"لا حياة في هذه الحديقة. الأطفال لا يأتون إليها. بائعو الحلوى أيضاً. لم يعد العشاق يقصدونها للقاء بعضهم البعض. سكونها قاتل. لا يجلس أحد على مقاعدها الخشبية بعدما غدا من اعتادوا المجيء إليها تحت التراب". هكذا تصف حنان فضل الله حديقة المعري الواقعة في حيها في مدينة حلب، بعدما تحولت إلى إحدى أكبر المدافن في المدينة.
في السياق، يقول جورج عيدو إن "الحديقة تضم نحو 600 قبر، وقد بدأ الدفن فيها منذ نحو سنتين"، لافتاً إلى أن "الناس في أمسّ الحاجة إلى حدائق. لكنها باتت مهجورة اليوم، لا يرتادها إلا من أراد زيارة قبر أحدهم".
من جهته، يشيرُ المهندس المدني عثمان الأخرس إلى أن "معظم الحدائق في حلب تحولت إلى مدافن. حتى أن البلدية وافقت على تحويل بعضها إلى مقابر نظامية مؤقتة، على غرار حدائق المعري والخالدية وحلب الجديدة. وتبلغ كلفة القبر فيها نحو 50 ألف ليرة". يضيف أن الناس يضطرون إلى الدفن في حدائق أخرى أو المساحات الخضراء المهملة بين الأحياء، إذ لا تتجاوز كلفة القبر عشرة آلاف ليرة سورية. أيضاً، يلفت إلى أن "إحدى المقابر المسيحية القديمة في المدينة باتت مقبرة مشتركة، وتم تخصيص جزء منها لدفن المسلمين".
يوضح الأخرس أن "معظم المقابر النظامية السابقة موجودة في أطراف المدينة. ومع بدء المعارك وتقاسم الأحياء، باتت جميعها ضمن المناطق المحررة، وأصبح صعباً على سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام نقل موتاهم إليها، بسبب بعدها وكلفة النقل العالية والإجراءات الأمنية". يضيف "معظم هذه المقابر مؤقتة، ويمكن نقل رفات الموتى في المستقبل. لكن في الوقت الحالي، ولأن الحرب لم تنته بعد، سنظل نخسر ما بقي من الحياة".
تحوّل الحدائق العامة إلى مقابر لا يقتصر على مدينة حلب وحدها، بل يمتد إلى عدد من المدن السورية التي عاشت حصاراً أو تقاسمتها الأطراف المتحاربة، كحديقة الأطفال في دير الزور وحدائق الخالدية في مدينة حمص.
في المقابل، يصرّ البعض على دفن موتاهم في مدافن العائلة في ريف المدينة. يقول أبو سمير: "تطلّب الأمر ثلاثة أيام لتحضير الأوراق اللازمة كي نستطيع إخراج جثمان أخي من المدينة. قمنا أولاً بإصدار شهادة وفاة، ثم الحصول على تقرير طبي يوضح أسباب الوفاة، وتقديمه للجهات الأمنية للحصول على موافقة نقل الجثمان وإذن عبور للمرافقين له". يتابع "كان علينا تقديم هذه الموافقة لجميع الحواجز المتواجدة على الطريق، والذين قاموا بفحص الجثمان ومساءلتنا عن أسباب وفاته والمدفن، ووصلنا بعد 18 ساعة، واضطررنا إلى دفنه في الليل".
أما أبو قاسم، فيشتكي من تعقيدات الحصول على شهادة وفاة. يقول: "أخيراً، تم منع الأطباء من منح شهادات الوفاة. ولأسباب أمنية بات الحصول عليها محصوراً في المستشفيات الحكومية التابعة للنظام". يتابع "توفي والداي تحت القصف ودُفنا على عجل، ولم أستطع حتى الآن الحصول على الأوراق الرسمية لإثبات الأمر تجنباً للمساءلة والتحقيق".
في السياق، يشيرُ صاحب أحد محال بيع الأزهار عبد الحميد الآغا إلى أن "إقامة المآتم الكبيرة بات أمراً نادراً جداً في سورية، ويقتصر الخروج في جنازة على العشرات. كذلك، ينحصر أداء واجب العزاء بالأقارب المحيطين وبعض الجيران". يعزو الأسباب إلى "عبء التكاليف على ذوي الفقيد"، لافتاً إلى أنه من الصعب جداً أن يجتمع أفراد العائلة في بيت العزاء بسبب صعوبة السفر إلى سورية أو التنقل بين المدن. بالتالي يجد الناس أن تكبد عناء ومخاطر السفر من أجل أداء واجب العزاء أمر غير منطقي. يضيف: "باتت أعداد المتوفين والشهداء كبيرة. اعتاد الناس أخبار الموت حتى بات فقدان أحد المعارف أو الأقارب أمراً شبه طبيعي لا يمكن التوقف كثيراً عنده في ظل هذه الظروف الصعبة".
مشروع للعناية بالأطفال
أخيراً، أطلقت منظمة "سيريا ريليف" مشروعاً في مدينة حلب يهدف إلى العناية بالأطفال المتضررين نفسياً من الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وأقامت المنظمة أربعة مراكز يستوعب كل منها نحو 500 طفل، ويديرها مشرف، بالتعاون مع مرشد نفسي، بالإضافة إلى ستة ناشطين وإداريين. يتألف المركز من ثلاث قاعات للنشاطات الترفيهية وتقديم عروض للأطفال بغية توعيتهم.