حتى يكون للانتخابات معنى

19 سبتمبر 2016
+ الخط -
يستعد المغرب لإجراء ثاني انتخابات تشريعية بعد إقرار دستور سنة 2011، وذلك يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وسط اهتمام سياسي وإعلامي غير مسبوق، بالنظر لطبيعة الاستحقاق المقبل الذي قد يعيد حزب الأصالة والمعاصرة إلى المقدمة والواجهة، بعد تراجع قصير في سياق الحراك الذي شهده المغرب سنة 2011، ما يعني عودة حزب العدالة والتنمية مرغماً إلى مواقع المعارضة، بعد تجربة قيل بشأنها الكثير.
لكن، من جهة أخرى، هل يعبر فعلاً هذا الحراك السياسي والإعلامي الذي تستعمل فيه كل وسائل الاستقطاب والدعاية حقيقة عن واقع سياسي جديد ومتقدم؟ خصوصاً، وأنّ الحزب الذي قاد الحكومة في السنوات الخمس الفائتة جاء من المعارضة المؤسساتية، فالمتأمل في المشهد يتضح له أن لا تغيير حدث، فالوضع الذي يعيشه المغرب شبيه بما كان عليه الأمر قبيل سنة 2011، باستثناء دور حزب العدالة والتنمية الذي كان في المعارضة، واليوم يمثل دور الحكومة .
لذلك، ولتكون انتخابات مختلفة عن سابقاتها، ولها معنى وطعم سياسيان، لا بد من تأجيل استحقاق 7 أكتوبر، والعمل على تحقيق ما يلي، وفي أقصى فترة ممكنة، لوضع أسس تنافس حقيقي، وبمشاركة مختلف المكوّنات المعتبرة الموجودة، أو التي تحاول الحضور في الساحة، لتوفير الحد الأدنى من النزاهة ومن مقوّمات انتخابات مشهود لها وسط مساحة واسعة من الطيف السياسي والمجتمعي الوطني .
أولى القرارات الجريئة التي قد تدخل المغرب من جديد إلى الدول المعتبرة ديمقراطياً، إيجاد تخريجة مناسبة سياسية أو قانونية للأحزاب الممنوعة، فلا يمكن الذهاب إلى استحقاق كهذا من دون جزء معتبر من أبناء هذا الوطن، وكيف يعقل، وفي ظلّ وثيقة أساسية جديدة، الاستمرار في منع من يريد تأسيس حزب فقط، لأن له رؤية معينة للسياسة العامة للدولة؟ إذن، أوّل إجراء استعجالي هو فتح الباب أمام الجميع ممن تأسست لديهم قناعة للتعبير السياسي، والمشاركة في المؤسسات المنتخبة والشعبية، ما داموا يحترمون الدستور والقوانين المعمول بها. وفي هذا الاتجاه، أصبحت مراجعة "قانون الأحزاب" ضرورة ملّحة، فالشروط القانونية الحالية لتأسيس حزب سياسي يمكن وصفها بالمجحفة، بل إنها قريبة من المنع، هدفها وضع أكبر قدر ممكن من الحواجز أمام الراغبين في التأسيس، لثنيهم عن نيتهم ومطمحهم، وهو أمر غير مفهوم، في ظلّ شعارات دولة الحق والقانون والدستور.
ثانيا، حل مشكلة الأحزاب الممنوعة، ومنحها حق الوجود القانوني، معناه تشجيع أطراف وتنظيمات عديدة خارج "اللعبة الحالية" على تأسيس الأحزاب السياسية، والمشاركة في العملية الانتخابية، وبالتالي، توسيع دائرة المشاركين والمصوّتين، ما يعني إعطاء قوة سياسية للعملية الانتخابية، أما استمرار منع كل هذه الأحزاب، فمعناه توسيع دائرة المقاطعين التي تقول كل المعطيات والأدلة إنّ الاستحقاق المقبل سيعرف إضافة جموع جديدة إلى زمرة المقاطعين لعمليةٍ تحتاج جرعاتٍ نوعيةً لتصل إلى المطلوب.
ثالثا، فتح وسائل الإعلام العمومية، خصوصاً التلفزيونية منها، أمام الجميع، للتعبير، وبكل حرية، عن رؤيته للإصلاح والتغيير، وعن مقترحاته لتطوير الحياة السياسية الوطنية، فلا يعقل أن يبقى الإعلام العمومي تحت وصاية جهة معينة؟ ويمر عبره فقط الشخصيات والتنظيمات المحظوظة والمقرّبة، ويكون التلفزيون من وسائل التلميع والإبراز لشخصيات مفصولة عن واقعها ومحيطها، وللتهميش أيضا، فإذا كنا نتحدّث عن شروط جديدة، وسياق جديد، فيجب القطع مع هذه الأساليب البالية .
رابعا، مراجعة جذرية للقوانين المتعلّقة بالانتخاب، والتخلّي عن أساليب التحكم القبلي في نتائج الانتخابات، بداية من التقطيع الانتخابي مروراً بنمط الاقتراع، وانتهاء بالعتبة... وغيرها من الوسائل "الفنية" لضبط بل وضع نتائج الاقتراع، حتى قبل أن يجرى، لنصل إلى مرحلة تكون من خلالها اللعبة مفتوحة.
من خلال الطريقة التي تذهب بها السلطات الماسكة بزمام الأمور إلى الانتخابات، يتضح أنّ محاولة التخلص من حزب العدالة والتنمية الهدف الأساسي لهذا الاستحقاق، بعد أن قضت الجهات المعنية أغراضها من جهة، وتراجع وهج الحراك، وإخلاء شوارع المغرب من الاحتجاجات من جهة ثانية، على الرغم من أنّ الحزب الذي يقود الحكومة مبدئيا لا يشكل أي خطر، بل بالعكس أصبح ناعماً مدافعا عن اختيارات الدولة وقراراتها، مبدعاً في إيجاد تخريجاتٍ مناسبةٍ لإقناع الفئات الشعبية التي لا زالت تثق في الحزب، وفي بعض قادته، والأوضح من هذا كله أن تصدّر حزب الأصالة والمعاصرة المشهد الانتخابي أصبحت مسألة وقت، وأنّ التراجع في سياق ربيع الأمة كان مجرد تكتيك في انتظار إخلاء الشارع واستقطاب أو استمالة رموزه، للعودة مجدداً إلى ما كان مخططاً له، حين خرج الحزب سنة 2009 للقيام بدور شبيه بأدوار لعبتها تجارب حزبية خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
عبد الله أفتات (المغرب)
عبد الله أفتات (المغرب)