اليأس خيانة، عبارة سمعناها كثيراً وتكررت أمامنا في أكثر من مناسبة، وشاهدنا جميعاً التطبيق العملي لهذه المقولة خلال مباراة المنتخب الجزائري أمام المانشافت الألماني في ثمن نهائي المونديال العالمي. محاربو الصحراء "اسم على مُسمّى"، الفريق الذي فعل كل شيء داخل المستطيل الأخضر وتحدى عمالقة وأباطرة الكرة ليؤكد للجميع بأن البطل يولد من رحم الأحداث.
فازت ألمانيا وصعدت إلى ربع النهائي، لكن الجميع تحدث بعد المباراة عن جانب واحد، قيمة وقوة وشجاعة الأخضر الجزائري، لدرجة أن كل المتابعين بلا استثناء اتفقوا على حقيقة واحدة، أن هذا المنتخب قدم تجربة حسنة السمعة لكرة القدم في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، إنه جيل لا يهاب.
حاليلوزيتش يستحق
علامة كبيرة للمدير الفني وحيد حاليلوزيتش، الرجل الذي لعب بأكثر من تكتيك وطريقة لعب طوال البطولة، وأثبت نجاحاً ملموساً خصوصاً في المباريات الثلاث الأخيرة. المزج بين خطة 4-1-4-1 و 4-2-3-1 والتحول إلى 4-3-3 أثناء الهجوم، والعودة إلى 4-5-1 في الدفاع، كلها خلطات استخدمها الرجل بنجاح أمام كوريا الجنوبية والدب الروسي، وتوقع الجميع استمرار المسار خلال مباراة الألمان، لكن الرجل فاجأ الجميع بأسلوب مغاير تماماً.
البدء بـ 3-5-1-1 مغامرة تستحق التقدير، ثلاثة مدافعين على خط واحد للحد من قوة الهجوم الألماني وخلق زيادة عددية في العمق، بالإضافة إلى وجود ظهيري جنب أقرب إلى الـ Wing Backs في الدفاع والهجوم، الخماسي الخلفي يتمركز أمامه رباعي آخر، ثنائي بالارتكاز، هما تايدر ولحسن، وثنائي على الأطراف، فيجولي وسوداني، مع سليماني كمهاجم صريح، من 3-5-1-1 على الورق إلى 5-4-1 في الملعب التي تتحول إلى 3-4-3 بتقدم الأطراف إلى الأمام.
يقول مدرب شيلي سامباولي، جهّز لاعبيك لكي تهاجم حتى تستطيع أن تدافع بهم، وداخل المستطيل قام حاليلو بهذه الفكرة، الاعتماد على مجموعة من اللاعبين قادرة على الدفاع والهجوم معاً، أي الجري والعدو وقطع الملعب ذهاباً وإياباً، ونجحت الإشارة أمام منتخب ألمانيا الذي يعيبه البطء الشديد لخط دفاعه ووسطه، لذلك شكّلت المرتدات الجزائرية طوفاناً صاعقاً على الماكينات الألمانية.
لكل خلطة هفواتها، ومشكلة الجزائر الوحيدة هجومياً كانت في عدم استغلال الفرص، بالإضافة إلى غياب اللاعب المهاري الذي يصنع الفارق بين الخطوط. نجح وحيد في اختيار عناصر قوية وسريعة، لكنه احتاج أيضاً إلى اللمسة السحرية التي تأتي بأشياء غير متوقعة في اللحظات الفارقة من عمر المباراة، ربما وجود جابو أو براهيمي من البداية كان الحل، لكن الأمر مردود، سليماني كان بإمكانه إنهاء كل شيء في أكثر من مناسبة.
ورغم كل الانتقادات والحرب الإعلامية التي خاضها الرجل إلا أنه ظل ثابتاً حتى النهاية ليجمع بين الأداء والنتيجة في بعض المباريات، ويخسر بشرف في بعضها الآخر. مدير فني يستفيد من أخطائه ويتعامل مع الكرة وكأنها حرب، تستحق خططاً مختلفة وتكتيكاً مغايراً، من فترة إلى أخرى.
الحارس كل الفريق
يقول الخبراء إن حارس المرمى نصف الفريق، لكن الحقيقة في هذا المونديال أن الحارس هو كل الفريق. تألق مبولحي بشكل لافت طوال المباراة وأنقذ فريقه من كرات خطيرة، بينما ظهر نوير وكأنه اللاعب الأهم في التشكيلة الألمانية، ليس مجرد حارس بل لاعب كرة قدم، يعرف كيف يمرر ومتى يخرج وأين يراوغ، هو العنصر الأبرز في خط الظهر الأوروبي.
لعبت ألمانيا بطريقة 4-3-3 وحينما تحول لام إلى الظهير أصبحت الطريقة أقرب إلى 4-2-3-1، والحقيقة أننا يجب أن نذكر الرقم 1 قبل أية خطة، أي الأفضل ذكر الخطة بهذا الشكل، 1-4-3-3 نظراً لأهمية نوير المثالية داخل الملعب. الليبرو أو الظهير القشاش الذي يتصدى للهجمات، ويغطي خلف زملائه، كذلك يبدأ الهجمة ويمرر بطريقة عبقرية.
فازت ألمانيا في النهاية لفارق الخبرات وقوة لياقة نجومها، لكن المشاكل الدفاعية واضحة بشدة، ليس فقط بسبب سوء عناصر الخط الأخير، بل أيضاً في نقص الدعم من الوسط وغياب مساندة الأطراف. يظهر الكابتن لام وكأنه سوبر مان، يضبط نواقص الوسط ويتحول إلى مركز الظهير عند الحاجة، لكن الفراغ يأتي بظله على مستوى التحولات من الهجوم إلى الدفاع، والمساحات الفارغة في وبين الخطوط، ظواهر خطيرة تهدد المسيرة قبل قمة الديوك التاريخية.