفرضه على مدينة القدس وعلى أهلها، بل ابتدأت منذ ابتلينا بهزيمة يونيو/ حزيران 1967، وحتى قبلها بسنوات على أثر النكبة الكبرى التي وقعت في العام 1948، ذلك لأن الكتابة التي تنشُد العدل وتسعى إلى الأجمل والأكمل والأنقى، لا يمكنها أن تتعايش مع هذا الخنق المقصود لمقومات الحياة الكريمة، وللحرية التي لا يمكن لأي كائن بشري يحترم نفسه أن يحيا من دونها. 

وبقدر ما يشي توكيده هذا بما يمكن اعتباره "إعلان نوايا" من طرف هذا الكاتب المتألق، فإنه يؤطر الكتابة الأدبية الفلسطينية بمعظمها في الماضي والحاضر.
إن المتابع لهذه الكتابة لا بُدّ من أن يستخلص بادئ ذي بدء أن أغلب نصوصها تتخذ من الأحداث التاريخية موضوعات شتى وأماكن متعدّدة وشخوصًا كثيرة، لكن في الوقت عينه تنأى بنفسها عن إغراء المادة التاريخية الجافّـة، ويظل الخيال فيها ممتزجًا بالواقع.

اقرأ أيضًا: قوة اللغة

وبذا تقدّم مساهمتها الخاصة في مقاربة السؤال الأزليّ عن الأدب ودوره وتأثيره في السرد والذاكرة من جهة، ومن جهة أخرى تقترح مساهمتها في استجلاء قدرة الأدب على خلق واقع مُوازٍ للوقائع التاريخيّة، حتى وإن تغذّى منها فإنه يتمرّد عليها عبر إعمال الذهن في طرح أسئلة في مجالات عديدة، جماليّة وسياسيةّ واجتماعيّة.

تشكّل الأحداث التاريخية مادّة ثرّة للكتابة الأدبية الفلسطينية. فهي تحتوي على وقائع من الصعب حصرها، "تصلح" كل واقعة منها لتأطير نص أدبي بعينه، شأنها شأن الأمكنة، التي قد تُغني النصوص بما يعنيه كل مكان من هوية وانتماء، وفقًا لما يقوله شقير ويعيده.
وقائع تمتد زمانيًا على جميع أشهر السنة، وعلى مدار كل السنوات المنقضية منذ بدء الصراع على أرض فلسطين.

وأنا أكتب هذه الكلمات لم أستطع التحرّر من إغراء الوقائع، التي شهدها شهر واحد هو نوفمبر/ تشرين الثاني الذي طوينا صفحته لسنتنا الحالية بالأمس.

اقرأ أيضًا: تدريب العين أخلاقيًا

فمثل هذا الشهر بدأ - في 2 منه سنة 1917- بـ"وعد بلفور" ، الذي كان مغزاه الحقيقي تثبيت فكرة "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين على الساحة الدولية لأول مرة.
وانتهى ذلك الشهر بقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة في الأمم المتحدة، (القرار رقم 181)، في مثل يوم أول من أمس قبل 68 عاماً بالضبط (سنة 1947).

وما بين بداية نوفمبر ونهايته، وقعت في سنوات ماضية أحداث تاريخية أخرى، كل واحد منها كان بحدّ ذاته بمثابة مفصل أثر في القضية الفلسطينية، لعلّ أبرزها ما يلي:
- في 4 نوفمبر 1995 اغتيل رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاق رابين، وكان اغتياله بمنزلة مؤشر إلى أن ما سُميّ في حينه بـ"عملية السلام" كانت مجرّد مرحلة استثنائية وخارجة عن المألوف في تاريخ "الدولة العبرية" والمشروع الصهيوني.

- في 15 نوفمبر 1988 قرّر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته المنعقدة في الجزائر التخلّي عن فكرة الدولة على كل أرض فلسطين وتبنّي "فكرة الدولتين".
- في 19 نوفمبر 1977 هبطت في إسرائيل طائرة الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، وبدأت العملية التي أدت إلى اتفاق السلام المنفرد مع مصر، وخروج هذه الأخيرة من صف التضامن العربي.

- في 22 نوفمبر 1967 اتخذ مجلس الأمن في الأمم المتحدة القرار رقم 242 في أعقاب هزيمة يونيو/حزيران تلك السنة، وثبّت فكرة "الأرض مقابل السلام" على أساس خطوط 1967.

فبأي واقعة يمكن تخصيص شهر نوفمبر للسنة الحالية؟
برأيي، يمكن تخصيصه بتكثيف وقائع التفكير في مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، كما دلّ على ذلك مؤتمران متميزان عقدا لهذا الغرض تحديداً خلاله، الأول في بير زيت والناصرة، والثاني في الدوحة.
وفي هذا المؤتمر الأخير الذي افتتح بمحاضرة فكرية، قدمها الدكتور عزمي بشارة، ستبقى تتردّد من محاضرته هذه أصداء الكلمات التالية:
"أثبت انفجار الغضب الفلسطيني مؤخرًا أنّ جيل ما بعد أوسلو الفلسطيني لم يصبح جيلًا متقبّلًا أوضاع ما بعد أوسلو، وما زال يحلم بزوال الاحتلال، ويعدّ الشعب الفلسطيني شعبًا واحدًا، ولم تنطفئ فيه جذوة النضال. وبمنظور تاريخي، ما زالت الاستمرارية التاريخية للقضية الفلسطينيّة العادلة تتجلى في أنّ كلّ جيل فلسطيني يبدع وسائل نضاله، وانتفاضته، إذا شئتم. ولا يقبل أيّ جيل فلسطيني أن يمرّ في هذا العالم مثل سحابة جافّة، دون أن يروي هذه الأرض، ودون أن يترك بصمته في رفض الاحتلال على أرض فلسطين".
المساهمون