حب الانتخابات وكره الديمقراطية

03 مايو 2015

احتفال للكتلة الإسلامية بفوزها في انتخابات جامعة بيرزيت (24أبريل/2015/Getty)

+ الخط -

لا تتوقف حركتا حماس وفتح عن الدعوة إلى إجراء الانتخابات، ويبدي كل من الحركتين استعدادا خطابيا فاقعا لها، مع تبادل اتهامات موسّع بينهما بالتسبب بتعطيل الانتخابات. وفي السياق، تبدو الانتخابات محكّا، يزعم كل فريق أنه سيؤكد الشرعية التي يمتلكها، مع ثقة مفرطة بالفوز. وتظل الانتخابات، مع هذا السجال الممجوج، تبدو وكأنها حل سحري أو نهاية مخاض طويل من المعاناة وفاتحة حقبة جديدة.

لا شك أن خطاب الدعوة للانتخابات والاستعداد لها، والثقة مما ستفرزه، هو خطاب إعلامي ويستهلك في المهاترات الإعلامية، من دون وجود ما يشير فعليا إلى أن الحركتين قادرتان على خوض معترك انتخابي حقيقي. ومراقبة الحالة في الضفة وغزة تسفر عن حقيقة الثقة المدعاة من الحركتين، حين تفشل فتح في انتخابات جامعة، على مرمى حجر من مقر المقاطعة، وتخاف حماس من إجراء انتخابات جامعات في غزةٍ، وتردّ عن نفسها تهمة عدم إجرائها، وتسوق مبررات لا يبدو أنها تقنع أحدا.

ويكشف هذا الواقع أن كل طرف يرغب بانتخابات في منطقة سيطرة غيره، تريد حماس كل أشكال الانتخابات في الضفة، مع تمهيد الأجواء لذلك، وتريدها فتح في غزة، وهذا منطق كاشف لحقيقة فهم العملية الانتخابية لدى الطرفين، كورقة مساومة ومناكفة إعلامية. ولعل أهم ما تنبغي ملاحظته، هنا، أن رفض الانتخابات على المستويات الجامعية أو المحلية، مع الإصرار عليها على مستوى البرلمان والرئاسة، يكشف فهم الفصيلين للانتخابات على أنها صراع على السلطة لا أكثر.

منذ عدة سنوات، ترتكب الحركتان خطيئة بحق عوام الفلسطينيين، وسط هذا السجال حول الانتخابات، وتتمثل في إشاعة آمال مفرطة، تصل حتى الزيف والأوهام، بأن الانتخابات يمكن أن تغير شيئا في حال الضفة وغزة، مع العلم أنها، ووفق تجربة انتخابات 2006، غير قادرة على الإتيان بأي واقع جديد، لا يرضي المنظومة الدولية والعربية، وإسرائيل طبعا. وهذا يعني أن يمضي الناس للانتخاب تحت تهديد تكرار تجربة 2006، بكل ما أفرزته من تعقيد للحالة الفلسطينية، وتحت شعور مطبق بأنهم غير أحرار في خياراتهم. بل ويصل الزيف الانتخابي حدا يجعل أطرافا فلسطينية، تتكئ على برنامج انتخابيّ، قوامه أنهم القادرون على التفاهم مع إسرائيل وتحصيل معيشة أفضل وفق شروطها.

يضاف إلى هذا الواقع، السلوكُ غير الديمقراطي الذي تنتهجه الحركتان في إدارة كل منهما مناطق سيطرته، بدءا من الاعتقال السياسي، وصولا إلى منع التظاهرات والتجمعات السلمية، إلا تحت رقابة وسيطرة وتوجيه من أجهزة الأمن أو التشكيلات المدنية التابعة للأمن، تحت مسميات مختلفة. هذا بالإضافة إلى الإقصاء الإعلامي للخصوم عن مؤسساتٍ، من المفترض أنها تابعة للسلطة، لا لأي من الحزبين. حتى تمكن ملاحظة أن واقع الضفة وغزة لا يختلف عن حال أي دولة عربية، في ظل نظام تسلطي، بل يبدو النظام التسلطي العربي متسقا مع نفسه، حين يمارس هذه الممارسات، أما أن تمارسها حركات تحرر وتحرير، فهذا يزيد المفارقة وضوحا. ما يعني أننا أمام حالة مستمرة من إهانة القيم الديمقراطية، مع إعلاء مستمر لقيمة الانتخابات، وهذه مغالطة غير مسبوقة.

كان ينبغي أن تشكل تجربة انتخابات 2006 حدثا فارقا في فهم الفلسطينيين المسار الديمقراطي في واقع كالموجود في الضفة وغزة وتحت احتلال، وفي ظل هيمنة دولية مجحفة بحق الفلسطينيين. وتؤكد تجربة الانتخابات في المحيط العربي في المرحلة الماضية حقيقة أن الانتخابات أشبه بشوط أخير، أو تتويج لمسار ديمقراطي، وليست مجمل المسار الديمقراطي والديمقراطية، بل يمكنها أن تكون تكريسا لحكم غير ديمقراطي، ومدا له بأسباب شرعيّة مخاتلة، أو بوابة مفتوحة على جحيم الانقسام داخل الوطن الواحد وتشتيته.

2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين