حالة طوارئ افتراضية في تونس

10 سبتمبر 2015
من بنود حالة الطوارئ تقييد الحق في التظاهر (Getty)
+ الخط -
تعيش تونس في الآونة الأخيرة في ظلّ نظام الطوارئ الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، عقب أسبوع من الهجوم المسلح على المنتجع السياحي في مدينة سوسة الساحلية بعد أن توجه للشعب التونسي بكلمة بتاريخ 4 يوليو/ تموز 2015 والمتضمنة إعلان حالة الطوارئ على كامل تراب الجمهورية التونسية، مدة ثلاثين يوماً، تم تمديدها إثر ذلك مدة شهرين، بداية من 3 أغسطس/ آب 2015 ، لما تواجهه البلاد من ظروف استثنائية وتحديات كبيرة ذات صبغة أمنية وإرهابية واجتماعية واقتصادية من جهة ومن المخاطر المحدقة بالبلاد داخلياً وخارجياً من جهة أخرى.


ومن بنود حالة الطوارئ منح أجهزة الأمن سلطات أوسع في التعامل مع الوضع الأمني، وتقييد الحق في التظاهر والاحتجاج، وذلك عبر تحجير الاجتماعات التي من شأنها الإخلال بالأمن أو التمادي في ذلك.

وإن كانت جل أحزاب المعارضة التونسية عبّرت عن رفضها قرار إعلان الطوارئ، وخشيتها لما يحمله من تضييق على الحرّيات وعلى الحق في التظاهر السلمي دون جدوى، استطاع وعي الشباب شلّ هذه الحالة العتيدة، حتى بدت "تشريعات الطوارئ" كمن يسعى فاشلاً للحاق بركب اتصالي سريع بعد أن كسر "فيسبوك" أبرز قواعد الطوارئ، وهي منع التجمهر والحق في التظاهر والاحتجاج.

وتمكن رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس من الضغط على السلطة وتسليط الضوء عديد المرّات على قضايا أضحت إثر ذلك قضايا رأي عام لعلّ أبرزها حملة "#وينو_البترول" التي انطلقت من العالم الافتراضي بعد صيحات شباب البلاد المهمش والداعي إلى تحقيق التنمية وإلى تطبيق مبدأ التمييز الإيجابي الذي نصّ عليه دستور الجمهورية الثانية، إلى حراك اجتماعي في الساحات العامة من أجل الكشف عن عقود البترول وعن نصيب الدولة منها، إضافة إلى كشف الحقائق خاصة في ملف البترول، ومعرفة كميات الإنتاج ومداخيله، خصوصاً بعد إشارة عدد من الخبراء والمختصين عن وجود فساد في هذا القطاع، وهو ما جعل وزير الصناعة ومجلس نواب الشعب يتحركون في هذا الإطار ونشرون بعض العقود والاحصائيات في الغرض عبر المواقع الحكومية الرسمية والتدخل في جلّ وسائل الإعلام لتوضيح الموضوع للرأي العام.

لم تعد صفحات التواصل الاجتماعي تستثني أحداً أو تغفل عن شيء، فقد أطلق ناشطون على "فيسبوك" حملة ضدّ مشروع القانون الأساسي المتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة الوطنية في المجال الاقتصادي والاجتماعي إثر مبادرة من رئيس الجمهورية التونسي، وذلك لما اعتبره تواصلاً لنجاح مسار العدالة الانتقالية في مجال الانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام واستكمالاً للمسار في أقرب الآجال الممكنة تلافياً للانعكاسات السلبية المترتبة عن طول أمد معالجة هذه الانتهاكات على الاقتصاد الوطني، فضلاً عن تسوية الوضعيات العالقة وتعبئة موارد من العملة الصعبة لفائدة الدولة بما يساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني.

لم تكف الأسباب المرفوقة والتوضيحات المقدّمة لصدّ الحملات الرافضة لهذا القانون، خصوصاً لنشطاء "فيسبوك" الذي أطلق حملة تحت عنوان"‫#‏مانيش_مسامح"‬‬ باعتبار أنّ هذه المبادرة تتعارض مع قانون العدالة الانتقالية التي تشرف عليها هيئة الحقيقة والكرامة التونسية، فضلاً عن اعتباره إفلاتاً من المحاسبة، خصوصاً رجال الأعمال المتورطين في الفساد مع النظام السابق. كما اعتبر مطلقو حملة "‫#‏مانيش_مسامح"‬‬ أن هذا القانون سُنّ خصيصاً لأصحاب المال والأعمال والنفوذ.

استطاعت هذه الحملة أن تثير جدلاً في الأوساط السياسية والاقتصادية ولدى الرأي العام التونسي ومن المنتظر أن يحسم مجلس نواب الشعب التونسي في هذه المسألة، في الأيام القليلة القادمة، خصوصاً بعد تكوين المعارضة التونسية جبهة التصدي لهذا القانون.

لا نستطيع أن ننسى، أيضاً، ما تثيره معظم الصور التي تنشر على هذه الصفحات والتي تجرّ أصحابها في النهاية إلى نشر توضيح أو تكذيب أو التفاعل معها سلباً أو إيجباً، وعلى سبيل الذكر لا الحصر استطاع مقطع فيديو نشر لمدير إقليم الأمن في مدينة المنستير، وهو يعتدي على مواطنة في رمضان المنقضي من إجبار وزير الداخلية التونسي على التدخل وإعفائه من مهامه لتجاوزه حدود السلطة.

كما نشرت بعض صفحات التواصل الاجتماعي، في الأيام القليلة الماضية، مقطعاً مصوراً يبرز المعاملة السيئة وإهمال رجل مسن في أحد المستشفيات الحكومية التونسية بمنطقة نابل، مما دفع وزير الصحة إلى زيارة ميدانية عاجلة للمستشفى.

فاجأ الشباب العربي عموماً والتونسي بصفة خاصّة الأنظمة الحاكمة بصورة جديدة لشباب "الإنترنت"، و"فيسبوك"، فقد فند تماماً ما أشيع عنه بأنه "جيل تافه" لا يأبه بالقضايا الوطنية، فبحسب إحصائيات هناك نحو أربعة ملايين تونسي يتابعون لحظة بلحظة ما ينشر في مواقع التواصل من مستجدات ويولونها أهمية بالغة، ولعله السبب الأبرز لتفاعل الطبقة السياسية بصفة مباشرة وفورية مع ما ينشر عبرها.

(تونس)
دلالات
المساهمون